عدالة الغرب داخلياً .. وعنفه خارجياً
عوض ضيف الله الملاحمة
جُلِب الرئيس الفرنسي
السابق / نيكولا ساركوزي الى سجن لا سانتيه الفرنسي الكائن في مدينة باريس . ليقضي
عقوبة السجن لمدة ( ٥ ) سنوات ، حيث حُكم عليه من قبل القاضية / ناتالي غافارين ،
بحكم تاريخي.
نيكولا ساركوزي ،
مواليد ١٩٥٥ . وكان رئيس الجمهورية الفرنسية خلال الاعوام ( ٢٠٠٧ — ٢٠١٢ ). والده
من أصول مجرية كاثوليكية . ووالدته من أصول يهودية يونانية ، وله من الأولاد
( ٤ ) . ويعتبر من رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة ، وهي الجمهورية التي
إبتدأت منذ عام ١٩٥٨ ، في عهد الرئيس / شارل ديغول ، ومستمرة حتى الآن . ورقمه
( ٢٣ ) بين رؤساء فرنسا ، وجاء بعد الرئيس / جاك شيراك .
نشأ في باريس ، وشغل
منصب وزير الداخلية . ورئيس حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية . وخسر في إنتخابات
٢٠١٢/٥/٦ ، أمام الرئيس / فرانسوا أولاند . وبعد أقل من شهرين ، وتحديداً بتاريخ
٢٠١٢/٧/٣ داهمت الشرطة الفرنسية مكاتب ساركوزي ، كجزء من تحقيق في مزاعم بأنه كان
ضالعاً في تمويل لحملته الإنتخابية الرئاسية في عام ٢٠٠٧ ، بشكل غير قانوني من
ليليان بيتنكور ، وريثة شركة مستحضرات التجميل العالمية ( لوريال ) ، ومَثل
في قصر العدل للإدلاء بإفادته حول القضية ، وتمت تبرئته منها .
وفي عام ٢٠١٤ ، وبعد
سنتين من إبتعاده عن الحياة السياسية ، رجع ساركوزي ، وترشح أولاً لرئاسة حزب
الإتحاد من أجل حركة شعبية ، تمهيداً للترشح لولاية ثانية لرئاسة فرنسا عام
٢٠١٧ ، وفاز ساركوزي برئاسة حزب الإتحاد ، ووعد بعدة اصلاحات جذرية في الحزب ، وتم
تغيير إسم الحزب الى الجمهوريين ، وبهذا اصبح ساركوزي أول رئيس لحزب الجمهوريين
الجديد.
بتاريخ ٢٠٢٥/٩/٢٥
الماضي ، حكمت المحكمة على ساركوزي بتشكيل (( عصابة أشرار )) ، في قضية التمويل
الليبي ، وبتهمة التآمر الجنائي لدوره في مخطط لتمويل حملته الرئاسية عام ٢٠٠٧ ،
بأموال من ليبيا . وتخص القضية سعي إثنين من رجالاته ، وهما : بريس أورتوفو ،
وكلود غيون ، للحصول على أموال من الزعيم الليبي / معمر القذافي ، لتمويل حملة
ساركوزي الرئاسية عام ٢٠٠٧ . وبينت التحقيقات انهما التقيا في طرابلس مع مدير
المخابرات الليبية ، وصهر القذافي / عبدالله السنوسي . ويعتقد ان القذافي كان يسعى
في المقابل الى رفع العقوبة عن صهره المحكوم عليه في فرنسا بالمؤبد ، في قضية
تفجير طائرة ركاب في النيجر عام ١٩٨٩ ، وقُتل فيها ( ١٧٠ ) شخصاً ، بينهم ( ٥٤ )
فرنسيا.
بالتاكيد ان ساركوزي
يعتبر أول رئيس فرنسي يسجن من رؤساء الجمهورية الخامسة منذ عام ١٩٥٨ ، وهو
أيضاً الرئيس الوحيد في الإتحاد الأوروبي الذي تنفذ بحقه هكذا عقوبة .
وها هو الرئيس الفرنسي
الأسبق ساركوزي ، يقبع في زنزانته اعتباراً من ٢٠٢٥/١٠/٢١ . زنزانة مساحتها
الإجمالية ( ٩ ) أمتار مربعة . كيف لرئيس فرنسي ان يقضي ( ٥ ) سنوات في زنزانة
بهذه المساحة الضيقة ، وهو رجل قد إعتاد العيش في قصور الجمهورية الفرنسية ، وذاق
طعم الرفاهية فيها ؟ وسيتم وضع ساركوزي في جناح العزل ، لأسباب أمنية .
في الغرب يطبقون العدل
والعدالة بينهم بشكل كبير . لذلك وجد الرئيس الفرنسي الأسبق نفسه خلف القضبان ،
تنفيذاً للعدل والعدالة . وللتوضيح :—(( فالعدل )) :— يركز على تطبيق القوانين
والنصوص بشكل موضوعي وحيادي . وهذا تمثّل في إدانته ، وصدور الحكم بالسجن ل ( ٥ )
سنوات ضده . فالعدل إذاً هو مساواة مجردة تعتمد على النص . أما (( العدالة )) :—
فهي : مفهوم أوسع يشمل الإنصاف ، والأخلاق ، والقيم الإنسانية ، ويتطلب أخذ الظروف
الفردية بعين الإعتبار ، لتحقيق التوازن . اي انها مساواة واقعية تأخذ
الظروف الخاصة بعين الإعتبار.
حادثة دخول الرئيس
الفرنسي الأسبق/ ساركوزي ، ذكرتني بما قاله المفكر المغربي / (( المهدي المنجرة ))
عندما وصف عدالة وديمقراطية الغرب ، حيث قال بما معناه :— (( ان الغرب يطبق
الديمقراطية الى حدّ بعيد على مواطنيه داخل بلدانهم ، ويدعون قيادات العالم الثالث
ظاهرياً لإتباع الديمقراطية كنهج ، لكنهم خلف الأضواء يطلبون غض الطرف عن إتباع
النهج الديمقراطي ، بل ويحضونهم على إدارة اوطانهم بقبضة حديدية ، واتباع كافة
أشكال القمع ، حفاظاً على مصالح الغرب التي ترعاها قيادات العالم الثالث المتخلف ،
ليبقى متخلفاً ، مقهوراً ، ومنهوباً ))
.
ساركوزي لم يخن بلاده ،
ولم يسرق ، ولم يتدخل في العطاءات ولا المناقصات ، ولم تتكسب عائلته او
مقربيه ، ولم يتقاض عمولات ، كما انه لم يسفك دم فرنسي ، ولم يتصد للمظاهرات بعنف
، ولم يسجن احداً ، ولم .. ولم.
ما فعله ساركوزي يتلخص
بمحاولته الحصول على تمويل (( خارجي )) لدعم حملته الإنتخابية فقط . ولو حدث ذلك
في إحدى دول العالم الثالث لتمت فبركة الأمور ، وليَّ عنق الحقيقة ، وإعتباره
وطنياً بإمتياز لأنه جلب دعماً خارجياً ، بغض النظر عن تبعاته .
هذه شوزيفرينيا الغرب ،
حيث يراعون تطبيق الديمقراطية الحقة داخل بلدانهم ، وعلى مواطنيهم . لكنهم محتلون
، قتلة، مجرمون مع الغير من شعوب العالم . خاصة اذا كان هذا الغير من دول
العالم الثالث المتخلف عامة ، او العرب خاصة .
كيف لا ؟ وهل يمكن
نسيان إجرام فرنسا في الجزائر ؟ حيث كانت دموية بإمتياز ، وأسفر إستقلال الجزائر
عن (( ٢ )) مليون شهيد حسبما تأكد . وكيف لنا ان ننسى بطش فرنسا الإستعمارية في
الجزائر ، وهي التي شيدت متاحف من جماجم وعظام المناضلين الجزائريين ؟ ثم اليست
فرنسا سبب تخلف القارة الأفريقية برمتها بسبب نهبها ثرواتها وخيراتها ومساندة
حكامها بحكم اقطارهم بالعنف والقهر والظلم ؟
لو ان ما حصل مع
ساركوزي ، حصل مع إحدى زعامات العالم الثالث ، لإستخدم كافة سلطاته وجبروته ونفوذه
وهو في سِدّة الرئاسة ، وأخفى كافة الوثائق التي تدينه . أليس كذلك !؟
ولو كان ساركوزي مثل
زعماء العالم الثالث المتخلف لإنتقم من كل من تتبعه ، ولما تجرأ اي إنسان ان ينبس
ببنت شفه ضده.
لله درها من ديمقراطية
، لا تشبه بأي حال من الأحوال ديمقراطيات العالم الثالث العرجاء ، المشوهة .
ديمقراطية الغرب ديمقراطية حقّة ، يطبقونها على شعوبهم ، وفي أوطانهم فقط . أما
خارج أوطانهم فهم مستعمرون ، دمويون ، قتلة .
وأختم مُذكِراً بحادثة
حدثت في فرنسا ذاتها عام ٢٠٢١ ، عندما صفع رجل فرنسي إسمه / تاريل ، الرئيس
الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ، وحُكم عليه بالسجن ( ٤ ) أشهر فقط ، لأنه عند
تكييف القضية ، تم إعتبار الرجل قد أقدم على صفع موظف عام . تخيلوا لو حدث ذلك في
إحدى دول العالم الثالث المتخلف !؟

























