السبعة وذِمِّتها .. ( وإلّا ).. ( وزَمِّتها )
عوض ضيف الله الملاحمة
ما أكثر الأمثال التي
يتداولها الناس ، وخاصة العرب . لتوصيف درجة إنتشارها ، يمكن القول انها تكاد تغطي
، وتتطرق الى معظم جوانب الحياة المجتمعية .
قبل البدء ، أرى
انه لابد من تعريف المثل :— المثل هو قول مأثور ، او حكاية قصيرة مجازية ،
يعبر عن حقيقة مُدركة ، او درس اخلاقي ، من خلال مقارنة موقف معروف بحقيقة او سلوك
شخصي . وتستخدم الأمثال ( لغة رمزية ) لتبسيط المفاهيم المعقدة وتوضيح الدروس
بطريقة شيقة لا تُنسى.
والمثل الشعبي من
أكثر( فروع الثقافة ) الشعبية ثراءً ، وإنتشاراً . حيث يجسد تعبيراً
عن نتاج تجربة شعبية طويلة ، تخلص الى ( عبرة وحكمة ) ، ومجموعة الأمثال الشعبية
تكوّن ملامح فكر شعبي ، له سِمات ومعايير خاصة . فهي إذاً جزء مهم من ملامح الشعب
، وأسلوب حياته ، ومعتقداته ، ومعاييره الأخلاقية .
ذكر الأستاذ / جمال
طاهر ، في موسوعته عن الأمثال الشعبية ، ان المثل الشعبي ليس مجرد شكل من ( أشكال
الفنون الشعبية ) ، وإنما هو عمل يستحث قوة داخلية على التحرك . إضافة لذلك فإن
المثل الشعبي ، له تأثير مهم على سلوك الناس ، فالمعنى والغاية يجتمعان في كل
أمثال العالم . وهذه الأمثال على اختلافها تعبر عن تاريخ وفكر الأمم .
المثل الشعبي هو أشبه
ما يكون ( بالرواية الشعبية ) التي تقص ( قصة موجزة ) فتسهم في تكوين (الفكر
الشعبي ) . ومجموعة الأمثال الشعبية تكوِّن ملامح فكر شعبي ذي سمات ومعايير خاصة ،
فهي اذاً جزء من ملامح الشعب وقسماته واسلوب عيشه ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية .
والمثل ( لون
أدبي ) معبِّر ، طريف المحتوى ، عظيم الفائدة ، يلخص ( تجربة إنسانية ) ، يتردد
على ألسنة الناس ، على ان شعبية المثل مكّنته من احتلال موقع جليل في نفس قائله
وسامعه ، وجعلت له مكان الصدارة من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول
الشعبية.
الأمثال ( حِكم شعبية
شفهية ) مجهولة القائل ، وهي واسعة الإنتشار بين العامة والخاصة .
والمثل كما يراه
الفارابي : — هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى إبتذلوه فيما بينهم ،
واقتنعوا به ، وهو ( أبلغ الحكمة ) ، لأن الناس لا يجتمعون على ناقص . ولذا فالمثل
قيمة خلقية مصطلح على قبولها في شعبها ، وهو يمر قبل اعتماده وشيوعه على غربال
معايير هذا الشعب.
قد يستكثر أحد القراء
الكرام ويعتبر المقدمة اعلاه طويله ، وانا اتفق معه ، لكن ما دعاني اليها هو توضيح
( كيفية نشوء المثل ) ، ( ومدى اهميته وجماهيريته ) ، وكذلك لأوضح بان المثل
الشعبي هو ( قطعة أدبية مرموقة الصياغة ) ، ولا يخلو من السجع ،
والمقارنة، والمقاربة ، والتضاد ، والبلاغة ، والمبالغة ، ( والحصافة ) في
القول ، ( والقدرة على التعبير ) ، ترافقها ( مهارة الإختصار ) ، ( والتشويق ) في
الطرح . يعني ان المثل ( لون ادبي مرموق ) ، ومقدّر لانه مُعبر ( ويلخص تجارب
الشعوب ) .
لكن رغم كل صفات المثل
الشعبي التي ذكرناها اعلاه ، الا ان الكثير منها تعرض ( للتحريف ) في ( المبنى ) ،
( والمعنى ) ، ( والمقصد ) ، ( والغاية ) سواء كان بعلم ، او عن قصد ، او بجهل
وسطحية تشوه المثل وتبعده عن اهدافه ، فيذهب بعيداً عما قُصِدَ
منه .
بعد ان رجعت الى أصول
بعض الأمثال تأكد لي ما حدث عليها من تغيير وتعديل في ( اللفظ ) وفي ( المعنى ) ،
( واستبدال كلامات بأخرى ) ، احياناً لغايات السجع ، او عدم فهم المعنى والمقصد من
المثل.
وسوف أسرد بعض الأمثال
التي تعرضت للتحريف عن معناها او لفظها الأصلي : — المثل الذي يقول :( عامل
السبعة وذمتها ) ، لكن الصيغة الصحيحة للمثل هي : ( عامل السبعة وزَمِّتها ) .
ويُقصد به الشخص الماهر جداً الذي يتقن عمله ، لدرجة انه يستطيع ان يعمل التفاصيل
الدقيقة والمعقدة ، خلاف المعنى المتداول القبيح . وقصة هذا المثل : في ذاك الزمان
إنتشر موديل فرنسي يضيف ( زَمَّه ) على ( القَبَّه v) ،
ولم تتقن النساء اللواتي يخطن الملابس ، الا خياطة دمشقية كانت تتقن خياطة (
القَبّة السبعة v )،
بتفاصيلها المفتوحة المزمومة ( المغلقة ) ، فصار المثل يُضرب لمن يتقن شيئاً
إتقاناً تاماً . وعليه تبين ان المثل ليس له علاقة لا ( بالذمة ) ، ولا ( بالضمير ) .
تحريف في النطق ، او
خطأ في النقل :
وهناك مثل تم تحريفه :
( إسأل مجرب ولا تسأل طبيب) والصحيح ( إسأل مجرب ولا تنسى الطبيب ) . ومثل
آخر تم تحريفه عن مقصده : ( إبعد عن الشر وغنّيله ) والصحيح : ( إبعد عن
الشر وقنِّيله )
.
وهناك مثل تم تحريفه
لفظاً ومعنى : ( انا كافي خيري شرّي) والصحيح ( انا كافي غيري شرّي ) .
وهناك أمثالاً
مُحرّمه ، مثل : ( لا يرحم ولا يخلي رحمة ربنا تنزل ) . ( من علمني حرفاً صرت له
عبداً ) ، فتقدير العلماء واصحاب الفضل فرض لكنه لا يصل لدرجة العبودية .
ومثل : ( انا عبد مأمور
) فالعبودية لله وحده . ( حاجه تقصِّر العُمر ) فالأعمار بيد الله وحده . ( العمل
عباده ) ، لا عبادة الّا لله سبحانه وتعالى . ( رزق الهُبل على المجانين ) ، الرزق
مقسوم من عند الله سبحانه وتعالى.
( ساعة لقلبك وساعة لربك ) ، تأرجح بين غايتين
متناقضتين . و ( الأقارب عقارب ) ، والحقيقة ان الأقارب سند ، ولماذا لم نقُل (
القرايب حبايب ) ؟ و ( انا واخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب ) ، يعني
أولويات في الخصومة والنزاعات ، بدلاً من مساندة صاحب الحق إحقاقاً للعدالة .
كما ان هناك أمثالاً
يتم تداولها أدت دوراً سلبياً ، وشوهت بعض القيم والمفاهيم المجتمعية، منها :— (
إذا كان إلك عند الكلب حاجه قلوا يا سيدي ) ، يبدو ان الذي رواه رخيص . و
مثل : ( فخار يكسر بعضه ) يبدو ان الذي رواه عديم المسؤولية . و مثل : ( خاف من
عدوك مرة ومن صديقك الف مرة ) ، عقلية المتشكك المُرتاب . و ( إمشي في جنازة
ولا تمشي في جوازه ) ، أنا سعى في زواجي الباشا / عماد المدادحة ، وبعد ( ٤٠ )
عاماً على زواجي أقدّم له جزيل شكري وإمتناني . و ( يا مآمنه للرجال يا مأمنه
للميه في الغربال )، تعميم سببه الجهل والتعميم الخاطئ . و ( اذا ما كِبرت ما
بتزغر ) حُبّ التصعيد بدلاً من إجتراح الحلول ، ووأد الفتنة .
وهناك أمثالاً
عامه :— ( طب الجرة على ثمها تطلع البنت لأمها ) ، ليس شرطاً ان تشبه البنت أُمها
. و ( في قلبي صدى ما بحبش حدا ) . و ( اللي ما يعرف الصقر يشويه ) يُضرب لمن لا
يقدِّر الأشياء الثمينة . وهناك مثل جميل يحث على التروي والإبتعاد عن التسرع
والعجلة : ( أبطيء ولا تخطيء )
.
وأختم بحديث نبوي شريف
تم تحريف معناه ، حيث يقول الحديث نصاً : ( أُنصر أخاك ظالماً او مظلوماً ) ،
ومعنى الحديث الشريف : اذا كان أخاك مظلوماً فساعده على إستعادة حقه ، واذا كان
ظالماً فامنعه عن ظلمه ، فان ذلك نصر له ، على نفسه وهواه ، وهو افضل انواع النصر .



















