شريط الأخبار
وفاة طفل خلال عبثه بمسدس والده بجرش التنين ينتظر سقوط الدب والنظام الدولي ينهار تحت وطأة الانتظار الصيني العظيم 'البوتاس العربية' توقع اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد مع 'يارا' النرويجية لتوريد البوتاس للأسواق العالمية الاردن: سلاح الجو يشارك بقصف داعش في سورية الحملة الأردنية والهيئة الخيرية الهاشمية توزعان وجبات ساخنة في غزة (فيديو) العثور على مفقود منذ ايام متوفيا في الكرك قتلة وبائعو وهم: أبادوا غزة في الواقع.. وبنوا مدينة متطورة في احلام البقظة! قصف امريكي لعشرات أهداف "داعش" وسط سوريا الخلايلة: قيمة اشتراكات الضمان لن تُمس.. لكن زيادة مدتها فيه نظر بدء نشر ملفات ابستين: لعنة قلعة الاعتداء الجنسي على القاصرين تلاحق امبراطورية الشر محافظة: وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية بديلا لوزارة التربية ولا دمج مع "التعليم العالي" ولي العهد يحيي النشامي ويبارك للمغرب ويشكر قطر الملك للنشامى: كلنا فخورون بكم وبما حققتم "الشيوعي الاردني": اعتقال عضو الحزب محمد فرج منذ اسبوع الموت القلبي المفاجئ… خطر صامت مقدر يختصر أعمار مرضى السكري الأمن العام : مدافئ الشموسة أداة قتل داخل منازلكم.. تخلصوا منها في نقد التحول من الاشتراكية الى الرأسمالية مربعانية الشتاء تدخل الأحد.. توقع اجواء باردة جدا وأمل بالامطار والثلوج امريكا تواصل "بلطجتها" ضد الجنائية الدولية دعما لاسرائيل.. والمحكمة ترفض معاريف: موافقة نتنياهو ونرامب على صفقة الغاز لمصر تهدف لاحتواء النفوذ التركي والقطري بغزة

جاهزية الأردن لكأس العالم: من إنجاز التأهل إلى الاستعداد القائم على إدارة المشاريع

جاهزية الأردن لكأس العالم:  من إنجاز التأهل إلى الاستعداد القائم على إدارة المشاريع


بقلم: المهندس نبيل إبراهيم حداد

مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع

يمثل تأهل الأردن إلى نهائيات كأس العالم إنجازًا تاريخيًا في مسيرة الرياضة الوطنية، ولحظة فخر وانتظار طال أمده لدى الأردنيين. إلا أن التأهل، في هذا المستوى من المنافسة، ليس الهدف النهائي بحد ذاته، بل هو نقطة الدخول فقط. التحدي الحقيقي يكمن في الجاهزية، وحسن التنفيذ، والقدرة على الظهور بمستوى مشرف على الساحة العالمية.

من هنا، لا ينبغي التعامل مع كأس العالم كسلسلة مباريات أو مشاركة رمزية، بل كـ مشروع وطني ضخم، يخضع لنفس مبادئ النجاح المعتمدة في مشاريع الهندسة والصناعة والمشاريع المعقدة: التخطيط المنهجي، محاكاة السيناريوهات، تعبئة الموارد بالكامل، والانضباط في التنفيذ.

 

التأهل إنجاز… لكن الجاهزية هي الاختبار الحقيقي

أثبت المنتخب الأردني قدرته على التأهل من خلال الإصرار والموهبة والروح القتالية. غير أن بيئة كأس العالم تختلف جذريًا، إذ تتميز بـ:

أنظمة تكتيكية متقدمة

كثافة بدنية وذهنية عالية

عمق في التشكيلة والتعاقب الوظيفي

سرعة اتخاذ القرار تحت الضغط

هامش خطأ شبه معدوم

في مثل هذه البيئة، لا تكفي الموهبة وحدها. العامل الحاسم هو عمق الاستعداد وجاهزية المنظومة، وهما من صميم مفاهيم إدارة المشاريع الاحترافية.

 

إدارة كأس العالم كمشروع وطني

في مشاريع الهندسة الكبرى، لا يعني الفوز بالعطاء أن المهمة قد أُنجزت، بل تبدأ بعدها مرحلة التنفيذ الحقيقي، حيث يصبح التخطيط التفصيلي، وإدارة المخاطر، وتنسيق أصحاب المصلحة، وتخصيص الموارد بشكل كامل، عناصر حاسمة للنجاح. المنطق ذاته ينطبق على حملة الأردن في كأس العالم.

يجب التعامل مع هذه المشاركة على أنها برنامج وطني متكامل، لا حدث رياضي عابر، له أهداف واضحة، ومسارات عمل منسقة، ومؤشرات أداء قابلة للقياس.

 

1. إشراك عدة مدربين: مسارات عمل فنية متوازية

ينبغي ألا يقتصر الإعداد على جهاز فني واحد، بل إشراك عدة مدربين ذوي خبرة في مرحلة التحضير. كل مدرب يمثل مسار عمل فنيًا متوازيًا، على غرار الفرق التخصصية في المشاريع الكبرى.

يحقق هذا النهج:

تقليل الاعتماد على نقطة فشل واحدة

تنوعًا تكتيكيًا أوسع

تسريع التعلم والتأقلم

تعزيز النقد البنّاء وتحسين الأداء

يبقى المدير الفني هو المنسق العام وصاحب القرار النهائي، بينما يعمل المدربون الآخرون كخبراء تكتيك وتحليل.

 

2. محاكاة تكتيكات منتخبات كأس العالم

يُكلف كل مدرب بمحاكاة أسلوب لعب منتخب دولي مشارك في كأس العالم.

هذا النهج يعكس مفهوم محاكاة السيناريوهات وإدارة المخاطر في المشاريع، مثل:

منتخبات تعتمد الضغط العالي

منتخبات دفاعية تعتمد الهجمات المرتدة

مدارس تعتمد القوة البدنية واللعب المباشر

فرق تعتمد الاستحواذ وبناء اللعب

التدريب المتكرر على هذه السيناريوهات يقلل عنصر المفاجأة، وهو أخطر المخاطر في البيئات عالية التنافس، ويعزز الذكاء التكتيكي، وسرعة التكيف، والثقة.

 

3. مثال تطبيقي من خارج كرة القدم: «لعبة الأمم» ومحاكاة هوية الخصم

هذا التوجه ليس اجتهادًا رياضيًا معزولًا، بل هو منهج احترافي مُجرَّب في مجالات شديدة الحساسية، وعلى رأسها التفاوض الدولي وصنع القرار الاستراتيجي.

في مدارس الدبلوماسية، والعلاقات الدولية، والمؤسسات العسكرية ومراكز التفكير، يُستخدم أسلوب يُعرف بـ "Game of Nations” لعبة الأمم، حيث:

يتقمص كل فريق هوية دولة أخرى بالكامل

يدرس تاريخها وثقافتها ومصالحها وخطوطها الحمراء

يتبنى طريقة تفكيرها وأسلوبها في التفاوض أو المواجهة

ثم يدخل في محاكاة واقعية مع فرق أخرى

الهدف ليس التمثيل، بل فهم عقل الخصم بعمق. وقد أثبت هذا الأسلوب قدرته على تقليل المفاجآت، ورفع جودة القرار، وتحقيق نتائج أفضل.

وكما في التفاوض بين الدول، فإن كرة القدم في أعلى مستوياتها تُحسم غالبًا لصالح من يفهم خصمه أكثر.

 

4. برنامج تدريبي موسع داخل المملكة كبيئة تنفيذ مضبوطة

من الضروري اعتماد برنامج تدريبي مركزي طويل الأمد داخل المملكة، باعتباره بيئة تنفيذ خاضعة للسيطرة الكاملة للمنتخب الوطني.

يوفر ذلك:

تحكمًا كاملًا بالجداول والأحمال التدريبية

تقليل إرهاق السفر والمخاطر اللوجستية

تعزيز الانسجام والانضباط

توحيد المنهج البدني والتكتيكي

تركيزًا ذهنيًا أعلى للاعبين

من منظور إدارة المشاريع، يشكل هذا خط أساس تنفيذي مستقر يقلل التشويش ويزيد فاعلية التنفيذ.

 

5. توسيع قاعدة اللاعبين: بناء القدرات والبدائل

يجب ألا يقتصر الإعداد على القائمة النهائية فقط، بل إشراك قاعدة أوسع من لاعبي الأندية (غير المختارين لكأس العالم) في برامج المحاكاة والتجهيز.

يحقق ذلك:

عمقًا في الخيارات

جاهزية بدائل مستقبلية

استدامة المشروع الوطني

رفع المستوى العام لكرة القدم الأردنية

وهذا يُعرف إداريًا بـ بناء القدرات والتعاقب الوظيفي.

 

6. التفريغ الكامل للاعبي المنتخب المشاركين في كأس العالم من الأندية

لضمان نجاح هذا النموذج، يجب تفريغ جميع لاعبي المنتخب المتجهين إلى كأس العالم تفريغًا كاملًا من أنديتهم خلال فترة الإعداد.

ويشمل ذلك:

الإعفاء من جميع المنافسات المحلية

التوقف عن التدريبات والبرامج الفنية للأندية

إنهاء أي ازدواجية في التوجيه الفني أو البدني

خلال هذه المرحلة، يصبح اللاعب موردًا وطنيًا متفرغًا بالكامل، يعمل حصريًا ضمن برنامج المنتخب الوطني، وتحت قيادة فنية، واحدة وسلطة تنفيذية واضحة.

في إدارة المشاريع، يُعد هذا مبدأ التخصيص الحصري للموارد خلال المراحل الحرجة، حيث لا يُسمح بتعدد المرجعيات أو تضارب الأولويات.

 

7. توزيع النماذج التكتيكية العالمية على الأندية (لغير لاعبي المنتخب)

بالتوازي مع إعداد المنتخب، يمكن توظيف الدوري المحلي كأداة تطوير عبر توزيع النماذج التكتيكية العالمية على الأندية، على أن ينطبق هذا النموذج على اللاعبين غير المختارين لكأس العالم.

على سبيل المثال:

الفيصلي – النموذج الأرجنتيني

الوحدات – النموذج البرازيلي

الرمثا – النموذج الألماني

الحسين إربد – النموذج الإنجليزي

هذا يعزز:

جودة المنافسة المحلية

تنوع المدارس التكتيكية

جاهزية مستقبلية للمنتخب

نقل معرفة على مستوى المنظومة

 

الخلاصة: من المشاركة إلى الجاهزية الوطنية

لقد صنع الأردن التاريخ بالتأهل. أما المرحلة القادمة، فهي اختبار للإدارة، والتنظيم، والقدرة على التنفيذ الاحترافي.

إدارة كأس العالم كمشروع وطني بتفريغ كامل للموارد، ومحاكاة ذكية، وانضباط مؤسسي قادرة على نقل الأردن من مجرد المشاركة إلى حضور محترم وأداء محسوب.

هذه ليست بطولة فقط

إنها مشروع دولة.