اتفاقية تعدين النحاس في الخشيبة: بين سلامة الإطار القانوني وحاجة الشفافية العامة
بقلم:المهندس نبيل إبراهيم حداد
مستشار الهندسة
والصناعة وإدارة المشاريع
أثار الجدل الدائر حول
اتفاقية التنقيب وتعدين النحاس في منطقة أبو خشيبة نقاشًا واسعًا داخل مجلس النواب
وفي الرأي العام، وهو نقاش مفهوم ومشروع حين يتعلق الأمر باستغلال مورد طبيعي
سيادي يمس حاضر الأردن ومستقبله الاقتصادي.
في هذا السياق، جاءت
تصريحات وزير الطاقة والثروة المعدنية المهندس صالح الخرابشة دفاعًا عن "صوابية”
الاتفاقية، متضمنة توضيحات قانونية ومالية تستحق التوقف عندها، ليس من باب
الاصطفاف أو المعارضة، بل من باب التقييم المهني الهادئ.
أولًا: ما يُحسب للطرح
الحكومي
من الواضح أن وزارة
الطاقة تعاملت مع الانتقادات بشكل مباشر، خصوصًا ما أُثير حول رأس مال الشركة
المتعاقدة وملاءة مالكها القانونية. تقديم شهادة تسجيل رسمية، وتوضيح أن رأس المال
المسجل يتجاوز المليون دولار، ونفي الادعاءات المتعلقة بكون مالك الشركة مطلوبًا
قضائيًا، كلها خطوات إيجابية في مسار تصحيح المعلومات.
كذلك، فإن الإشارة إلى
أن الاتفاقية صيغت وراجعتها شركات عالمية متخصصة، وتم التفاوض عليها مع جهات
متعددة، يعكس إدراكًا لأهمية الالتزام بأفضل الممارسات الدولية في قطاع حساس
كالتعدين.
أما من حيث العوائد
المالية، فإن هيكل الإتاوات المتدرج المرتبط بسعر النحاس العالمي (3%–10%)، إلى
جانب ضريبة الأرباح غير المتوقعة التي قد تصل إلى 50%، إضافة إلى إخضاع الشركة
للضرائب الوطنية، لا يُعد، من حيث المبدأ، خارج السياق العالمي المعتمد في استغلال
المعادن.
ثانيًا: أين تكمن
الحاجة لمزيد من التوضيح؟
رغم سلامة الإطار
القانوني المعلن، إلا أن النقاش لا يتوقف عند القانون وحده. فهناك فجوة واضحة بين
الخطاب الفني الموجه للمختصين، وتوقعات الرأي العام الذي يبحث عن إجابات بسيطة
ومباشرة.
من أبرز النقاط التي
تحتاج إلى توضيح أدق مسألة أرقام الإنفاق، حيث وردت أرقام مختلفة (300 ألف دولار
ثم 800 ألف دولار). هذا قد يكون مبررًا إذا كان الحديث عن مراحل متتالية، لكنه
يحتاج إلى عرض تراكمي واضح يزيل أي التباس.
كذلك، ورغم صحة القول
بأن رأس المال المسجل لا يعكس بالضرورة القدرة التشغيلية، إلا أن مشاريع التعدين
طويلة الأمد تتطلب طمأنة إضافية تتعلق بمصادر التمويل، والضمانات البنكية،
والالتزامات المالية المستقبلية، ليس تشكيكًا، بل تعزيزًا للثقة.
الأهم من ذلك، أن
الخطاب الرسمي لم يقدم حتى الآن صورة واضحة عن العائد الوطني المتوقع: حجم
الاحتياطي التقديري، العمر الزمني للمشروع، والقيمة الاقتصادية المتوقعة للأردن
على المدى المتوسط والطويل. المواطن لا يكتفي بأن يُقال له إن الاتفاقية "صحيحة”،
بل يريد أن يعرف ماذا سيجني وطنه فعليًا.
ولا يمكن إغفال البعد
البيئي والمجتمعي، خاصة في منطقة حساسة مثل وادي عربة. تقييم الأثر البيئي، وإدارة
المياه، وتأثير المشروع على المجتمعات المحلية، أصبحت اليوم عناصر أساسية في أي
مشروع تعدين محترم عالميًا، وطرحها بشفافية يقلل من المخاوف ويعزز القبول المجتمعي.
ثالثًا: الخلاصة
من خلال ما أُعلن حتى
الآن، لا تظهر مؤشرات على خلل قانوني جوهري أو شروط استثنائية تنتقص من حقوق
الدولة. لكن في المقابل، لا يزال هناك مجال واسع لتحسين إدارة الاتصال العام حول
الاتفاقية.
الجدل النيابي والشعبي
لا ينبغي أن يُفهم على أنه رفض مطلق للمشروع، بل هو تعبير عن حرص مشروع على موارد
الوطن، ويستحق أن يُقابل بمزيد من الشفافية، لا بمزيد من الدفاع فقط.
توصية أخيرة
بدل الاكتفاء بتأكيد
"صوابية” الاتفاقية، سيكون من الحكمة نشر ملخص تنفيذي مبسط يوضح للمواطنين المخاطر
والعوائد والضمانات والالتزامات البيئية بلغة واضحة ومباشرة. عندها فقط، ينتقل
النقاش من سجال سياسي إلى حوار وطني عقلاني حول كيفية إدارة موارد الأردن بما يخدم
مصلحته العليا.



















