شريط الأخبار
الأمن العام يحذر من الهطول المطري الشديد وتشكل السيول الحرّيات أولاً الصحافة الاسرائيلية "تُنجّم" بما سيخرج من لقاء ترامب- نتنياهو.. فماذا تتوقع؟! وفاة أربعيني بمنزله في مادبا ويشتبه بتعرضه للاختناق بغاز المدفأة التحذير من تسهيل مخططات تهجير الفلسطينيين وانشاء قواعد عسكرية بموانئ شمال الصومال لا تركيب لها بالشوارع.. التنمية تنشر 300 كاميرا شخصية مع مكافحي التسول لضمان الشفافية نقيب المهندسين: حوافز المباني الخضراء تشجع الاستثمار وتخفض كلف الطاقة والمياه عرض كليته للبيع مقابل 25 ألف دينار وانتهى بالسجن عاما ضبط مطلق النار "فرحا" بنفق الرابع العيسوي: التلاحم الوطني وحكمة الملك ركيزة صلبة للمؤسسية الوطنية وضمانة لتجاوز التحديات إحباط تهريب 138 ألف حبّة مخدرة بقضيتين منفصلتين ابو هنية: النواب يدرسون اتفاقية الخشيبة بتأن وشمولية..ولا قرار جاهزا تجاهها بنك الاتحاد يتوّج بجائزة "توظيف المرأة" من هيئة الأمم المتحدة وزير الطاقة يرد على معارضي اتفاقية النحاس: الشركة مؤهلة وتم التشاور قبل وضعها الأمانة تتعامل بالمنخفض مع تصدعات أبنية وفيضانات مناهل وفصل اشارات ضوئية الأرصاد: أمطار متوسطة الى غزيرة ورياح قوية واضطرابات جوية متتالية اطلاق نار بنفق "الرابع".. والأمن العام يحدد الفاعل تمهيدا نهاية عام اقتصادي عالمي صعب.. والمؤشرات المتاحة لعام 2026 تفيد بأنه لن يكون أفضل قوى سياسية وحزبية تسجل "ثغرات خطيرة" باتفاقية تعدين النحاس.. وتقترح تعديلات لتصويبها المطالبة بالافراج عن الاعلامي محمد فرج

الحرّيات أولاً

الحرّيات أولاً


 

لميس اندوني

غياب الحريات ليس السبب الوحيد في الأداء الهزيل للعالم العربي حيال حرب الإبادة الصهيونية المستمرّة ضدّ أهل غزّة، والضمّ التدريجي للضفة الغربية، أو التهديد الإسرائيلي المستمرّ لسورية ولبنان، لكنّه عاملٌ رئيس؛ فخنق الحريات والقمعُ السياسي أحدثا شللاً كانت نتيجته عدم مشاركة الشعوب العربية في طوفان الإدانة غير المسبوق للدولة الصهيونية وجرائمها.

فالدول العربية تنظر إلى الشرعية الخارجية، وتهمل (بل تقضي على) مصادر شرعيتها الداخلية؛ فهي تخاف الشعب أكثر من إسرائيل وأميركا، أو الأصحّ أنها تعتقد أن كبح الحريات العامّة يحميها من غضب أميركا وإسرائيل. فلم تعد هناك أهمية لمفهوم الأمن القومي، في وقتٍ تُجاهر فيه إسرائيل بمخطّطاتها التوسّعية. وقد ازدادت شراسة تل أبيب ووقاحتها حين استكانت الأنظمة التي تحاول تدجين الشعوب. ما حدث ويحدث هو فرض التطبيع مع إسرائيل فكرةً وممارسةً، بوصفه جزءاً من "التطوّر الحضاري للشعوب العربية"، وشرطاً لسيادة السلام والوئام.
يسمح كبت الحريات بنشر ثقافة الهزيمة واليأس والشعور بالعجز. وعزّز ذلك كلّه التلويح بأن الأمن والأمان واستقرار البلاد مشروطة بعدم السماح بالمعارضة وتنظيم المسيرات والاحتجاجات والإضرابات، حتى بتنا نرى قبولاً أوسع ممّا يظهر في السطح بإجراءات أمنية واعتقالات، وإغلاقٍ وتضييقٍ لمساحات الحريات العامّة وحرية التعبير

محزنٌ أن يكون استنتاج الأنظمة وفئات مجتمعية أن الصمت وترك الشعب الفلسطيني وحده هما سبيل الاستقرار والأمان. فنرى مفارقةً كبيرةً بين تعليقات ومشاركة واسعة لنشاطات في الغرب وخطابات تُدين إسرائيل وتتحدّث عن ضرورة مناهضة الاستعمار والصهيونية، يقابلها صمت كامل، أو أحياناً موافقة ضمنية لدى بعض هؤلاء (أو كثير منهم) على قمع النشطاء الذين يعارضون التطبيع ويطالبون بالحريات. وفي الوقت نفسه، هناك صمتٌ كاملٌ من الفئة نفسها، التي تتحدّث بلغة مقاومة الاستعمار والصهيونية عن توقيف النشطاء والمثقّفين وسجنهم.
دخول مفاهيم معاداة الكولونيالية الاستيطانية والأبارتهايد إلى القاموس اللغوي المحكي على نطاق واسع هو في حدّ ذاته نقلةٌ مهمّةٌ في وعي المجتمعات العربية، لكنّها تبقى ناقصةً، ويضمحلّ تأثيرها من دون ربط هذا الوعي بضرورة رفض القمع وغياب العدالة القانونية والاجتماعية.
لا يُنتج الفصل بين هذه المفاهيم وعياً جمعياً فاعلاً، بل قد يغيب بعد مدّة ليست طويلة. ولهذه الظاهرة أسبابها: من سيطرة الفكر البرجوازي المصلحي والخوف، وبعض سلبيات ثقافة المجتمع المدني (خصوصاً المموَّل غربياً) التي تفصل بين بُعد الاستقلال الوطني وقضايا الحريات والتنمية، فمعظم (وليس جميع) المنظّمات الليبرالية في الغرب تفصل تماماً بين حرية الشعوب والحريات الفردية وحرية التعبير. والنتيجة تكون السكوت عن الاحتلال الصهيوني ومخاطر التبعية والحريات السياسية، إلا إذا كانت الدول الغربية المُموِّلة تؤيّد هذه الحريات لأسبابٍ سياسية بحتة، لأنها ترى التطبيع مع إسرائيل ضرورياً لإنهاء "الصراع"، حتى ولو على حساب الشعب الفلسطيني.
مع أن هذا ليس موضوعنا هنا، لا تندرج معارضة الخصخصة والسياسات النيوليبرالية تحت خانة الحقوق الاقتصادية، وفقاً للجهات المُموِّلة؛ إذ إن معارضة التطبيع والنيوليبرالية مؤشّر خطر على المصالح الغربية، وليس له صلة بالديمقراطية التي تتحدّث عنها هذه المنظّمات. ومن الممكن الاستطراد في تحليل ظاهرة الفصل بين مفاهيم الحريات والعدالة، لكن ما يخصّ موضوعنا هنا عدم التخلّي عن المطالبة بالحريات من أجل حماية (وتطوّر) المجتمع والأفراد والأوطان. لذا، يجب الإقرار هنا بأن هناك عوامل أخرى تسهم في تشويه معنى الحريات وتعرقل النضال من أجلها؛ فالطائفية والعصبية الإثنية والفئوية تلهي الناس باستعداء بعضهم بعضاً، بل وبارتكاب جرائم ومذابح شنيعة. هذا معروف، لكن التحدّي هو: كيف نواجه هذه الآفات التي تُغرق (وقد تدمّر) المسيرة نحو الحريات والحقوق المدنية؟
وهنا أدّعي بثقة أن رفض الطائفية والتفرقة العنصرية يصبّ في صالح القضية الفلسطينية؛ فتفكّك المجتمعات العربية وتناحرها يضعفان الجميع أمام التهديدات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية. المشكلة أن ما تقدّم هو أصلاً من البديهيات ومن أسس إرساء السلم والعدالة، لكنّنا في زمن تستبدل فيه مفاهيم مشوّهة بما يجب أن يكون بديهيات، وفي هذه المفاهيم يصبح العدو الإسرائيلي صديقاً لا خطراً يُذكر، ويشيع التمترس الطائفي والأيديولوجي الضحل، فيصبح سجنُ شخصٍ وظلمه مقبولين إذا لم يكن من الطائفة نفسها أو الإثنية نفسها، أو إذا كان هناك تعارض أيديولوجي مع المظلوم.
رأينا ذلك في مصر وسورية وتونس، وعلى مستويات أضيق في الأردن وفي دول عربية أخرى. والغريب أن تحدّيات كبيرة تواجهنا، منها الخطر الصهيوني، لكن مطالبتنا بالحرّيات محكومة بالأهواء والمصالح، إذ صرنا نمارس ازدواجية المعايير. فليس الاستعمار والغرب والحكومات وحدها التي تمارس ازدواجية المعايير، بل نحن نغرق فيها كذلك. لذا أعيد: إن احترام الحريات والعدالة أولاً. من المؤلم أن تبقى هذه المفاهيم مشوّهةً ونحن نرى مشاهد العذاب في غزّة. قد أكون ساذجةً، لكنّني كنت أريد أن أتوسّم بأن فداحة المعاناة الإنسانية في غزّة قد تُنقّي عقولنا وأرواحنا ووعينا.

لا أريد تكرار القول إن الاستعمار والحكومات ساهما في زرع الفرقة والطائفية؛ فلا نكران لذلك، لكنّ الأهم تحمّل المسؤولية من المثقفين والأحزاب والمؤسّسات المدنية، فيما نرى مثقّفين يمارسون دور التحريض الطائفي والإقصائي. فلا يمكن أن تنجح أو تتشكّل حركة عربية أو وطنية، أو منظّمة تكون منصّةً لحراك قومي، أو وطني على الأقلّ، تحاول وضع استراتيجية تحررية على مستوى الحريات العامة والعدالة، أو استقلال الأوطان ووقف التبعية للغرب، من دون أن يكون عمادها فهمٌ للحريات وحقوق المواطنة والمساواة، فشعار تحرير فلسطين وبعث شعور التضامن القومي لا ينجحان من دون النضال من أجل الحريات.
أخطأت الأحزاب القومية واليسارية بإهمال بُعد الحريات والمساواة، بما فيها حقوق المرأة، جزءاً من استراتيجيتها. مع أن (ويجب هنا قول كلمة حقّ وأنا شاهدة على ذلك في فترات معيّنة) بعضها دافع عن الحرّيات في بلدانها، لكنّها لم تكن ضمن الاستراتيجيات، وبخاصّة في مؤتمراتها ومنابرها. وقد يكون ذلك تجنّباً لإغضاب نظم كانت تعتبرها "قومية"، لكنّها داست حقوق شعوبها. وقد دفعنا (هي ونحن) ثمناً غالياً لهذا الإهمال.
لا بدّ من التذكير والتأكيد أنه لا تحرّر ولا تنمية من دون حريات، ومن دون العمل على التحرر الوطني. فتحرّر جميع الشعوب العربية من القمع والتبعية، وتحرير فلسطين، قضية واحدة وليستا منفصلتين. فالشعار الذي ساد ردحاً من الزمن: "فلسطين أولاً والحريات ثانياً"، شعارٌ كاذب وخادع. والانصياع لمفهوم الحريات المنفصل عن التحرّر الوطني غير مقبول، لأنه وهم لإبقاء التبعية. وليس القول بتأجيل ضمان الحريات ومأسستها حتى تتحرّر فلسطين قولاً صادقاً؛ فالقمع لا يخدم سوى المستعمر والسلطات المستبدة.

نقلا عن العربي الجديد