شريط الأخبار
احتجاجات الطلاب المؤيدين لغزة بأميركا تتسع واعتقالات المئات في بوسطن وأريزونا ضبط جديد لاعتداءات كبيرة على المياه بالشونة الجنوبية المجرم نتنياهو يؤرقه احتمال اصدار "الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال ضده دومينو استقالات كبار قادة الامن باسرائيل ينطلق وهاليفي على الدور اجتماع الرياض السداسي العربي يؤكد رفضه القاطع لاجتياح رفح الفيصلي يتكسح الاهلي بخماسية نظيفة الرنتاوي: مسألة غزة هي الان في مفترق خطير ما بين الحرب والسلام المرصد العمالي: ارتفاع اصابات العمل اردنيا.. و200 وفاة اصابية الشواربة: بدء التشغيل التجربي للباص السريع بين عمان والزرقاء 15 ايار رئيس الديوان الملكي يفتتح مشاريع مبادرات ملكية في محافظة إربد ازالة اعتداءات على قناة الملك عبد الله بالشونة الجنوبية عدم استقرار جوي وتوقع امطار ورعود ا لصفدي: كارثة في غزة بمواجهة عدوان وحشي.. والحرب يجب ان تنتهي تفاصيل صادمة.. وحش بشري يختطف رضيعة ويقتلها بعد اغتصابها الاحتلال يزعم احباطه لتهريب مخدرات للاردن الحج لا يسلم من النصابين: تحذير سعودي من مكاتب وحملات وهمية الوزير النازي بن غفير يتعرض لحادث سير وفاة خمسيني بالكرك بعيار ناري انطلق خطا من سلاحه مصر تقدم اكسير حياة لصفقة غزة.. المؤسسة الاسرائيلية الامنية تؤيد ونتنياهو يرفض تراجع الكتلة الهوائية الحارة.. واجواء غير مستقرة حتى الاثنين

أوراق نادرة من صفحات حياة عز الدين المناصرة

أوراق نادرة من صفحات حياة عز الدين المناصرة


يوسف الشايب

"رغم أنه ينتمي للجيل الفلسطيني الأكثر توهجاً بالأسماء الشعرية الفارقة، فقد تمكن في مطلع شبابه في ستينيّات القرن الماضي من التفرّد بصوتٍ شعريّ لا شبيه له، ولهذا عز الدين المناصرة لا يعدّ أحد الأربعة الكبار في الشعر الفلسطيني فحسب، بل يعدّ كذلك الأب الروحيّ لحركة الحداثة الشعرية في الأردن، فقط اختط لنفسه في الكتابة الشعرية نهجاً يكاد يخلو من التأثّر بأحدٍ من معاصريه، وتميّز بالحفر في التراث العربيّ والفلسطيني، وبالعمل الممنهج على إحياء الموروث الكنعانيّ القديم، واستكماله قصصاّ ورموزاً وملاحم.. أمّا أوضح تجليّات هذا الحرص الثابت على بناء شعريّةٍ حضاريّة فلسطينيّة قائمة على التأصيل التاريخي، فإنها تتمثّل في قوّة الارتباط المرجعي بجغرافيا الوطن السليب، حيث بيّنت الدراسات النقدية أن المناصرة هو شاعر المكان الفلسطيني الأوّل".

بهذه العبارات قدّم مالك التريكي الشاعر الفلسطيني الراحل عز الدين المناصرة، في حلقة من برنامجه "فسحة فكر" من إنتاج تلفزيون "العربي 2"، وبثّت مطلع آب (أغسطس) الجاري، ومحفوظة على الموقع الإلكتروني للقناة، وقناة تلفزيون "العربي" على "يوتيوب"، في حواريّة نادرة مع "شاعر الإلياذة الفلسطينية".

و"فسحة فكر" برنامج حواريّ يعدّه ويقدمه التريكي، بحيث يستضيف فيه شخصيّات بارزة في المجال الثقافي والفكري، ليتم مناقشة أعمالهم ومنتجاتهم العلمية والمعرفيّة، عبر طرح الأسئلة المناسبة والمفيدة التي تساعد على توضيح الأفكار والمفاهيم التي يتحدث عنها الضيوف، كما يسلط الضوء على الأعمال والإنجازات المختلفة التي قام بها الضيوف في مجالاتهم، علاوة على كونه يهدف إلى تقديم رؤى وآراء وأفكار جديد في المجالات المختلفة، كما يُمثّل البرنامج منصة للحوار والنقاش البنّاء، ويُعتبر بذلك أحد المبادرات الهامة في تعزيز الحوار الثقافي والفكري في المجتمع العربي.

وأشار المناصرة في حديثه ضمن برنامج "فسحة فكر" إلى أن "المكان في البداية بدأ معي عفويّاً، فلم أفكّر بباشلر، ولم أكن أعرفه، لاسيما أن التنظير لجماليّات المكان بدأ من كتاب غاستون باشلر، لكني أصدرتُ أربعة دواوين على أقل تقدير، وقصائد لاحقة كلها حول المكان وفيه، حتى مدينة تلمسان الجزائرية لها حظ في ديواني (لا أثق بطائر الوقواق)، بحيث يبدو لي أن رائحة الأندلس في تلمسان ارتبطت لديّ بفلسطين".

وتحدث المناصرة عن فترة إقامته في القاهرة، حيث اكتشف شاعراً، مشيراً أصدر مجموعة شعرية مُشتركة مع الشاعرين المصريّين محمد مهران السيّد وحسن توفيق، وقدّم له الشاعران صلاح عبد الصبور وعز الدين إسماعيل، و"أثار ضجة كبرى أكبر من حجمه، وكان حظّي فيخ جيّداً، وأقيمت ندوات حوله في أماكن عدّة، وفي الإذاعة المصرية، وناقشه إضافة إلى عبد الصبور، سهير القلماوي، وعبد الغفار مكاوي، وأمل دنقل".

واعتبر المناصرة في هذه الحلقة من السلسلة التلفزيونية "فسحة فكر"، أنه ودنقل كان يسيران في ذات الخط، ففي منتصف السيتينيات من القرن الماضي، اتجه كلاهما إلى توظيف التراث في الشعر العربي، فكانت قصيدة "زرقاء اليمامة" للمناصرة في العام 1966، ثم قصيدة دنقل التي حملت العنوان نفسه ما بعد نكسة حزيران 1967، واصفاً قصديته بالنبوءة وقصيدة دنقل بالوصفية.

ولم ينكر المناصرة كون نجيب محفوظ مرجعيته وغيره في الأدب، لكنه شكك في إمكانية أن يشكّل مرجعية سياسيّة، وفي إمكاناته التحليليّة فيها، واصفاً بعض آرائه السياسيّة بـ"غير العميقة".

وفي الحواريّة الكاشفة هنا، سرد المناصرة العديد من الحكايات، وتطرق إلى العديد من القضايا، فتحدث عن رياديّة مجلة "الآداب" اللبنانية عربيّاً، وكتابته مُبكراً لقصيدة النثر، وكيف تعرّض كتابه "إشكاليات قصيدة النثر" للظلم بسبب كلمتين اثنتين في 651 صفحة، مؤكداً على أن رائد قصيدة النثر هو أمين الريحاني اللبناني في ديوانه "هتاف الأودية" الصادر في العام 1910، كما تحدث عن العراقي روفائيل بطي معتبراً ديوانه الصادر في العام 1925 بعنوان "ربيعيات" باعتباره تأسيسيّاً أيضاً في هذا الجانب.

وتحدث عن الظلم الذي تعرض له كل من جبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ ومحمد الماغوط لصالح أدونيس وأنسي الحاج، باعتبار أن الفريق الأول قادم من عالم الثقافة الإنكليزية بينما الثاني من عالم الثقافة الفرنسية، مشيراً إلى أن الصراع كان في خمسينيات القرن الماضي ما بين شعراء النثر أنفسهم، وليس ما بينهم وبين كتّاب الشعر الحرّ، لافتاً إلى أن شوقي أبو شقرا هو من ترجمة مصطلح "قصيدة النثر" إلى العربية، وكان ذلك في جريدة النهار اللبنانية في 24 نيسان (أبريل) في العام 1957، ومن ثم بدأ الببغاوات العرب يكرّرون المنهج الفرنسي والمنهج الأميركي متجاهلين المناهج الألمانية، والسلافية، والروسية، وإلى أنه من أول من طالب بمنهج عربي في "قصيدة النثر"، ودوره في تفصيح العاميّة، ومنها كلمات دارجة في بلاد الشام هي من أصول كنعانية أو سريانية.

وينتمي عز الدين المناصرة إلى عدد من المثقفين الفلسطينيين الذين كافحوا بالسلاح، حيث قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية في لبنان، وكان ممن أخرجوا من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي لها في العام 1982، إلا أن صوته، حسب التريكي، "لم يكن منسجماً وصوت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولهذا استبعد من دوائر السلطة، كما مُنع من إلقاء قصيدته (حصار قرطاج) أثناء اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 1983".

ولفت المناصرة بأنه تنبأ أيضاً منذ سبعينيات القرن الماضي بوضع السم للرئيس الشهيد ياسر عرفات، مشيراً إلى أن تأثره بامرؤ القيس لربما هو من جعل له قدرة ما على استقراء ما هو قادم، وقال: في اجتماعات المجلس الوطني العام 1983، كان متفقاً، وهذا موثق ببرقية وقعها ياسر عرفات، أن يقدّم الشعراء محمود درويش ومعين بسيسو وعز الدين المناصرة أمسية شعرية في المجلس، لكني اكتشفت أن أحد الخبثاء من الشعراء وجد حلّاً لإبداعي، وأقنع عرفات بأني لست عضواً في المجلس بل عضواً مُراقباً، فقرأ محمود درويش ومعين بسيسو باعتبارهما عضوان قديمان في المجلس، لكن خرج لهما يوسف الخطيب، وهو أقدم منهما في العضوية، وألقى بمعطفه وقرأ قصيدته في عين المكان.. كنت في الصف الثالث وكان على يميني محمود درويش وعلى يساري أبو جهاد، وطلبا منّي ألا أفعل ما فعله الخطيب، وكان السرّ وراء كل ذلك أنني كنت أنوي قراءة قصيدتي "حصار قرطاج"، وكنت قد ثرثرت بها للبعض، ومنهم من نقل لعرفات أنها هجاء في القيادة لكونها خرجت من بيروت، وهو من قرر ألّا تُقرأ في المجلس الوطني.. قصيدة "حصار قرطاج" فيها وصف لبيروت التي خرجنا منها مرفوعي الرؤوس، ولكني انتقدت الفساد، وتحدثت عن الهاربين من معركة حصار بيروت.

وللشاعر المناصرة مؤلفات نقدية عدّة تشمل الفن التشكيلي، والسينما، والجماليّات، ومسائل الجنس الأدبي، وغيرها، كما كان من الأساتذة الجامعيّين المعروفين في الأدب المقارن، ولذا فإنه من القلائل الذين تنطبق عليهم صفة "الشعراء النقّاد"، كاشفاً عن أن الصحافة هي من دفعته لهذا المجال، قبل أن يعمّقها بالأكاديميا منذ العام 1983 حتى رحيله، وإلى أن كتاباته النقدية بدأت في مقالات منذ منتصف ستينيّات القرن الماضي، في عديد المجلات الأدبية العربية، وهو ما يطلق عليه "النقد الصحفي"، ويختلف عن "النقد الأكاديمي"، مؤكداً: أركض وراء الشعر بقلبي، ووراء النقد بعقلي، وأن الناقد له وجهة نظر ومشروع، معترفاً أنه لم يخطط لشيء من هذا القبيل، وأن الأمور سارت بعفوية، وكان الدافع واجباً وطنياً بالأساس، قبل أن يطرح عليّ جبرا إبراهيم جبرا قبل أن نقوم أنا وإياه وإسماعيل شموط بالكتابة عن الفن التشكيلي الفلسطيني، لكنّنا لم نتمكن الاجتماع لنضع خطة الكتاب لإقامتنا في جغرافيّات عدّة، فكتبتُ ما لديّ، وصدرت موسوعة الفن التشكيلي في جزأين العام 2002.

الحديث يطول عن الحلقة التلفزيونية المهمة، والمتوفرة على الموقع الإلكتروني لتلفزيون "العربي 2"، لكن لابد من الإشارة إلى ما قاله المناصرة عن اعتباره شاعر المكان الفلسطيني الأول على الرغم من أنه لم يذكر اسم فلسطين في كل قصائده أكثر من خمس مرات، بحيث شدد على أن فلسطين موجودة في كل ما كتب، حتى قصائد الغزل والحبّ، دون أن يذكرها لفظاً.

كما لا يمكن إغفال حديث المناصرة المثير للجدل عن أيديولوجيّات الشعراء الفلسطينيين، وارتباط بعضهم ممن احتكروا لقب شعراء المقاومة بحزب سياسي إسرائيلي، في حين، وعن تقصّد، قام الإعلام الفلسطيني، ومن ضمنه إعلام الثورة الفلسطينية بشطب عدد من شعراء المقاومة أو تغييبهم، وبينهم هو ومعين بسيسو وأحمد دحبور ومريد البرغوثي، معتبراً ذلك "أغرب حادثة في التاريخ الثقافي الفلسطيني".