المحروق: العدوان على غزة واضطرابات البحر الاحمر سيكون لها اثارا اقتصايدة سلبية
قال مدير عام جمعية البنوك في الأردن
ماهر المحروق، إن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واضطرابات البحر الأحمر
ستكون لها آثار اقتصادية كبيرة، خاصة ما يتعلق بالقطاعات التكاملية، مثل السياحة،
التي تشهد تراجعاً كبيراً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولاحظ المحروق في مقابلة مع
"العربي الجديد"، ضعفاً في نشاط القطاع الخاص وتباطؤ النمو في منطقة
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام، ليصل إلى 1.9% فقط في حال استمر العدوان
واتسع نطاقه، وفقاً لتقديرات دولية رسمية.
وقد بيّنت التقارير الدولية وجود
تأثير للأحداث الجارية على التجارة الدولية الواردة إلى الشرق الأوسط والصادرة
منه. ففي البحر الأحمر يمر نحو 30% من تجارة الحاويات و10% من إجمالي تدفقات النفط
العالمية المحمولة بحراً من خلال مضيق باب المندب، وقد برز التأثير بارتفاع كلف
الشحن البحري بحوالي 12% نتيجة تغيّر مسار الشحن، وارتفاع تكاليف الوقود، إضافة
الى ارتفاع أسعار التامين البحري بنحو 10 أضعاف.
وفي ما يلي نص المقابلة:
- اضطرابات المنطقة وعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى أي
مدى سيؤثران في اقتصاديات المنطقة وسلاسل التوريد؟
• للأسف، انتهى عام 2023 بتحد جديد على المستوى الإقليمي وتأثر
عالمي بمجريات منطقتنا العربية، فخسائر قطاع غزة من الأرواح لا تعوض نتيجة العدوان
الغاشم.
كما أن الخسائر والاثار الممتدة على
دول المنطقة كبيرة في الجانب الاقتصادي، خصوصاً القطاعات التكاملية، كالسياحة التي
تشهد تأثراً شديداً.
وقد حدد البنك الدولي نظرته تجاه
زيادة حالة عدم اليقين على المستوى الجيوسياسي في المنطقة. وهذا سيعني ضعف نشاط
القطاع الخاص وتباطؤ معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة، ليصل
إلى 1.9% في حال استمر العدوان أو اتسع نطاقه.
وثمة تأثر كبير بالأحداث الجارية في
مضيق باب المندب، وهو ما يؤثر في سلاسل التوريد العالمية، وقد بيّنت التقارير
الدولية شدة التأثير في التجارة الدولية الواردة إلى دول الشرق الأوسط والصادرة
منها.
ففي البحر الأحمر تمر قرابة 30% من
تجارة الحاويات و10% من إجمالي تدفقات النفط العالمي المحمولة بحراً عبر مضيق باب
المندب، وقد برز التأثير بارتفاع كلف الشحن بحوالي 12% نتيجة تغير المسار الملاحي،
وارتفاع تكاليف الوقود، إضافة إلى ارتفاع أسعار التأمين البحري بحوالي 10 أضعاف.
لذلك، بالتأكيد هنالك آثار واضحة
للعدوان على غزة والأحداث في باب المندب على اقتصادات المنطقة، لكن هذا مرهون
أيضاً بالتصعيد واتساع رقعة العدوان وأمده.
- كيف تنظر إلى أداء الاقتصاد الأردني في ظل التحديات الراهنة؟
• محلياً، يمكن القول إن هنالك متابعة
من الجهات الحكومية الأردنية في تحديد الآثار الاقتصادية والعمل على تقليل المباشر
منها على الاقتصاد والمواطنين، ويظهر ذلك في مشروع الموازنة العامة الذي تكيف مع
التطورات في جوانب الإنفاق وتوجيهها نحو بنود محددة كالإنفاق العسكري ودعم السلع
الغذائية الاستراتيجية، إضافة إلى الاعتماد على مرونة ومنعة الاقتصاد في التفاعل
مع الأحداث وتطوير فعل استباقي لبعض مجرياتها.
على مستوى النمو الاقتصادي للعام
2023، فقد حافظ على مستويات جيدة، وبلغ 2.7% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام
2023، وهي نسبة جيدة، فيما تشير تقديرات الحكومة إلى تحقيق النسبة نفسها للعام
كاملاً، ولعام 2024 أيضاً.
ورغم الأحداث الإقليمية والدولية التي
تأثر بها الاقتصاد، ومن أبرزها سياسات التشدد النقدي لمكافحة التضخم العالمي وأزمة
الديون ومخاطر التغير المناخي، إلا أن الاقتصاد الأردني حقق العديد من مؤشرات
الأداء الجيدة جداً.
فقد سجل الاستثمار الأجنبي المباشر
تدفقاً للداخل مقداره 550.4 مليون دينار خلال النصف الأول من عام 2023، ليحقق بذلك
ارتفاعا نســبته 20.9% عن الفترة نفسها من العام السابق. (الدينار = 1.41 دولار
أميركي).
كما انخفض عجز الميزان التجاري 9%
خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، مقارنة بالفترة ذاتها مـن عام 2022، إضافة
إلى انخفاض معدل البطالة 0.8 نقطة مئوية في الربع الثالث من 2023.
وبالعودة الى طبيعة التحديات الآنية،
يمكن القول إن السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي عززت هامش مرونة
القطاعات الاقتصادية، فالاستجابة لارتفاع أسعار الفوائد عالمياً انعكس في الحفاظ
على التضخم عند مستويات مقبولة وصلت إلى 2.13% خلال الأحد عشر شهراً الأولى من
2023، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تقديرات
السيناريو الأساس للتضخم العالمي تشير إلى بلوغه 5.9% بنهاية عام 2023.
- وهل تنسجم تلك المعطيات مع المؤشرات الدولية؟
• إن النظرة أعلاه تتوافق مع نظرة العديد من المؤسسات المالية
الدولية للاقتصاد الأردني، بل واعتمادها على هذه النظرة في التعامل مع الاقتصاد
الأردني، فعلى سبيل المثال، صادق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قبل أيام
على برنامج جديد لمدة 4 سنوات في إطار برنامج الصندوق الممدد(EFF).
وستتمكن المملكة عبر هذا البرنامج من
الحصول على 144.102 مليون وحدة حقوق سحب خاصة.
كما أبقت وكالة "فيتش"
الائتمانية نظرتها المستقبلية لتصنيف المملكة مستقرةً، وهو ما يعكس مرونة ومنعة
الاقتصاد الأردني في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية على السواء.
- إلى أي مدى تساهم البنوك الأردنية في دعم الوضع الاقتصادي؟
• يلعب القطاع المصرفي دوراً مهماً في الاقتصاد نتيجة ترابطه مع
القطاعات الاقتصادية كافة من خلال دوره في تمويل الأنشطة الاقتصادية من جانب،
وارتباطه في تنفيذ أدوات السياسة النقدية من جانب آخر، إضافة إلى مساهمته في جوانب
عديدة، منها دعم وتسهيل بيئة الأعمال لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز
والمساهمة في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والمساهمة في الاقتراض
الحكومي، وما إلى ذلك.
وفي السياق، تشير مؤشرات القطاع المصرفي
إلى مدى عمق القطاع في الاقتصاد الأردني، فقد وصل إجمالي موجوداته إلى نحو 65.518
مليار دينار في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ليمثل 194.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ما يتعلق بالودائع لدى الجهاز
المصرفي، فقد بلغ مجموعها بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، 43.292 مليار
دينار، لتمثل الودائع قرابة 128% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما شهد إجمالي التسهيلات الممنوحة من
قبل القطاع المصرفي ارتفاعاً في مستوياتها، إذ ارتفع رصيد إجمالي التسهيلات
الممنوحة في نهاية نوفمبر 2023 ليصل إلى 33.438 مليار دينار، لتمثل قرابة 99.3% من
الناتج المحلي الإجمالي.
والقطاع المصرفي يدعم الاقتصاد
الأردني بقوة، حيث شهدنا نمو التسهيلات الائتمانية 2.6% في نهاية نوفمبر 2023 عما
كان عليه قبل عام.
وزادت التسهيلات الممنوحة للقطاع
الخاص غير المقيم 162 مليون دينار بنسبة 24.5%، وللمؤسسات العامة 139 مليون دينار،
بزيادة 15.1%، وللقطاع الخاص المقيم 593 مليون دينار بنمو 2.1%.
من ناحية أخرى، ارتفع حجم التسهيلات
الائتمانية الممنوحة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى 3.405 مليارات دينار، لتناهز
11.5% من إجمالي التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص في الربع الثاني من 2023. وهو ما
يدل بوضوح على دور مركزية القطاع المصرفي في دعم القطاعات الاقتصادية.
كما يعمل القطاع المصرفي على تعزيز
أدوات التمويل الجديدة كالتمويل الأخضر، وهي أدوات ستساهم في تعزيز الأداء
الاقتصادي مستقبلاً.
- البنوك المحلية هل لديها توجهات لضخ مزيد من السيولة في السوق
ودعم الاستثمارات؟
• أعتقد أن دور القطاع المصرفي يتجاوز ضخ السيولة في السوق
المحلي، إلى تعزيز مبادرات التسهيلات لمعظم القطاعات الاقتصادية، وهذا ما تؤكده
خلال الأعوام الماضية.
ومن ذلك مبادرة القطاع المصرفي لإنشاء
شركة مختصة في تطوير القطاع العقاري برأسمال 106 ملايين دينار. فتأسيسها ينطوي على
العديد من المزايا المباشرة وغير المباشرة بالنسبة للاقتصاد الكلي، نظراً لدورها
في عمليات التطوير وإعادة التطوير العقاري وتوفير منتجات عقارية ذات تنافسية
مرتفعة من حيث الجودة والسعر، وهو ما سيساعد على استهداف شريحة واسعة من المجتمع
بما في ذلك ذوي الدخل المحدود.
هذا بالإضافة إلى دور الشركة المتوقع
في خلق فرص عمل جديدة دائمة ومؤقتة، وتحفيز القطاع العقاري ومختلف الجهات العاملة
في القطاع ورفع الكفاءة والفعالية والتنافسية للقطاع العقاري، ناهيك عن التأثير
الإيجابي في بقية القطاعات بفعل التقاطع الكبير بين العقار وبقية القطاعات.
- وماذا عن صندوق رأس المال الأردني؟
• في سبيل تعزيز السوق المحلي، أطلقت البنوك مبادرة رائدة تمثلت
في تأسيس صندوق رأس المال والاستثمار الأردني، وهو أول صندوق استثماري في المملكة
وتم إنشاؤه وفق قانون البيئة الاستثمارية الجديد.
كما يعتبر أكبر صندوق استثماري في
المملكة من حيث رأس المال المصرح به والبالغ 275 مليون دينار أردني، والذي يستهدف
توفير أدوات تمويلية مختلفة للمشاريع الريادية والصغيرة والمتوسطة.
وعلى خط الاستثمار الأجنبي، نشير إلى
أن القطاع المصرفي من أبرز القطاعات الجاذبة للاستثمار، حيث تشير بيانات بورصة
عمّان إلى أن للبنوك الأردنية المدرجة دوراً قيادياً وحيوياً في تعزيز السوق
المالي نتيجةً استحواذها على 43.2% من الحصة السوقية، فيما تشكل بقية القطاعات
56%، وفقاً لبيانات نهاية العام 2022، فيما تصل ملكية الأجانب في القطاع إلى قرابة
55% من القيمة الإجمالية للأوراق المالية في القطاع.
- هل لارتفاع أسعار الفائدة انعكاس على تكاليف الاستثمار
والتمويل؟
• بالتأكيد. كأي نظام اقتصادي، تتأثر حركة الاستثمار والتمويل
بالتكاليف، وينعكس بوضوح على المستوى العالمي وليس في المملكة فقط. فالسياسات
النقدية المتشددة التي قادها "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي
الأميركي) اجتاحت العالم وأثرت في اقتصادات كافة الدول النامية كما الصناعية
الكبرى، بهدف منع الركود التضخمي ووضع التضخم في مسار هبوط تدريجي من دون إحداث أثر
كبير في النشاط الاقتصادي.
وعلى المستوى المحلي، فإن النظر إلى
ارتفاع كلفة التمويل على القطاعات الاقتصادية لا يكفي لتقديم تصوّر واضح عن دور
أسعار الفائدة. فهنالك مجموعة من العوامل المؤثرة والمتأثرة في هذا الجانب، لأن
أسعار الفائدة كأداة في يد السياسة النقدية ترتبط بأهم أهدافها وهو الحفاظ على
الاستقرار النقدي، وينعكس هذا بالحفاظ على أسعار الصرف وتوفير هامش مريح على أسعار
الإيداع للدينار مقابل الدولار، وتعزيز القوة الشرائية، إضافة إلى ضبط مستويات
التضخم، وبالتالي الحفاظ على منعة الاقتصاد ودفعه للسير باتجاه النمو.
لذلك، يمكن القول إن ارتفاع أسعار
الفائدة خلال الأعوام الماضية كان قراراً ضرورياً وله منافع عديدة، رغم تأثر
الكثير من الأفراد به. ولتكتمل الصورة، يمكن النظر إلى الدول التي لم تتفاعل مع
ارتفاعات أسعار الفائدة عالمياً، وما تحملته لاحقاً من صدمات في عملتها والقوة
الشرائية وأسعار الصرف لها.
ولا بد من التأكيد على أن بعض
القرارات الاقتصادية لا تكون شعبية نتيجة آثارها الآنية على معظم القطاعات
والأفراد، لكن بقياس النظرة طويلة الأمد ما بين الكلفة والمنفعة تظهر جلية أهميتها
ودورها في منعة الاقتصاد.
- ما هي قراءتكم لأبرز التطورات الاقتصادية والمصرفية
في العام الماضي؟
• شهد العام 2023 مجموعة من التطورات الاقتصادية المهمة ارتبط
معظمها محلياً بمتابعة وتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.
فقد عقدت الحكومة مؤتمراً عاماً محوره
التحديث، وتناولت فيه أبرز إنجازاتها الاقتصادية في تطبيق مشاريع الرؤية ومتابعتها
حول الأنشطة، علماً أن جمعية البنوك شاركت فيه بفعالية.
وخرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات
لمتابعة تنفيذ البرامج المشاريع. ولعل أهمها المحافظة على الاستقرار المالي
والنقدي، والتزام الحكومة بعدم الاقتراب من سياسات البنك المركزي التي ساهمت في
المحافظة على الاستقرار النقدي وتعزيز الثقة الدولية بالأردن لدى المؤسسات والجهات
المالية.
ومن أبرز الإنجازات المالية في عام
2023، تكلل جهود المملكة المبذولة خلال العامين السابقين بالإعلان عن شطب اسمها من
القائمة الرمادية لدى "مجموعة العمل المالي"
(FATF)، والتي تعتبر
المنظمة الدولية المعنية بتحديد المعايير اللازمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما استمرت مساهمة القطاع المصرفي بتحقيق العديد من الأهداف الوطنية، كتعزيز الشمول المالي، وتطوير أدوات التكنولوجيا المالية واستخدام أدوات الدفع الرقمي، وكلها تصب في تعزيز الاقتصاد الوطني.
"العربي الجديد"