وجهة نظر في صدمة اليوم
.د.يونس مقدادي *
لقد قرأنا
أو سمعنا عن كتاب آلفين توفلر وعنوانه صدمة المستقبل عام 1971 والذي تناول فيه عدة تنبؤات مستقبلية ستحصل،
والتي ستشكل تغيرات فكرية وثقافية وإجتماعية واقتصادية ومعيشية لحياتنا المستقبلية.
وبالفعل ظهرت ملامح هذه التنبؤات منذ عام 2000 وصولاً ليومنا هذا. وها نحن نشهد العديد
من التغيرات الحياتية حسب ما تنبأ به، وها
هي قد أصبحت أمراً واقعاً تلامس جميع مناحي حياتنا وعلى جميع الصُعد، وبالمقابل
استجابة المجتمعات لتلك التغيرات بهدف مواكبة الحداثة والتطورات بما يخدم تطلعاتها
وبغض النظر عن تصنيفها الإجتماعي والإقتصادي.
لقد
سمعنا أيضاً ومنذ عقدين من الزمن بوجود ثورة تسمى بعصر المعرفة والانترنت والتكنولوجيا
الجديدة أو الناشئة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتي شكلت بمجملها تحولاً
كاملاً في منهجيات الفكر البشري لا بل فاقت توقعات البشر مما ضاعفت شغفنا
للأستفادة من مزاياها ومنافعها والتي لا تُعد ولا تحصى لا بل أصبحت من أهم مدخلات
كافة القطاعات، مما أفرزت لنا صناعات متطورة ومنها على سبيل المثال لا للحصر
كالسيارات الكهربائية والذكية، والطاقة الخضراء، والصناعات الدقيقة بتطبيقاتها
الالكترونية والذكية مما دفع العديد من القطاعات إلى توظيفها لأهميتها الأقتصادية
والاجتماعية ومنها، قطاع البنوك، والصحة، والتعليم، والزراعة، والصناعة، وعقد
الصفقات التجارية ، والبيع والشراء الالكتروني وغيرها الكثير. أن ما يحصل فعلاً
يفوق التوقعات من خلال هذه الصناعات والتي نشاهدها من خلال السلع والخدمات
المعروضة والتي أشبعت أسواقنا، مما شكلت تحولاً واضح في فكرنا وسلوكنا البشري
لشغفنا الموصول نحو التطور والتحضر والانتقال من نمط الحياة التقليدية إلى الحياة العصرية
والتي أصبحت جزءٍ لا يتجزء من حياتنا الاستهلاكية اليومية.
أن من
نشهده اليوم من تغير لم يكن في الحسبان ولا بهذا القدر الكبير، مما شكل صدمة حقيقية
وبشكلٍ خاص مجتمعات العالم الثالث بحكم ظروفها المعروفة للجميع، مما صعب على الجميع استعياب ما يجري وبشكلٍ مفاجئ، بالرغم من
تسابقنا الملفت نحو ما هو جديد من صناعات وخدمات قد أفرزها عصر المعرفة وبغض النظر
عن تداعيات ما يجري وتبعات هذا التطور وما سيلحق بنا من مكاسب أو أضرار على حدٍ
سواء، ناهيك عن القادم من صناعات متطورة والتي ستبهرنا بمواصفاتها التقنية
ومزاياها الاقتصادية.
نتفق
إلى حدٍ كبير بإننا نميل نحو التطور لما فيه من منافع فردية ومؤسسية ومجتمعية، لكن
بالمقابل لابد من أن نتذكر بإن هذا التطور يتطلب إلى جاهزية حقيقية لما تحمله
الكلمة من معنى حتى أن لا يؤثر ذلك على قطاعات عديدة ولها وزنها الاقتصادي والتي
من الممكن أن تؤول على المدى القريب إلى الفناء، مما يزيد الحال تعقيداً ونبقى بالتالي
في دوامة البحث عن الحلول. ومن هنا نرى بإن صدمة اليوم كالمعدن بوجهين أحدهم يشعرنا
بالسعادة والرفاه مع تحقيق العديد من المنافع والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية،
بينما الوجه الأخر قد يهئ فرصة فناء العديد من الصناعات، والشركات مما يزيد من حجم
البطالة مع إحلال التكنولوجيا المتطورة والتي لا تتطلب إلا أعداد محدودة من ذوي
الكفاءات المتخصصة بالتخصصات التكنولوجية الدقيقة كالذكاء الاصطناعي وغيره لسد
إحتياجات كافة القطاعات ناهيك عن استخدام الريبوت المنتشر بدلاً من العنصر البشري.
وعليه نعتقد بإن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر وبشمولية لمدخلات وأهداف خططنا
الاستراتيجية ولكافة قطاعاتنا في ظل ما يجري من تطور متسارع حرصاً من الجميع على
قراءة ما يجري بحذر وبعيداً عن تكتيكات المخاطرة الكرزماتية كي لا تقودنا لصدمة
يصعب تحمل تبعاتها في ظل ما هو متاح من إمكانيات محدودة من ناحية وتطلعات الأجيال
القادمة المستقبلية من ناحية أخرى.
* / جامعة عمان العربية