آموس هوكستاين: كيسنجر جديد
وليد
عبد الحي
لست
بحاجة للتذكير بالدور الذي لعبه وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كيسنجر في
تدشين دبلوماسية المكوك والخطوة خطوة وصولا للشروع في تطبيع عربي مع اسرائيل ، ونظرا
لكثرة الشقوق في جدار النظام الاقليمي العربي ها هو مندوب أمريكي آخر يسعى
لاستكمال مهمة كيسنجر ،ولكن المندوب الجديد هو مواطن اسرائيلي ولد في القدس (بينما
كيسنجر يهودي فقط) ، وعمل جنديا في الجيش الاسرائيلي لثلث سنوات( خلافا لكيسنجر
الذي لم يعمل ) لكنهما يلتقيان في مهمة
خدمة اسرائيل من خلال اليد الامريكية..انه المبعوث الامريكي لتسوية النزاع في
لبنان بين المقاومة واسرائيل آموس هوكستاين.( Amos Hochstein) الذي تربى في مدارس
دينية يهودية أرثذوكسية منذ ولادته في القدس عام 1973 الى حين مغادرته للولايات
المتحدة.
ان
اختيار هوكستاين يشير الى شخصية أتت لتحقيق امرين محددين هما:
أ-
فصل الربط بين وقف اطلاق النار في غزة عن وقف اطلاق النار في لبنان والذي بنت
المقاومة الاسلامية استراتيجيتها على ترابطهما، وقد يكون ذلك توطئة للشروع
في الضغط لفصل المسار اليمني لاحقا ثم العراقي.
ب-
خلق بيئة لبنانية واقليمية تحاصر الدور الايراني على غرار ما جرى مع العراق.
لماذا
هوكستاين ؟ :
أزعم
بناء على معطيات عدة ان من رشح أو عمل بدأب كبير على ترشيح هوكستاين ليكون مبعوثا
للبنان لبحث تطبيق قرار مجلس الامن رقم 1701 هو رون ديرمير(Ron Dermer) وزير الشؤون
الاستراتيجية الاسرائيلي والاكثر قربا بين الوزراء لنيتنياهو ،ناهيك عن خبرته
وصلاته العميقة بالنخبة الامريكية الحاكمة، ويبدو ان لقائهما في نيويورك في 27
سيبتمبر( أي قبل 25 يوما)،هو استمرار لمشاركتهما في تبادل الآراء منذ يونيو الماضي
بهدف " فك العلاقة بين غزة ولبنان من خلال انهاك المقاومة الاسلامية في لبنان
على اقل تقدير".
لا
يمكن انكار الخبرة العميقة التي لهوكستاين في مجال العلاقات الدولية ، فقد ساهم
الرجل في نشاطات كل من اوباما وكلينتون وبايدن ناهيك عن صلاته بجون كيري
ونخبة الحزب الديمقراطي وصولا للكونجرس، ومن الضروري التنبه الى صلته بالدوائر
النفطية (من خلال مستشاريته لشؤون الطاقة في الخارجية الامريكية ثم صلته بأوكرانيا
عبر مجلس ادارة شركةNaftogaz الاوكرانية، وكان
طرفا في اشكالية علاقات الرئيس السابق ترامب بهذه الشركة وبخاصة من زاوية الدور الروسي
في هذا الموضوع. ناهيك عن علاقاته مع العديد من الشركات النفطية المختلفة كما
سنوضح
لكن
نفط الشرق الاوسط كان من ضمن قائمة ادواره التي تنتهي دائما لصالح اسرائيل، فهو من
ضمن الفريق الدبلوماسي واحيانا بمفرده من لعب دورا في :
أ-
رسم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل وبكيفية - لا يتسع المقام لمناقشتها- تخدم
اسرائيل
ب-
دوره في ضمان مصالح اسرائيل في حقوق الغاز في البحر المتوسط بخاصة قبالة شواطئ غزة
ت-
دوره في مشروع تأمين وصول الغاز من كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي الى
اسرائيل عام 2014
ث-
دوره في تأمين اتفاقات الغاز مع سلطة التنسيق الامني والاردن ومصر واسرائيل( وكان
رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شيمون بيريز ملهمه في هذا المسار).
ج-
دوره في محاولة اعفاء ليبيا من دعاوى التعويض لما يسمى ضحايا الارهاب خدمة لشركة
"ماراثون" التي كانت تعمل في ليبيا
فإذا
اضفنا لما سبق دوره في النشاطات السرية الاسرائيلية مثل:
أ-
محاولته اقناع الحكومة العراقية –بخاصة مع وكيل وزارة الخارجية العراقية في
النظام البعثي- لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين في العراق، وهو الامر الذي
كشفه عام 2005 منسق الشؤون الانسانية الاممي في العراق في فترة التسعينات
هانز-كريستوف سبونيك.
ب-
دوره في توسيع دائرة العلاقات الافريقية الاسرائيلية من خلال دورات التدريب
والتمريض وربط النخب الافريقية باسرائيل...الخ مستفيدا من خبرته في شركة العلاقات
التي كان من قادتها وهي شركة (Cassidy) التي تاسست عام 1977 وتقوم بدور جماعة ضغط
في الولايات المتحدة، وكانت اولى نشاطاتها مع دولة افريقية صغيرة هي غينيا
الاستوائية ،وكان لهوكستاين الدور الابرز في هذا النشاط.، ثم لعبت هذه الشركة دورا
في محاولة تحسين صورة مصر (في مجال حقوق الانسان عام 2017)، رغم أن هوكستاين
غادرها عام 2011.
ت-
ارتباطاته مع جماعات الضغط العاملة لصالح الدفاع عن شركات اسرائيلية في الولايات
المتحدة ومن ضمنها شركة ميرهاف(Merhav) خلال الفترة الممتدة من 2004-2007، وهي
الشركة التي لعبت دورا في تصدير الغاز المصري لاسرائيل عبر انابيب، ناهيك عن
علاقاته مع شركة "نوبل " التي لعبت دورا في حقل غاز " تامار"
قرب غزة.
المستقبل:
من
الضروري العودة لعامين ماضيين (2021) عندما جاء هوكستاين لبيروت لرسم الحدود
البحرية مع لبنان ، ففي ذلك الوقت قال وزير الخارجية اللبناني عبدالله ابو حبيب أن
لبنان يتعامل مع هوكستاين " كمبعوث امريكي مسؤول اما ادارته الامريكية
لا على اساس " اهليته الاسرائيلية"..وهنا قد يبدو التعريف بهوكستاين
صحيحا من الناحية الشكلية ، ولكن ما دلالته الموضوعية ، فهو عسكري يهودي
اسرائيلي ارسله وزير خارجيته الامريكي اليهودي(بلينكن) بموافقة رئيسهما الذي
اعلن "صهيونيته جهارا نهارا"..وهنا نسال: جاء هوكستاين ليخدم
مصالح مَنْ؟
ان
رجلا يصف نفسه ب" يهودي ارثذوكسي معاصر "، وقام بكل ما اوردناه أعلى ،
هل يصلح ان يكون وسيطا ؟أو هل تتوفر فيه أدنى صفات الوسيط؟ إنه شايلوك الذي
وصفه شكسبير ..ولكنه هذه المرة ليس في ضيافة حاتم الطائي كما كان حال كيسنجر.