قطرآت ماء....ممزوجة بالدماء


بقلم /
سوسن الحلبي
اشتد كل شيءٍ حولنا...
واشتد علينا الحرّ والعطش... لم تعد قطرات الماء التي نحصل عليها من حينٍ لآخر تروي
عطش المتعبين
في العراء...
جفَّ ريقنا كما جفت
دموعنا من كثر العناء... وأصبحت الأرض وحدها من ترتوي بدماء الشهداء الذين
يتساقطون على ثراها...
كنا في بداية الحرب...
نحمل أوعيةً نملؤها بالماء حيث وجدناها... أنا وإخوتي الصغار... أما الآن فقد رحل
إخوتي... وبقيت وحدي أبحث في كلّ مكانٍ عن ماءٍ أملأُ فيه وعائي... لأنقله مرارًا
وتكرارًا كلّما نفذ...
غير أنّي أصل أحيانًا
متأخرًا عن طوابير الألوف التي تتزاحم حول صهاريج المياه أو بعض الخزانات المحمّلة
على العربات... وأسابق الكثير للحصول على القليل... فلربما لن نجد طعام يومنا...
أو لربما كان ذلك كلّ ما نستطيع تناوله لهذا اليوم... فنستطيع البقاء به
ليومٍ آخر...
لكنَّ الكثير لا يطاله
دور السقاية هنا... فيلجأ إلى البحر يغرف منه ما يستطيع إن أمكن... ليشرب ماءً
مالحًا ملوثًا ليضاعف عطشه... وربما يسبب له من بعدها مزيدًا من الآلام... لكن هذا
كلّ ما نستطيع فعله... فما باليد حيلة... بعد أن حٌرمنا كلّ أسباب الحياة... وأصبح
كلُّ متاحٍ فيها عزيز المنال...
أما اليوم... فقد وصلت
متأخرًا... بعد رحيل الجميع... بعد أن نفذت المياه... كان لا بد وأن أعود ببعض
الماء الحلو لأمي لتصنع منه الحليب لأخي الرضيع... فجعلت أعدو خلف تلك المركبة
المحمّلة بخزانات المياه الفارغة... أحاول أن أضع شيئًا مما تقطره خلفها
داخل دلوي الصغير... ربما حسبني من رآني طفلاً صغيرًا يلعب محاولاً اللحاق
بالمركبة... لكن صدقوني هنا لا مجال للعب ولا للطفولة... فقد نسينا الأمر وبتنا
نصارع الموت وحسب... فلربما تكون تلك... آخر خطواتٍ نمشيها على درب الحياة...
وبعدها نشرب في الدار الآخرة من ماءٍ معين...