عضوية نقابة الصحفيين.. قيود العضوية تخنق حرية الصحافة


عدنان البدارين
في الوقت الذي يواجه
فيه الأردن تراجعا ملحوظا على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024، حيث حل في
المرتبة 132 من أصل 180 دولة، تتصاعد الانتقادات الموجهة لنقابة الصحفيين
الأردنيين بسبب القيود الصارمة التي تفرضها على من يرغب بممارسة المهنة رسميا، وسط
اتهامات بأن هذه الشروط تُستخدم كأداة لتضييق الخناق على الإعلاميين بدلا من
دعمهم.
وقد أطلقت النقابة
مؤخرا حملة لملاحقة ما تسميهم "منتحلي صفة الصحفي"، وهو تحرك يرى فيه
البعض محاولة لحماية المهنة من التطفل، بينما يعتبره آخرون تكريسا للإقصاء، خاصة
في ظل عدم اعتراف النقابة بعدد كبير من الصحفيين الذين يعملون بجد في الميدان دون
أن تتوفر فيهم الشروط القانونية للعضوية.
تُعرّف التشريعات
الأردنية الصحفي بأنه من يحمل عضوية النقابة، وبالتالي يُمنع أي شخص خارج هذا
الإطار من ممارسة المهنة أو حتى التعريف بنفسه كصحفي، الأمر الذي يُعرض المخالفين
لغرامات مالية وربما عقوبات بالسجن، بموجب تهمة "انتحال صفة".
وتتطلب العضوية شروطا
بالغة الصعوبة، منها التفرغ التام، والعمل داخل مؤسسة إعلامية معترف بها، إلى جانب
التسجيل الإجباري في الضمان الاجتماعي وفترة تدريب رسمية قد تمتد لعدة سنوات،
تختلف مدتها حسب المؤهل الأكاديمي. كما يُشترط أن تكون المؤسسة الإعلامية قد أوفت
بالتزاماتها المالية تجاه النقابة، وهو شرط لا يتحقق غالبا، ما يُسقط حق العاملين
فيها في الحصول على العضوية.
هذه الشروط تُقصي فئات
واسعة من العاملين في المجال الصحفي، وعلى رأسهم الإعلاميون المستقلون، ومعدو
البرامج، والمراسلون الميدانيون، والمشتغلون بالإعلام الرقمي، والخريجون. في
المقابل، يحصل على العضوية بسهولة من لا يمارس المهنة فعليا، مثل بعض الإداريين أو
الأكاديميين.
الأخطر من ذلك، أن
القانون يعاقب كل من يمارس الصحافة خارج مظلة النقابة بتهمة "انتحال
المهنة"، وهي تهمة قد تفضي إلى السجن، رغم أن هؤلاء يمثلون أكثر من نصف الجسم
الإعلامي العامل في البلاد. هذا الواقع يدفع كثيرا من الصحفيين إلى الرقابة
الذاتية، وتجنب الملفات الحساسة، تفاديا للمساءلة القانونية.
يرى عدد من الصحفيين
والحقوقيين أن القانون الحالي يعاني من الجمود، ولا يعكس واقع المهنة كما تطورت،
خصوصا مع بروز الإعلام الرقمي والعمل الحر. كما أن تعريف "الصحفي" بحاجة
إلى تحديث جذري ليشمل كل من يمارس العمل الصحفي بمهنية، بغض النظر عن الشكل المؤسسي
أو الانتساب النقابي.
وقد طالبت جهات حقوقية
ومهنية بإلغاء إلزامية العضوية، وتعديل ميثاق الشرف الصحفي بما يضمن الحريات
المهنية ويحفظ استقلالية الصحفي، مع منح الحماية القانونية للجميع دون تمييز.
إن اشتراط العضوية
لمزاولة مهنة الصحافة لا ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية التعبير
وتكفل الطابع الطوعي للانضمام إلى النقابات. وأن تنظيم المهنة لا يعني احتكارها،
بل يتطلب الاعتراف بكل من يمارسها بصدق ومسؤولية.
الإبقاء على هذا الوضع
التشريعي دون تعديل لا يُعد مجرد قصور قانوني، بل يُقرأ كإشارة على نية لإحكام
السيطرة على الفضاء الإعلامي، والحد من حرية الوصول إلى المعلومة والتعبير عن
الرأي.
بينما تتزايد التحديات
التي يواجهها الإعلام الأردني، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة للتشريعات الناظمة
للمهنة، بما يضمن شمولية التمثيل النقابي وعدالة الاعتراف بالممارسة الصحفية. فهل
تملك نقابة الصحفيين، ومعها الحكومة، الإرادة الحقيقية لإصلاح هذا الواقع المختل؟
أم تبقى بطاقة العضوية جدارا يفصل بين من يُسمح له بالكلام، ومن يُطلب منه الصمت؟