ما وراء غزة


وليد عبد الحي
مع بداية المواجهة بعد
طوفان الاقصى ، اشرت بشكل واضح الى ثلاثة معايير:
1- ان بنيامين نيتنياهو ليس هو الآمر الناهي في
اسرائيل، بل هو مركز لبنية حزبية مؤسسية حاكمة لا يقل اي طرف فيها تطرفا عن
نيتنياهو، بل يمكن تصنيفه في موقع الوسط بين كتلته، وذلك لا ينفي ان نزوعه
للاحتفاظ بالكرسي هو احد متغيرات تشكيل سلوكه، لكن هذا المتغير ليس هو الاساس في
صنع القرار الاستراتيجي الاسرائيلي.
2- ان السمة الرئيسية للرئيس الامريكي ترامب
هي الكذب وبنسبة تصل بصدقه فقط الى حدود 25%، وذلك طبقا للعلماء الامريكيين _37
عالما- وطبقا لدراسة ابنة اخيه (وهي متخصصة في علم النفس) وطبقا لدراسة جون بولتون
مستشاره السابق للامن القومي ، وطبقا لعدد من تقارير الكي جي بي المنشورة ، ناهيك
عن عشرات المراجع الامريكية التي اطلعت عليها وعرضت بعضا منها،وكلها تؤكد
هذه الخاصية ، وهو لا يرى في الكذب عيبا بل "ذكاء وحنكة" وهو تاكيد تام
لنرجسيتيه التي فيها 8 مواصفات من بين 9 مواصفات لمرض النرجسية،ولا شك ان حصاده
الخليجي في رحلته الاخيرة يعزز ذلك ،وهو ما قاله يوم امس تحديدا.
3- ان التحول نحو الانحدار في المكانة الاسرائيلية
دوليا يمثل مصدر قلق عميق للنخبة الفكرية الاسرائيلية، فمن مفكرين وخبراء
مثل جدعون ليفي أو أيان بابيه او تقارير معهد الامن القومي الاسرائيلي وصولا
الى رؤساء وزراء سابقين مثل يهود باراك الى أولمرت الى قادة اجهزة امنية ...كلهم
يشعرون بمخاطر ذلك.
ماذا يترتب على ذلك؟
ان اسرائيل تسير باتجاه
واضح الى :
أولا: الاجهاز بكل
الاشكال على احتمال طرح حل الدولتين ، ولن يتم ذلك من وجهة نظر اسرائيل إلا
ب:
1- التهجير القسري والناعم والعمل على انجاز ذلك في
فترة لا تتجاوز عام 2030، ويجب ان يشمل ذلك نسبة كافية من فلسطينيي 1948 الى جانب
سكان 1967.
2- ان جعل ظروف الحياة شبه مستحيلة في قطاع غزة هو
خيار امريكي اسرائيلي ، ومع اهمية موضوع الاسرى الاسرائيليين بخاصة للداخل
الاسرائيلي ، فان تفريغ غزة هو اعلى اهمية استراتيجية في الحساب الاسرائيلي،
ولنتخيل لو ان مصر تفتح حدودها تحت اغراء الاعفاء بنسبة عالية من الديون، او ربط
رفع العقوبات عن دول عربية او الاعفاء من الديون مقابل استقبال نسبة من سكان
غزة وبعدها الضفة الغربية؟
3- توسيع مساحة الاستيطان مع زيادة وتيرة التوسع
هذه لجعل التواصل الجغرافي بين التجمعات السكنية امرا غير متوفر.
4- العمل على توطين الفلسطينيين في المهجر حيث هم ،
مع الضغط على اغلب الدول لتصفية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين
5- استمرار الثالوث"الامريكي –المصري
–القطري" القيام بدور الوسيط بين المقاومة واسرائيل، ويقوم هذا الثالوث
بوظيفته بكيفية ذكية وبالتنسيق التام مع اسرائيل من ناحية ، وباستغلال تمويهي
"لذهب المعز القطري" وسيف "المعز المصري" من ناحية ثانية،
وتعمل اسرائيل وامريكا على تجذير الوهم بان الطرفين العربيين يمكن لهما ان يتخذا
اي موقف او تقديم أي اقتراح لا ترضى عنه امريكا، بل ان كل الاقتراحات هي بنات
افكار المؤسسات الامريكية والاسرائيلية تسلمها للطرفين العربيين لنقلها للمقاومة
،ومطالبة الطرفين العربيين بممارسة ما لدى كل منهما من ادوات الضغط على المقاومة
لقبول ما يتم طرحه عليها، وتقوم وسائل اعلام الطرفين بالمبالغة في دور الطرفين
العربيين الى حد خلق الوهم ان الطرفين العربيين يضعان لامريكا جدول اعمال
المفاوضات.
ومن المؤسف ان بعض
الحركات الدينية، أؤكد " بعض" الحركات تبني خياراتها الاستراتيجية
على اساس التماثل مع بعض القوى في ممارسة "الطقوس" لا في الخيارات
الاستراتيجية ذات المحتوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ثانيا: التركيز على
ضمان استمرار التطبيع بخاصة في دول الجوار (الاردن ومصر وسوريا ولبنان )لضمان
مستوى امني اسرائيلي اعلى(رغم ان اليمن شككت في جدوى هذه الاستراتيجية)، وهذا
يقتضي تمتين التطبيع القائم فعلا ثم الاسراع في الخطوات السورية واللبنانية
للتطبيع ، ويبدو ان المؤشرات السورية اصبحت غير قابلة للنفي ،كما ان لبنان بدأت
"تحوم حول الحمى"، وان الفكرة وراء التطبيع هي تحويل الصراع العربي
الصهيوني من صراع صفري الى صراع غير صفري ، اي توسيع قاعدة ما تعتبره اسرائيل
مصلحة مشتركة لتصبح المصالح المتناقضة ليست بذات اهمية عند طرح الاختيار بين
البديل الصفري وغير الصفري.
ثالثا: التعاون مع
الانظمة العربية والمؤسسات الدولية لمنع تبلور اية قوى دينية او علمانية تعارض
المخطط الصهيوني السابق، بل ثمة تخطيط لبناء شبكات اعلامية ومجتمع مدني عربي بل
وقوى سياسية او شرائح من الاقليات لتشكيل قوة موازية للقوى العربية المتمسكة
بخياراتها الصفرية، ونعتقد ان سوريا ستكون هي المختبر الأكثر جاذبية لتطبيق هذه
الاستراتيجية .
رابعا: التعاون الامني
والعسكري بين العرب واسرائيل تحت مظلة القيادة المركزية الامريكية (بدلا من تبعية
اسرائيل للقيادة الوسطى في اوروبا) منذ اتخاذ هذه الخطوة عام 2021، وذلك
بهدف التاسيس لإطار نظامي للتعاون العسكري العربي الاسرائيلي للجم اية تحالفات
مستقبلية بين روسيا او الصين مع ايران او دول عربية محتملة لوقوع تغيرات
جذرية فيها. ومن يعتقد ان ما يعادل خمسة تريليون دولار التي تم منحها لترامب هي من
باب الكرم العربي فهو واهم، انها ثمن الحماية للانظمة القائمة ،وهو الامر الذي
قاله ترامب جهارا نهارا.
لماذا يتم كل ذلك وبهذه
المعطيات المؤلمة:
اجابتي باختصار : هناك
تسعة اقاليم جيوسياسية في العالم، نحن –كعرب- نقف في ذيل هذه الاقاليم في اغلب
مؤشرات التطور السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي ، ونحن الاعلى في
معدل شراء السلاح قياسا لاجمالي الناتج المحلي ، مع التذكير بأن 15% من مشتريات
السلاح هي " عمولات " للقطط السمان، ومن يريد التفاصيل عليه العودة
لكتاب انطوني سامبسون"The Arms Bazaar
او لتقارير معهد
سيبري..ربما.