شريط الأخبار
الخصاونة: مغتربون اشتكوا تعذر حصولهم على تأشيرات المرور عبر الأراضي السعودية ايران: منفتحون على اتفاق نووي جديد ونوافق على نقل مخزون اليورانيوم المخصب للخارج لقاء مرتقب بين نتنياهو وترامب ينهي حرب غزة خلال اسبوعين ضمن اتفاقيات اقليمية اوسع تعديل ساعات الدوام على جسر الملك حسين الاسبوع المقبل رفض دفع "خاوة" فطعنه القاتل بصدره معهد وايزمن ليس هدفا عاديا اعلام إسرائيلي: ضغط ترامب لإلغاء محاكمة نتنياهو وراءه خدمة مشروع اقليمي اوسع الاردن يدين اعتداءات المستوطنين على فلسطينيي الضفة الاحتلال يعود لوقف ادخال المساعدات الى غزة وتشديد حرب التجويع ايران تطلق حرب اصطياد جواسيس اسرائيل.. وتقنيات صينية لمساعدة طهران اتصالات مباشرة بين إسرائيل وحكومة الشرع ونتنياهو يسعى لاتفاق مع دمشق يُمهد للتطبيع ويتكوف: إعلانً هام قريب لانضمام دول جديدة "للاتفاقيات الإبراهيمية” والتطبيع مع إسرائيل! الملك يغادر بزيارة خاصة يتخللها زيارة عمل للولايات المتحدة ترامب: اتفاق بشأن غزة بات قريبا! ولي العهد يهنيء بحلول راس السنة الهجرية الملكة: سنة هجرية مباركة الملك يبحث والرئيس العراقي سبل خفض التصعيد بالمنطقة عودة ضخ الغاز الطبيعي إلى الأردن من حقل ليفياثان الفلسطيني الملك يهني بحلول راس السنة الهجرية فورين بوليسي: إسرائيل لن تتحول أبدًا لقوة إقليمية مهيمنة

فورين بوليسي: إسرائيل لن تتحول أبدًا لقوة إقليمية مهيمنة

فورين بوليسي: إسرائيل لن تتحول أبدًا لقوة إقليمية مهيمنة

ستيفن وولت*

 

الهجوم الواسع النطاق الذي شنّته إسرائيل على إيران يُعدّ الجولة الأحدث في حملتها الرامية إلى القضاء على جميع خصومها الإقليميين أو تقويضهم. فمنذ هجوم حماس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حملة وحشية لتدمير الشعب الفلسطيني كقوة سياسية ذات شأن، وهي حملة وصفها كبار منظمات حقوق الإنسان وعدد كبير من الأكاديميين بأنها إبادة جماعية.

 كما أقدمت على تصفية القيادة العليا لحزب الله في لبنان عبر غارات جوية وهواتف نقالة مفخخة وأساليب أخرى. وهاجمت الحوثيين في اليمن، وقصفت سوريا ما بعد الأسد لتدمير مخازن الأسلحة ومنع القوى التي تراها إسرائيل خطرة من ممارسة أي نفوذ سياسي هناك.

 أمّا الهجمات الأخيرة على إيران، فكانت تهدف إلى أكثر من مجرد تدمير البنية التحتية النووية لذلك البلد؛ فإسرائيل سعت، في الحد الأدنى، إلى إنهاء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وشلّ قدرة طهران على الرد من خلال تصفية قيادات عليا في النظام والمؤسسة العسكرية والدبلوماسية والعلمية، وجرّ الولايات المتحدة إلى عمق الصراع. وكانت في الحد الأقصى، تطمح إلى إضعاف النظام الإيراني إلى حدّ الانهيار.

وبالنظر إلى أن معظم هذه العمليات قد حققت أهدافها – على الأقل في المدى القصير – يبرز التساؤل: هل يمكن النظر إلى إسرائيل اليوم بوصفها قوة مهيمنة إقليمية؟ وإذا ما تم تعريف الهيمنة الإقليمية بأنها الحالة التي تكون فيها الدولة "القوة العظمى الوحيدة في إقليم معيّن"، بحيث "لا تستطيع أية دولة أخرى – أو مجموعة دول – صدّها في اختبار شامل للقوة العسكرية"، فهل تنطبق هذه الصفة على إسرائيل؟ وإن صحّ ذلك، فهل ينبغي توقّع أن تتصرّف جاراتها على نحو مماثل لما تفعله الدول الأخرى في مواجهة قوة مهيمنة: أي أن تعترف بتفوّقها وتخضع لها في القضايا التي تُعدّ من المصالح الحيوية لتلك القوة؟

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الطرح مبالغاً فيه. فكيف لدولة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، أن تهيمن على إقليم شاسع يضم مئات الملايين من العرب المسلمين، إضافة إلى أكثر من 90 مليون إيراني فارسي؟

لكن هذا الطرح يغدو أكثر قابلية للنقاش عند الأخذ بعين الاعتبار الميزات النسبية التي تحظى بها إسرائيل مقارنة بجيرانها. فمواطنوها أكثر تعليماً، وتاريخياً قادتها أكثر فاعلية من نظرائهم العرب. وتحظى إسرائيل بدعم سخي وثابت من جاليات يهودية ثرية ونافذة سياسياً في الشتات، كما تلقت في الماضي دعماً لا يقدّر بثمن من قوى عظمى كالمملكة المتحدة وفرنسا. أما خصومها العرب، فقد واجه معظمهم انقسامات داخلية، واضطرابات، وانقلابات، كما فرّقتهم الخلافات الداخلية.

وعلاوة على ذلك، وبما أن القوة العسكرية الحديثة تعتمد أكثر فأكثر على التكنولوجيا، والتدريب، وكفاءة القيادة – لا على الأعداد وحدها – فإن الجيش الاسرائيلي لطالما كان أكثر تفوقاً من الجيوش التي واجهها. وقد تعاظم هذا التفوق مع تزايد الاعتماد على أسلحة متقدمة باهظة الثمن. ورغم أن كلّاً من حزب الله وحماس قد راكما بعض القدرات، فإن أياً منهما لم يتمكن من تهديد وجود إسرائيل أو إيقاع الأذى الذي تقوى إسرائيل على إلحاقه بهما. وتمتلك إسرائيل ترسانة نووية ضخمة، إلى جانب قدرات استخبارية مشهودة، ما يعزز من موقعها أكثر.

غير أن العامل الأهم يبقى في الدعم الهائل، وغالباً غير المشروط، الذي تحظى به من الولايات المتحدة، التي تدعمها بغضّ النظر عن سياساتها، كما تلتزم رسمياً بالحفاظ على "تفوقها العسكري النوعي". ولولا هذا الدعم، فإن الإسرائيليين – رغم ما لديهم من أسلحة نووية – كانوا سيكتفون بالدفاع عن حدودهم، من دون أية قدرة على الهيمنة على الإقليم المحيط بهم.

وفي ضوء كل ذلك، فإن فكرة الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط لا تبدو عبثية تماماً. ومع ذلك، سيكون من الخطأ وصف إسرائيل بأنها قوة مهيمنة حقيقية.

فالهيمنة الحقيقية تعني تفوقاً مطلقاً يجعل الدولة في موقع لا تواجه فيه أي تهديد أمني جدي من جيرانها، كما لا تضطر إلى القلق من بروز خصم حقيقي في الأفق القريب. هذا ما تحقق للولايات المتحدة مع مطلع القرن العشرين، حين انسحبت القوى العظمى الأخرى من نصف الكرة الغربي، ولم تعد أية دولة – أو تحالف دول – تقترب من مزيج القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية. ولم تواجه واشنطن تحدياً عسكرياً كبيراً في محيطها منذ أواخر القرن التاسع عشر، باستثناء أزمة الصواريخ الكوبية التي كانت بفعل قوة خارجية (الاتحاد السوفياتي).

أما إسرائيل اليوم، فلا ترقى إلى هذا المستوى. فالحوثيون لا يزالون يبدون التحدي، والجيش الإسرائيلي غارق في غزة رغم تدميره الواسع هناك. وقد أضعفت إسرائيل كلاً من حزب الله وحماس، لكنهما تنظيمان غير دولتيين ولم يشكّلا تهديداً وجودياً لإسرائيل أصلاً. ورغم أن أياً من الدول العربية لا يعادل إسرائيل عسكرياً، فإن كلاً من تركيا وإيران تملكان جيوشاً قوية وسكاناً يفوقون إسرائيل عدداً بأضعاف، وقد يتمكن أي منهما من الدفاع عن نفسه في حال اندلاع حرب شاملة، حتى وإن خسرها في نهاية المطاف. وهذا وحده كافٍ ليدحض فكرة الهيمنة، إذ لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل هذه الدول أو تفترض خضوعها.

وردّ إيران الأخير خير دليل على ذلك: رغم أن الهجوم الإسرائيلي ألحق بها أضراراً بالغة، فإن ردّها لم يكن تافهاً، كما أن الصراع لم ينتهِ بعد. ولا مؤشرات على أن طهران ستقبل طوعاً بالخضوع لإسرائيل، حتى لو كانت النتيجة النهائية في غير صالحها.

علاوة على ذلك، فإن الذريعة الأساسية للهجمات الإسرائيلية الأخيرة كانت الخشية من أن تطوّر إيران سلاحاً نووياً يوماً ما. ولم تكن المخاوف من استخدام إيران للقنبلة ضد إسرائيل – فذلك سيكون انتحاراً – بل من أن تمتلك إيران وسيلة لردع إسرائيل عن استخدام القوة العسكرية دون رادع. وإدراك قادة إسرائيل بأن هذا الاحتمال يشكّل "خطراً" يكشف أنهم لا يتمتعون بما يسمى "أمن مجاني"، وهو ما تحظى به الولايات المتحدة كقوة مهيمنة حقيقية.

كذلك، فإن الإنجازات الميدانية الأخيرة لإسرائيل لم تحلّ المعضلة الأساسية المرتبطة بالفلسطينيين، الذين يشكّلون قرابة نصف سكان الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. فرغم التفوق الاستخباراتي والعسكري، لم تستطع إسرائيل منع حماس من قتل المئات في هجوم تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما أن قتل أكثر من 55 ألف فلسطيني لم يقربها من حل سياسي. بل على العكس، فقد ألحق هذا المسار ضرراً بالغاً بصورة إسرائيل الدولية، وقلّل من تعاطف حلفائها التقليديين معها.

والأهم من ذلك كله، أن إسرائيل ما تزال تعتمد بشكل حاسم على راعيها الأميركي، الذي يزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ، إلى جانب الدعم الدبلوماسي المستمر. فالقوة المهيمنة الحقيقية لا تحتاج إلى دعم خارجي للسيطرة على محيطها، لكن إسرائيل تعتمد عليه اعتماداً شبه مطلق. صحيح أن هذا الدعم الأميركي متجذر منذ عقود، بفعل نفوذ جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل، لكنه بدأ يشهد بعض التصدعات مؤخراً، ومن المرجح أن تزداد صعوبة استمراره مع تراجع مكانة الولايات المتحدة عالمياً. وإن أدّى التصعيد الأخير إلى توريط أميركا عسكرياً، فإن شريحة أوسع من الأميركيين – بمن فيهم مناصرو ترامب الذين اعتقدوا أنه سيجنبهم الحروب – قد يدركون الثمن الباهظ لعلاقة "الخصوصية" هذه.

وأخيراً، فإن الهيمنة الإقليمية المستدامة تفترض قبول الجيران بتفوّق القوة المهيمنة، بل وفي بعض الأحيان ترحيبهم بذلك. وإلا فإن تلك القوة ستظل مهددة بمعارضة متجددة، وستضطر إلى اتخاذ تدابير مستمرة لكبح أي تحدٍ محتمل. ولترسيخ موقعها، يتعين على القوة المهيمنة أن تتحلى بقدر من ضبط النفس، كما فعل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت حين تبنّى سياسة "حسن الجوار" في أميركا اللاتينية. ولنا أن نتذكّر أن محاولات الهيمنة التي قادتها قوى مثل فرنسا النابليونية، وألمانيا النازية، واليابان الإمبراطورية، قد باءت جميعها بالفشل، رغم النجاحات المؤقتة التي حققتها.

وإسرائيل، في هذا السياق، لا تُعرف بضبط النفس، بل على العكس، فإن صعود القوى اليمينية والمتطرفة دينيًّا يجعل ذلك أبعد ما يكون عن المتناول. وحين نضع كل هذه المعطيات معاً، نرى بوضوح أن إسرائيل لا ترقى إلى مرتبة القوة المهيمنة إقليميًّا. لا شك أن قادتها يرغبون بذلك – وهو أمر مفهوم – لكن تلك المكانة ستظل بعيدة المنال. وهذا ما يؤكد مجدداً أن الأمن طويل الأمد لإسرائيل لا يعتمد على القوة وحدها، بل على التوصل إلى تسوية سياسية دائمة مع جيرانها، بمن فيهم الفلسطينيون. وتلك هي الحقيقة التي لا بدّ من مواجهتها: السياسة، لا القوة، هي الأساس الحقيقي للأمن الدائم

 

 

·       الكاتب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، المقال نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

·       نقلا عم جريدة الاتحاد الفلسطينية