د. محمد علي النجار يكتب:
الفيزياء .. ماذا بعد؟


طلابٌ وأولياءُ أمور.. معلمون وتربويون .. متخصصون ورسميون .. دارت أحاديثهم وتناولت تعليقاتُهم ــ في الأيام الأخيرة ــ صعوبةَ الامتحانات ، وبخاصة الورقة الامتحانية لمادة الفيزياء ، وحاولَ بعضُ الطلبة ــ بمستوى أقل ــ إلحاق مادتي اللغة العربية ، واللغة الانجليزية بها ، فبات الكلُّ ينقدُ ويحللُ ، يُقيّمُ ويُقوّمُ ، يرسمُ ويقرر ، حتى أصبحتُ أشعرُ بأنني في موقع لا يحقُ لي أن أضربَ بسهمٍ في ما يدورُ من نقاش حول هذه الامتحانات ، في وقتٍ تعجُّ فيه وزارةُ التربية والتعليم بعشرات الخبراء والمستشارين والمتخصصين ، وأصحاب الخبرات التربوية الذين نعتز بهم ، إلا أن مخرجات هذه المناقشات والآراء ، والأخذ والرد ، وما طُرح فيها من وجهات نظر ، والرد الرسمي الباهت بهذا الخصوص ، جعلني أكتبُ هذه الأسطر ؛ كوجهة نظر تحتملُ الخطأَ كما تحتملُ الصواب.
إن الورقةَ الامتحانيةَ التي تُقدَّمُ لطالبٍ في آخر سلم التعليم المدرسي بما لهذه الامتحانات من أهميةٍ وهيبةٍ ورهبة ، ما كان لها أن تُعاملَ كورقةٍ امتحانيةٍ مدرسيةٍ تُقدَّمُ لطلابِ فصلٍ من ثلاثين طالبًا ، أو لطلاب مدرسةٍ تضمُ مئةً أو مئتي طالب ، بل نحن نتعاملُ في هذه الأوراق الامتحانية مع ما يزيد على مئتي ألف طالب ، وهذا يُحتِّمُ علينا المزيدَ من الانتباه والدقة واليقظة ، إذ من غير المسموح به اكتشاف خطأ ، أو عيبٍ ، أو قصورٍ في هذه الامتحانات ، صحيح أنه جلَّ من لا يُخطئ ، إلا أن علينا أن نكسرَ هذه الشماعةَ في هذا الموقف ، ولا نُعلقُ عليها ــ تحت أي ظرف من الظروف ــ أخطاءَنا. ألم تعلن وزارةُ التربيةِ والتعليم ، أنها أنهت استعداداتها لعقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام 2021م؟ ، أم أن الورقةَ الامتحانيةَ ــ وهي الأساس ــ ليست من هذه الاستعدادات؟.
كان على ذوي الشأن في وزارة التربية والتعليم ، أن يبادروا وقتها بالتخطيط الواعي لمرحلةِ وضع الأوراق الامتحانية ، بحيث:
يتمُ تشكيل لجان حقيقيةٍ من ذوي الخبرات ، بعيدًا عن المجاملات ، لكل مادة لجنة متخصصة من المفترض أن تضمَ عضوًا على الأقل من الميدان.
تضعُ كلُّ لجنةٍ ثلاثةَ نماذج (ورقات امتحانية) متساوية في أوزانها النسبية ، بحيث لا تَعرفُ اللجنةُ أي نموذج من هذه الأوراق التي ستُقدمُ للطالب.
تقومُ اللجنةُ بوضع نماذج الإجابة للأسئلة في الأوراق الثلاث ، للتأكد من أن جميعَ الأسئلة لها إجابات محددة دون التباس ، وليس هناك أسئلة تحتمل التأويل ، أو أسئلة لها أكثر من إجابة.
يتمُ مراعاة الفروق الفردية في الورقة الامتحانية ، بحيث تشتمل على مستويات من الأسئلة ، تناسب جميع الطلاب ، مع تضمينها أسئلة التفكير العليا الخاصة بشريحة الطلاب المتميزين.
يقومُ أعضاءُ كل لجنة بالإجابة على الورقة الامتحانية ، بهدف حساب الوقت الحقيقي الذي تستغرقه الإجابة (فعليًا وعمليًا) مع مراعاة الفروق الفردية لجميع الطلاب.
تتمُ إجازةُ الأوراق الامتحانية وحفظها مع محاضر اجتماعات اللجنة ، بعد تدقيقها ومراجعتها المراجعة النهائية ، لتتحمل كل لجنة بعد ذلك مسؤولية عملها.
لقد استمعنا وقرأنا شكاوى الطلاب بخصوص صعوبة امتحان مادة الفيزياء ، وآراء المعلمين والمتخصصين ، ولكننا لم نأخذ بهذه الشكاوى ولا الأراء ؛ لأن واضع الورقة الامتحانية قد تكون له وجهة نظر تقنعنا بسلامة عمله واختياراته ، إلا أن الصمت ، وضبابية الرد الرسمي وغموضه ، يجعلنا نرسم الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ، حيث كنا نتوقع أن يقوم رئيس لجنة الامتحانات ، أو الذين كُلِّفوا وتصدروا لوضع الورقة الامتحانية للمادة ، كنا نتوقع أن نسمع توضيحهم وردهم ، ورأيهم ، وتبريرهم إلا أن هذا لم يحدث ، وتم السكوت على الأمر ، وكأن شيئًا لم يكن!. صحيح أن هناك إجراءات داخلية سيتم اتخاذها ليس شرطًا أن تُطرح للجمهور ، إلا أنه كان من المفترض الإسراع في توضيح الأمور للطلاب وأولياء أمورهم ، بإجراءات مقنعة مدروسة ؛ لمنع البلبلة ، وللمحافظة على الثقة بين المؤسسة والجمهور، إذ لم يكن كافيًا الإشارة إلى تعديل الدرجات ، في وقت كان بالإمكان الاستغناء عن هذه الشكاوى وتلك النقاشات ، وعن معالجة الدرجات في هذه المادة (Curve adjust the marks) من خلال وضع ورقة امتحانية منذ البداية ، تكون متوازنة ، مناسبة لمستويات الطلاب في ظل جائحة كورونا ، مع الأخذ في الاعتبار الظروف التي عاشها الطلاب مع التعلم عن بعد ، وما رافق ذلك من ضعف في الاستيعاب والتحصيل ، وغياب التدريب لتعزيز المعلومة ، واكتساب المهارات الضرورية ، وبخاصة في مادة كالفيزياء.
لا أريد أن أطيل ، ولكن أتمنى على المسؤولين في وزارة التربية والتعليم التي تُناط بها مسؤولية كبيرة ، وتحمل أمانة عظيمة تتمثل في بناء الإنسان ، أتمنى أن يُستفاد من الأخطاء التي وقعت ، كبُرت أم صغُرت ، لتكون الوزارة قدوةً في أدائها ، متميزةً في عطائها ، محققةً لأهدافها ، حريصةً على بناء الأجيال التي يحتاجُها تقدم الوطن ورفعته.