ماذا نصلح .. وماذا نعالج .. والخيل من خيالها؟!


د. محمد علي النجار
في ورشة عمل .. أو قل في جلسة نقاشية جرت أمس الثلاثاء ..
(تمت
الإشارة إلى أن عدد المنتظرين للوظيفة العامة حسب إحصائيات رسمية بداية هذا العام
بلغ 485 ألف راغب بالالتحاق بوظيفة بالقطاع العام .. أي قرابة نصف مليون مواطن!!
.. وأن هناك فائضًا من الموظفين في بعض الدوائر الحكومية .. ونقصًا في بعضها الآخر
مما يتطلب علاجًا يبدأ من مرحلة التخطيط)
والفائض هنا إشارة إلى البطالة المقنعة .. هذه البطالة التي
تنبه لها سمو ولي العهد حفظه الله وأشار إليها في بعض أحاديثه ..
البطالة واحدة من المعضلات في دوائرنا التي هي بحاجة إلى
الإصلاح .. إلا أن الواقع يقول: إن هناك معضلات أخرى في مؤسساتنا منها الإهمال .. والتسيب
.. وقلة الإنتاج .. وسوء الإدارة .. ففي ذاكرة كل مواطن منا مواقف تحتاج إلى وقفات
.. وما سيرد منها في هذه اللوحات ما هي إلا مشاهدات شخصية: فقد تُراجع بعض الدوائر الحكومية فترى العجب
العجاب .. تسعة موظفين يجلسون في مكاتب متلاصقة جدًا .. في مساحة لا تكاد تسعهم، فتدور
المعاملة على معظمهم .. يتواكل كل موظف على الآخر مما يُبطئ الإنجاز فالمعاملة
التي تحتاج خمس دقائق تستغرق ما يقارب النصف ساعة!! .. في دائرة أخرى .. ترى غرفة
بأربعة مكاتب يتفضل موظفوها بدخولها بعد العاشرة صباحًا واحدًا تلو الآخر!! ..
وغرفة أخرى في الدائرة الخدمية ذاتها بمكاتب أربع تنتظر موظفيها فلا يحضر أحد منهم
.. المكتب الخالي في واد والمدير في واد آخر حتى ينبهه أحد المراجعين، فيجلب
موظفين بدلاء من قسم آخر لإنجاز معاملات المواطنين!! ..
في دائرة خدمية أخرى تقدم معاملتك فتشعر وكأنك تتسول .. فترجو
وتتوسل .. وكأنك متهم مطلوب للاستجواب والتحقيق، فتخرج .. تمزق أوراق المعاملة
بسبب سوء المعاملة .. وتستغني عن هذه الخدمة!! ..
تعود للبيت الساعة الثانية ظهرًا فتكتشف أنه تم قطع الكهرباء عن
منزلك قبل أكثر من أربع ساعات دون أي سبب أو مبرر!! .. وتبدأ اتصالاتك مع الطوارئ
ومع غير الطوارئ .. وتراجع المكتب في منطقتك .. وتذهب بعيدًا في رحلة طويلة إلى
رأس العين يقابلك موظفان .. أحدهما يتعاطف معك .. والآخر يبرر بأن العدادات ملك
الحكومة تقطعها وقتما تريد!! .. وتعود تجر أذيال الخيبة .. وتهاتف الطوارئ من جديد
.. فتأتيك منهم الرسائل وتأتيك الوعود وتتفاءل خيرًا .. تنتظر على أعصابك .. فالبيت
فيه من كبار السن مرضى وأصحاء .. وفيه من الأطفال الصغار والكبار .. وفيه ما فيه
من ضرورات الحياة التي يفسدها انقطاع الكهرباء غير المتوقع .. وتبقى حتى الثانية
عشرة ليلاً .. ولا من مجيب .. فتشعر بالقهر واليأس .. وتستسلم حتى العاشرة من صباح
اليوم التالي!! .. هذه الأمور جميعها لم أسمعها بل عايشتها ..
هذا ليس كل شيء .. فما زال في الجعبة الكثير مما يوجع القلب!!
.. فلماذا يحدث كل هذا؟ أين الشعور بالمسؤولية؟ أين الحرص ومظاهر الانتماء للوطن؟
..
في الجلسة النقاشية يرون أن الفائض في الموظفين والنقص يتطلب
علاجًا يبدأ من مرحلة التخطيط .. فمتى ستكون مرحلة التخطيط؟ وهل يعقل وقد دخلنا
المئوية الثانية المباركة أن نبحث عن العلاج لمشكلاتنا وكأننا نعيش في القرن
العشرين في وقت وصل غيرنا المريخ؟!! .. نرفض وبشدة أن نظل في الموضع الذي نحن فيه
.. فهذا ليس مكاننا .. يجب أن يكون الجميع على قدر المسؤولية .. ولا يجوز أن نضيع
أوقاتنا في أمور عفا عليها الزمن ونحن على أبواب انطلاقة نحو تعزيز مكانة الأردن
كدولة متقدمة تكنولوجيًا تتمتع باقتصاد ومجتمع رقمي حقيقي بمتابعة من سمو ولي
العهد الأمير الحسين حفظه الله.
أيها السادة غير مقبول أن نغمض أعيننا عما يدور في مؤسساتنا .. ولا
يجوز لأي مدير أن يدس رأسه في الرمال ويجامل موظفيه على حساب الوطن .. فالمسؤول هو
القدوة لموظفيه .. والخيل من خيالها .. دوائرنا ومؤسساتنا ووزاراتنا ليست شؤون أو
تنمية اجتماعية ولا هي جمعيات خيرية .. هي حواضن الإنتاج والإنجاز وخدمة الوطن
وتطوره وبناء مستقبله بسواعد أبنائه المخلصين لرفع رايته ومكانته بين الأمم.
نحتاج في دوائرنا ومؤسساتنا إلى هزةٍ قوية تسقط الورق الجاف ..
وتقليمٍ للأغصان الضعيفة بأيد مبدعة .. وبخلطةٍ من الجد والجهد والمحبة والإخلاص
نرويها .. لتنمو الأوراق الخضراء .. وتنشر الشجرة الهاشمية ظلها .. وينعم المواطن
الأردني بالحياة الطيبة التي يستحقها.
أخي الموظف .. أخي
المسؤول .. تأكد أن مستقبلنا نرسمه بأيدينا .. عفا الله عما سلف .. فهل نبدأ
جميعًا الرحلة يدًا واحدة نحو المستقبل؟ ..
والله من وراء القصد