وحدة الضفتين .. أضرّت بالبلدين


عوض ضيف الله الملاحمة
عندما أتفكر في وحدة الضفتين الغربية مع الشرقية
أبتئس ، ويكفهر وجهي ، ولا أجد مجالاً لتغيير هذا الشعور ، وأحاول ان أُقنع نفسي
وأُخاطبها قائلاً : لم أعهدكِ تعانين من تناقض في التفكير ربما يصل حد الإنفصام ،
فكيف لا تنشرح أساريركِ عندما تتذكرين وحدة الضفتين !؟
وليسمح لي القراء
الكرام ان أقول ما لم يَقُله غيري ، ربما ، مع عدم معرفتي للسبب ، فإما يكون
المانع خوفاً ، او جهلاً.
صحيح أنني أتحدث عن شيء
فات ، ومات ، وانقضى ، واندثر . فلماذا النبش في الماضي الذي يبعث على القهر ، ولا
يجلب شيئاً من الفخر للطرفين !؟
صحيح ان وحدة الضفتين
قتلها العدو في حرب عام ١٩٦٧ ، وأصبحت الوحدة أثراً بعد عين ، وذهبت الى صفحات
التاريخ الذي لانعرف هل سينظر اليها على انها مصدر فخر ، أم فخٍ بَعث على
القهر.
عندما تتفكر في وحدة
الضفتين بعمق ، وتربط بين التواريخ والإجراءات تشعر بأنها ربما تكون مفبركة ،
وزائفة ، وضاره بالطرفين.
أختلف مع الكثيرين
الذين يدعون لعدم الإلتفات للتاريخ ، ونسيان او تناسي الماضي . لأن
التاريخ له إنعكاسات وآثار ، على المستقبل . ومن لا يقرأ التاريخ بعمق وتروٍ
، لن يتمكن من فهم الماضي والمستقبل . ولن يكون أدائه الحالي والمستقبلي محصناً من
تكرار أخطاء الماضي . وفي هذا يكمن خطر كبير ، كمن يدخل سباقاً للضاحية وهو مُغمض
إحدى عينيه.
ما سأذكره ، ليس لوماً
، ولا نقداً ، ولا رفضاً ، ولا كُرهاً ، ولا محاكمة ، ولا حتى مُحاسبة لوحدة
الضفتين ، أبداً . وإنما أهدف الى إظهار وتبيان إنعكاساتها على الحاضر ومخاطره ،
والمستقبل وويلاته.
وحدة الضفتين أضرت
بالقضية الفلسطينية أفدح ضرر ، وانعكاسات ذلك تظهر جلية الآن . حيث ان وحدة
الضفتين ألغت قُطراً عربياً كان إسمه ( فلسطين ) . ومن نتائج الوحدة انه أصبح
يتوجب على الفلسطيني ان يقول انه ( أردني ) ، وعليه الإفصاح عن أردنيته ، وإظهارها
والتغني بها . وإذا أفصح عن ( فلسطينيته ) يُلام ، وينظر اليه كناكر للجميل . وكان
نتاج هذا ان سقط إسم فلسطين ، وبدأ بالإندثار من قبل نسبة ليست بسيطة من الأردنيين
من أصول فلسطينية كُرهاً ، وليس طوعاً.
وبدت إنعكاسات ذلك جلية
حالياً ، وفي هذا الوقت العصيب الذي تعيشه القضية الفلسطينية .
القراء الكرام ، ألم
تلاحظوا معي ان كافة كبار المسؤولين من العدو لا يذكرون إسم ( فلسطين )
نهائياً ، حيث يطلقون على
الفلسطينيين في الضفة تحديداً إسم ( العرب ) ،
وليس الفلسطينيين . وخاصة الإرهابيين / بن غفير ، وسموتريش ، وهما يتحدثان عن ضم
الضفة الغربية يقولان ( ضمّ الكثير من الأرض ، والقليل من العرب ) .
ونظراً لإرتباط الضفتين
في وحدة ، وبعد إحتلال الضفة الغربية من قبل العدو الصهيوني عام ١٩٦٧ ، شعر الأردن
الرسمي والشعبي بالألم ، والمسؤولية . ولم يألوا الحسين الراحل رحمة الله عليه جهداً
الا وبذله بأقصى طاقاته ، مستثمراً ذكائه ، ودهائه السياسي الإحترافي ،
لإسترجاع الضفة الغربية ، كونه تم إحتلالها وهي جزء من تراب الأردن الوطني . لكن
لم يأتِ طلوع القمر على هوى الساري . وإنتقل الحسين الى الرفيق الأعلى وفي قلبه
غصّة.
كما أضر الأردن بنفسه
ليجد مخارج لتسهيل حياة الفلسطينيين ، فصرف الأرقام الوطنية لمن يستحقونها ، ولمن
لا يستحقوها أحياناً ، كما صرف جوازات سفر بارقام وطنية وبدون ، وصرف جوازات بمدد
مختلفة ، خمس سنوات ، وثلاث سنوات . كما تفنن وصرف بطاقات متعددة بالوان قوس قزح ،
فمنها : الأخضر ، والأصفر وغيرها . فارتبك الأردن نتيجة إندفاعه لتسهيل حياة
الفلسطينيين.
ونتاج هذا الكرم
الحاتمي الأردني المُفرط ، بدأ قطافه الآن ، عندما قرر الكيان بداية بانه ينوي
تهجير ( ٧٥٠,٠٠٠ ) من فلسطينيي الضفة الغربية الى الأردن كونهم يحملون
أرقاماً وطنية أردنية . ثم أعلن الكيان بانه لن يكتفي بتهجير هؤلاء ، وإنما
سوف يهجّر كافة الفلسطينيين الذين يحملون أية — لاحظوا كلمة أية — وثائق
أردنية مهما كان نوعها ، وللتوضيح أضافوا انه سيتم تهجير كل من يحمل : جواز سفر
أردني دائم ، او جواز سفر أردني مؤقت ، وكل من يحمل جواز أردني برقم وطني ، وكل من
يحمل جواز أردني بدون رقم وطني ، كما سيتم تهجير كل من يحمل بطاقة أردنية خضراء ،
او صفراء او غيرها.
هنا وقعت الواقعة ،
وحقّت الحاقة ، وتبين الأثر السلبي القاتل لوحدة الضفتين على القضية الفلسطينية ،
حيث ضربتها تلك الوحدة في مقتل.
كما صخّت الصاخة ، على
الأردن ، وظهر الأثر السلبي القاتل لوحدة الضفتين على الأردن ، وضربته في مقتل .
ولو لم تتم وحدة الضفتين لما وجد العدو مبرراً لتهجير الفلسطينيين الى الأردن .
ولشكّل وجود الفلسطينيين للعدو كما الشوكة في الزور . بينما سهّلت وحدة
الضفتين على العدو تهجير الفلسطينيين وكأنها أوجدت منفذاً يراه العدو منطقياً
للخلاص من أكبر عدد من الفلسطينيين بنقلهم هم ومشاكلهم وتعقيداتهم الى الأردن .
كما علينا ان لا ننسى ،
بل علينا ان نفكر ملياً ، في عدد الأرقام الوطنية ، وجوازات السفر الدائمة ، وجوازات
السفر المؤقتة التي صُرفت بسخاء لأعداد كبيرة من أبناء فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ .
( وبكره بذوب الثلج وبيبان المرج ) ، عندما يأتي دور تهجير الفلسطينيين من الداخل
المحتل عام ١٩٤٨.
هذا ليس محاكمة ، ولا
حتى محاسبة للتاريخ ، أبداً . لكن ليتنا لو تركنا الفلسطينيين في حالهم ، حتى
يقلعوا شوكهم بأيديهم دون تدخل منا . حيث لعبنا دور الدبّ وصاحبه : أتذكرونها ؟
عندما رأى الدبّ ذبابة حطّت على وجه صاحبه وهو نائم ، فحمل صخرة كبيرة والقاها على
وجه صاحبه ليقتل الذبابة ، فطارت الذبابة مزغردة ، وتعفر صاحب الدبّ بدمه ، ومات .
قبل ان أختم ، أود ان
أقول وبوضوح تام ، ودون مواربة ان : ( الوحدة بين الضفتين كانت خطأً إستراتيجياً
قاتلاً للأردن وفلسطين ، لسببين:—
١ )) أنها زجّت الأردن في آتون القضية الفلسطينية .
كما انه لولا قمة الرباط التي عُقدت عام ١٩٧٤ واعتبرت ان منظمة التحرير الفلسطينية
هي الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين لظل الأردن مسؤولاً عن تحرير الضفة الغربية .
٢ )) أنها أضرّت بالقضية الفلسطينية أفدح ضرر ، لانها
وفق النهج الحالي للعدو أوجدت منفذاً للعدو لتهجير الفلسطينيين من أرضهم ، مما
سيؤدي الى تفريغها من أهلها.
أعشق وطني الحبيب
الأردن ، وأعشق عروبتي ، وأشعر بمسؤولية كبيرة تجاه فلسطين الحبيبة واعتبرها قضية
العرب الأولى والمركزية ، وأتمزق بينها ، لذلك أرى ان حديثي عن الثلاثة يجب ان
يكون الأصدق ، والأعمق ، والأجرأ ، دون مواربة او تأتأة ، او لف او دوران .
وأختم ببيت من
الشِعر يقول :—