عرش العالم بين نموذجين


وليد عبد الحي
تقدم الدبلوماسية
الصينية المعاصرة محاولة مختلفة لبلوغ موقع دولي يؤهلها لتقديم نموذج جديد في
إدارة العلاقات الدولية، فبعد التحرر من الدوغمائية الماوية –مع ضرورة الإقرار بقدر
معقول من التاثير للماوية في اعداد ارضية النهج الجديد- تحاول القيادة الجديدة منذ
التحول الذي ارساه المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني وتبني برنامج
التحديثات الاربعة وطرح نظرية الصعود السلمي عبر مساهمات دينغ هيساو بينغ وجان
بيجيان وغيرهم أن تقدم نمطا يثري النزوع الكونفوشي الانساني الرزين ويتحرر من
عقلية "سور الصين " ويتكئ على سجادة تحمل ارثا بوذيا وكتب عليها "
المعرفة هي إله الآلهة "، مع التشبث رغم كل التطور في تسجيل اسم الصين –حتى
هذه اللحظة- في سجلات دول العالم الثالث.
هل تشير المعطيات الى
تقدم لهذا النموذج ؟
بعيدا عن النظرة
المثالية، وبعيدا عن اعتبار كل ما هو غربي وزرا يستلزم الوضوء قبل تناوله، فان
النموذج الصيني يحاول الصعود " سلميا " ، ويقدم خطابا سياسيا متحررا من
الرعونة الامريكية، او الخبث البريطاني او الحس العرقي المتعالي الالماني او
الاستبداد الروسي .
ان الرزانة التي يتحدث
بها الرئيس الصيني الحالي "شي جين بينغ" تنم عن ثقة واضحة بالذات ولكنها
تخفي شعورا عميقا للغاية بمسئولية عالية عند اطلاق التصريحات السياسية، ويتقدم في
نشاطاته الدبلوماسية بهدوء ، ويبني التحالفات بقدر من الأناة بإدراك ان مسافة
الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فهو لا يثرثر على غرار الحيوان العقاري ترامب، لكنه
ينافسه بصبر واضح، بل يبدو انه يعلم بان عمر خصمه قصير، كقصر عمر حروبه الجمركية.
ما هي نتائج كل هذا؟
لم اقتنع في كل نظريات
قياس القوة للدول بمقدار شعوري بأن معادلة ديفيد سنغر(David Singer) لقياس تمركز القوة في النظام الدولي وما اضافه بعض الباحثين من
ضوابط لها لاحقا، هي الاكثر مراعاة للقياس الأدق(رغم بعض الهنات كشأن كل نظرية)،
وعندما حاولت تطبيق ذلك على القوى المركزية في النظام الدولي لاكتشاف
"جدوى" الصعود السلمي الصيني (أي بدون تدخل عسكري أهوج ،ولا بشن حروب
تجارية، ولا بممارسات تحن للآليات الاستعمارية القديمة...الخ)، فتبين لي ما يلي:
1- حدد التطبيق المعاصر لمعادلة سنغر قياس
المتغيرات الحاكمة لقوة الدولية في ستة هي :
أ- اجمالي الناتج
المحلي (مع ميل اغلب الباحثين الى اعتماد القيمة على اساس المعادل الشرائي Purchasing Power
Parity)) وليس الأسمي(Nominal)، وتعطي القياسات
المعاصرة هذا المؤشر 30% من اجمالي القوة(ولا داعي للدخول في تفاصيل كيف تم الوصول
لهذه النسبة)
ب- القوة العسكرية
(بقياس الانفاق الدفاعي وعدد الجيش الى السكان، والآليات والقوة
النارية...الخ)وتحدد وزن هذا المؤشر ب 25%
ت- التطور التكنولوجي
(من خلال مؤشراته الفرعية، براءات الاختراع، الابتكارات الجديدة، التطور الرقمي
..الخ) واخذ هذا المؤشر 15% من الوزن الكلي لقوة الدولة.
ث- عدد السكان مع قياس
معدلات الزيادة السكانية(وآثارها سلبا وايجابا) ، واعتمد اصحاب القياس قيمة 10%
كوزن لهذا المؤشر.
ج- مؤشرالتحالفات
الدولية، وتم قياسها بمؤشرات فرعية تحاكي مؤشرات قياس العولمة السياسية والعسكرية
والاجتماعية والاقتصادية) واخذ وزن 10% ايضا.
ح- الموارد الطبيعية (
الغاز والنفط والمعادن والمياه والمساحات الزراعية..الخ) وتم اعتماد 10% كوزن له.
واضافت الدراسات
المعاصرة عنصرا مهما للمعادلة وهي حساب معادل التسارع في كل مؤشر عند كل دولة ،
وهو ما يترتب عليه القدرة على تحديد المكانة المستقبلية ، وتعتمد النظرية المعادلة
التالية:
مجموع نسبة (المتغير
1و2و3و4و5و6 للدولة الواحدة )استنادا الى نسبته من مجموع بقية الدول تقسيم اجمالي
قيمة المتغيرات الستة لكل الدول x معدل التسارع لكل دولة.
وقد تبين من كل هذه
المعادلة انه خلال الفترة من 2000 الى 2025 كانت النتائج على النحو
التالي :
1- تقدمت الصين خلال الفترة (25 سنة) 10 نقاط في
اجمالي النتائج ، كما ان تسارع حركيتها قياسا بالولايات المتحدة تصل الى 3.1 ضعف
امريكا ، وهو ما يجعل قيمة اجمالي ناتجها المحلي عام 2030 يساوي (على اساس المعادل
الشرائي) حوالي 40.72 تريليون مقابل 30.51 تريليون تقريبا للولايات المتحدة.
2- اذا اعتمدنا المعطيات الحالية، مع حساب ايقاع
التسارع فان الولايات المتحدة ستكون عام 2035 تحتوي على 23.4% من
القوة العالمية بينما ستضمن الصين 31.2% منها.
3- عند اخذ اجمالي القياس لكل المؤشرات لبقية الدول
بين 2000-2025 تبين:
-تراجع اليابان 5 نقاط
-تراجع الاتحاد الاوروبي 3 نقاط
-تراجع الولايات المتحدة نقطة واحدة
-تراجع روسيا نقطة واحدة
-تقدم الهند نقطتان.
ذلك يعني ان مجموع
تراجع اليابان والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا انتهى في
"خزينة" الصعود السلمي ،وهي النقاط العشر التي تقدمتها الصين.
ان مراجعة النتائج تشير
الى الانتقال من الحقبة الاطلسية الى الحقبة الباسيفيكية التي تنبأ بها الباحث
المستقبلي الفرنسي قبل 55 سنة(أوليفييه دولسبوا، وتبعه الامريكي ماكيندر ،وهيرمان
كاهن،والياباني كندو موشاكوجي، ثم الامريكيان ادوارد لوتواك وريتشارد روزكرينس...الخ.
ان نموذج الصعود
الآسيوي السلمي يسير حتى الآن قُدُما، ويكفي البحث في دلالات مشروع الحزام والطريق
الصيني ،ومشروع الممر الاقتصادي الهندي الاوروبي والتصاعد في مكانة البريكس
وشنغهاي والاتحاد الاوراسي ، تشير الى ضرورة ان يعيد العرب حساباتهم في تحالفاتهم
،وان تتم اعادة الحساب من خلال مراكز البحوث العلمية العربية المحايدة لا من خلال
مراكز العسس و ثقافة " اشرب قهوتك"...ربما.