شريط الأخبار
وزير المياه يقر باحتساب عدادات المياه للهواء بالفاتورة بعد "واقعة الدوحة"...هل توفرت الفرصة لموقف عربي مغاير هذه المرة؟ "التربية" تعمم بحظر العقاب البدني وحمل "العصا" بالمدارس المؤسسة الأمنية للاحتلال تقدم خطة لتهجير فلسطينيي غزة بدءا من أكتوبر وقفة جماهيرية وسط عمان نصرةً لغزة وتنديداً بالعدوان الصهيوني وتهديداته ضد الأردن الأمم المتحدة تقر بالأغلبية قرارا يؤيد إعلان نيويورك بإقامة دولة فلسطينية عرش العالم بين نموذجين مجلس النقباء يدين العدوان على قطر ويؤكد أن أمنها من أمن الأمة عملية طعن لاسرائيليين في القدس فيما تعربد اسرائيل بسوريا..حكومتا نتنياهو والجولاني تعلنان منفردتين عن ضبط خلايا لفيلق القدس وحزب الله! استشهاد 29 فلسطينيا بيهم 14 من عائلة واحدة بغارات الاحتلال على اليوم الغارديان: التهديد الأكبر لدول الخليج لم يعد إيران بل إسرائيل غير المنضبطة الجيش يحبط محاولتي تهريب كميات كبيرة من المخدرات روسيا تعلن جاهزية أول لقاح لعلاج السرطان للاستخدام السريري الصفدي أمام مجلس الأمن: حكومة الاحتلال الإسرائيلي مارقة وكاذبة وملطخة بدماء الأبرياء (فيديو) الاستنفار قائم مع إيران وعين العدو على لبنان وفرض واقع جديد في سوريا: مؤشرات مقلقة على نوايا إسرائيل في المستقبل القريب الأردن يحظر أجزاء من لعبة روبلوكس حماية للاطفال بورصة الأردن تسجل أعلى مستوى منذ 17 عاماً العثور على طفلين بصحة جيدة القيا بحاوية نفايات بحي نزال انصار الله اليمنية تواصل دك العدو الاسرائيلي بالصواريخ والمسيرات

بعد "واقعة الدوحة"...هل توفرت الفرصة لموقف عربي مغاير هذه المرة؟

بعد واقعة الدوحة...هل توفرت الفرصة لموقف عربي مغاير هذه المرة؟


كتب: عريب الرنتاوي

 

"حجيج" عربي صوب الدوحة...قادة عرب وخليجيون يؤمون العاصمة القطرية في تظاهرة دعم وتضامن وإسناد، وكيف لا يفعلون، والحدث جلل، والعدوان الإسرائيلي الإجرامي على قادة حماس، في قلب عاصمة الوساطة العربية، ليس مسبوقاً بمثله، وما بعده يتعين ألا يشبه ما قبله.

سبقت حجيج الزعماء والقادة العرب لقطر، موجة من ردود الأفعال الغاضبة، فيض من بيانات الإدانة والاستنكار والتحذير والتنبيه، ولم لا يحدث أمرٌ كهذا، في الوقت الذي تبلغ فيه العربدة الإسرائيلية، المنفلتة من كل عقال أخلاقي وقيد قانوني، مبلغاً عظيماً...وفيما "رسائل النار" الإسرائيلية، لم تعد تعرف حدوداً، ولا تميز بين عاصمة وأخرى، وتنذر بعصر من التوحش، والنزوع الهستيري لبسط الهيمنة وفرض "الكلمة العليا".

وعلى وقع طوفان من الغضب الشعبي، والإحساس المتنامي، العابر للحدود، بالمهانة والاستصغار، المتأتيان عن تفشي الوحشية الإسرائيلية، وتفاقم جنون القوة وغطرستها، تتحرك الحكومات والأنظمة والحكام، لملاقاة الرأي العام المُستَفَز، وتخفيف حدة الاحتقان في الشوارع والميادين العربية، التي وإن بدت صامت وساكنة على سطحها، إلا أنها تمور في باطنها، بكل مشاعر الغضب والحزن للحال والمآل الذي انتهت إليه الأمة.

وتأخذ الأسئلة التي لا تفارق كل لسان عربي (مبين)، شكلاً اعتراضياً احتجاجياً على حالة الضعف والهوان التي ميزت سلوك النظام الرسمي العربي، طيلة عامين من حرب التطهير والإبادة في غزة، وامتداداً حتى الضفة الغربية، قبل أن تتنقل إلى بيروت ودمشق، وتضرب في اليمن، وتطاول الشواطئ والمرافئ التونسية، في مطاردة قذرة لرسل السلام والإنسانية، الذين جاءوا من أكثر من خمسين دولة، ليقولوا بصوت واحد: كفى للحصار الجائر، لا للتجويع، أوقفوا الإبادة والتطهير العرقي، حذار من المضي في مخططات التهجير، وحذار الاستمرار في تدمير البشر والشجر والحجر في القطاع المنكوب بالفاشية الجديدة.

في الوعي الجمعي العربي، ليس العدوان على قطر واستهداف قادة حماس، بالفصل الأول من جرائم الحرب الإسرائيلية، سبق لإسرائيل وأن استهدفت صالح العاروري في قلب بيروت، وإسماعيل هنية في قلب طهران، وقضت على قيادة حزب الله، من الصفين الأول والثاني، عسكريين وسياسيين وروحيين، وأطاحت بالحكومة اليمنية (صنعاء) برئيسها ووزرائها...إسرائيل بعدوانها على الدوحة، لم تدشن مسار الإجرام وحرب الاغتيالات والتصفيات، بل وصلت به ذروة أعلى، فالعاصمة المستهدفة، عضو مؤسس في مجلس التعاون الخليجي، وعضو نشط في الجامعة العربية، وعضو فاعل في المجتمع الدولي، اكتسبت سمعتها ومكانتها، من دورها كوسيط في حل النزاعات المستعصية، ومنصة للحوار والتلاقي...هذه المرة، العدوان يكتسب معنى مختلفاً، ويكتسي بلبوس الاستعلاء والاستكبار، والاستخفاف بكل القيم والمعايير والأعراف.

وفي الوعي الجمعي العربي كذلك، أن عامين من لغة "الإدانة" و"الإدانة بأشد العبارات"، لم تجلب نفعاً ولم تدرأ ضُرّا...عامان من مناشدة المجتمع الدولي القيام بدوره والاضطلاع بمسؤولياته، لم تحرك ساكناً...اليوم، وقد بلغت الوحشية ذروة جديدة، باستهداف قيادة حماس بمجملها، وفي قلب عاصمة الوساطة العربية، يتطلع الرأي العام العربي، لسلوك جديد، ومواقف مختلفة من حكامه وحكوماته.

العرب ليسوا بلا أوراق قوة

وليس صحيحاً أبداً، أن العرب مجردون من أوراق القوة والضغط، أو أن الدعوة لتفعيل مواقف أكثر كفاءة واقتداراً في كبح الجناة والمجرمين، ينطوي على قدر من المقامرة، أو هي دعوة لمجازفة غير محسوبة...يكفي أن يُفعّل العرب أدواتهم الدبلوماسية، وبعض أدواتهم الحقوقية والاقتصادية، حتى يجري الأدرينالين مدراراً في عروق قادة إسرائيل ورعاتها في واشنطن وبعض عواصم الغرب الاستعماري.

ما الذي يمنع "نصف دزينة" من الدولة العربية المنخرطة مع تل أبيب في علاقات سلام وتطبيع، من التواضع والتوافق على موقف مشترك، يضع الاتفاقات والمعاهدات المبرمة معها في كفّة، ووقف المذبحة والاستباحة في كفّة أخرى...سبق لإسرائيل أن حاولت اغتيال خالد مشعل في عمان، ووصلت إليه في العام 1997، ولكن حين وضع الملك الراحل الحسين بن طلال، معاهدة وادي عربة في كفة وحياة خالد مشعل في الكفة الأخرى، جاء القاتل بالترياق الذي أبطل مفعول السم، الذي أدخلوه إلى جسد رئيس المكتب السياسي لحماس، وأمكن إبرام صفقة، خرج بموجها مؤسس حماس، وأبوها الروحي، الشيخ الشهيد أحمد ياسين، من محبسه...دولة بمفردها نجحت في استحداث قدر من التغيير، فكيف إذا تحركت مجموعة من الدول على نحو مشترك، حتى لا نقول المجموعة العربية بأكملها.

قبل أيام، سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية، نبأ مفاده أن تحذيراً إماراتياً وصل إلى حكومة نتنياهو، يقول بأن معاهدة التطبيع الإبراهيمية، وما ترتب عليها من منظومة علاقات دبلوماسية وتجارية، يمكن أن تتعرض لأسوأ العواقب، إن أقدمت إسرائيل على ضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها..."التسريب" يقول بأن ضوءاً أحمر اشتعل في مكتب نتنياهو، وأن هذا التحذير، كان سبباً في سحب قضية الضم من جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية، أقله إلى حين...كيف لو أن ستة أو سبعة دول عربية، تصدر تحذيراً بهذا المضمون، لحكومة اليمين الفاشي في تل أبيب؟

قد يقول قائل، أن إسرائيل لا تأبه لما تلوح به دول عربية أو تهدد به، فلديها برنامج أولويات، ليس التطبيع مع العرب، في صدارته...هذا صحيح، بيد أنه صحيح جزئياً، وليس دائماً، وليس بالمطلق...إسرائيل لم تأبه بردود الأفعال العربية على جرائمها، لأنها ظلت ردوداً لفظية، لا تقدم ولا تؤخر، فلم تتضرر علاقاتها الأمنية والسياسية والتجارية بما تقارفه أيدي جنودها في غزة والضفة، ولم تُتبِع دولة عربية أقوالها بالأفعال، فلماذا تقلق إسرائيل، ولما تُلقي حكومتها بالاً لوابل التصريحات العربية المنددة والمستنكرة؟

الوضع كان ليختلف، لو أُغلِقت السفارات وطُرِد السفراء وقُطِعت العلاقات الدبلوماسية، وتوقفت طرق الإمداد، وكفّ بعض العرب عن دعوة "جيشها المجرم" للمشاركة في مناورات وتدريبات مشتركة...إسرائيل كانت ستُلقي بالاً للعرب، لو أنهم أوقفوا تجارتهم معها، وأغلقوا الممرات البرية والبحرية والجوية في وجهها...المشهد برمته كان ليتغير، ولم تفت الفرصة بعد لتغييره.

لكن، دعونا من إسرائيل وكيف ستتلقى حكومة اليمين الأكثر تطرفاً الإجراءات العربية التي نقترحها، ولنتأمل في ردود أفعال واشنطن، بالذات تحت إدارة ترامب، الذي ظلّ ينظر لنفسه كأب روحي للمسارات التطبيعية بين إسرائيل والعرب، ويتعهد صبح مساء، بصيانتها وتعميقها وتوسيعها بضم دول جديدة إليها...ماذا لو استشعرت إدارة ترامب، أن منجزها الإبراهيمي الرئيس، عرضة للانهيار؟...ماذا لو استشعر ترامب، أن السلام الذي يسعى لنيل جائزته الأهم، نوبل، قد بات أبعد تناولاً من أي وقت مضى؟...ماذا لو أدرك، أن صورته ومكانته، والأهم مصالحه، باتت عرضة للاهتزاز والتبديد على يد حليفته وربيبته، حكومة اليمين الفاشي في تل أبيب؟...وكيف ستتفاعل صورة الموقف العربي "الحازم"، أوروبياً وأفريقياً ولاتينياً، حيث من أسف، تبدو مواقف كثرة من هذه الدولة، أفضل بكثير، من مواقف معظم العواصم العربية؟

ثم، ماذا لو قررت عواصم عربية، بعض العواصم وليس جميعها، أن تنشئ جهازاً حقوقياً، لملاحقة إسرائيل ومطاردتها في المحافل القانونية الدولية، في لاهاي وغيرها، العدل الدولية والجنائية الدولية، وفي القضاء المحلي لكثرة من الدول...ما الذي ستؤول إليه مكانة إسرائيل، وهل سيجرؤ مسؤول فيها، عسكرياً كان أم سياسياً، على مغادرة "الغيتو" المسيّج بالأسلاك الشائكة والأسوار الشاهقة، والمدجج بالكراهية والعداء للآخر؟

العرب بحوزتهم الكثير من الأوراق، ما دون الخيار العسكري، وما فوق حالة الاستكانة والسكينة المخيمة على عواصمهم، وهم إن توفرت لديهم إرادة العمل المشترك، وإن تخلوا عن هواجسهم حيال حركات المقاومة وفصائلها، ووضعوا جانباً خلافاته ومخاوفهم غير المبررة على الإطلاق، لأمكن لهم أن يفعلوا الشيء الكثير، حتى من دون إطلاق رصاصة واحدة، أو تهريبها إلى غزة، مع أن اللجوء للرصاص، إطلاقاً وتهريباً، أمرٌ أخلاقي وجائز بكل المعايير والقيم والمبادئ السماوية والوضعية، في مواجهة عدو عنصري، فاشي، يقارف الإبادة والتطهير، بكل صلف ووقاحة، غير آبه بأي أحد وأي شيء.

ودعونا لا نقبل الأطروحة التي تتحدث عن المصاعب التي تعترض جمع 22 دولة على خيار واحد...ثمة حفنة من الدول العربي، إن هي أرادت، فإن العرب يريدون، إن هي شقت الطريق، فإن البقية سيلتحقون، ثم ما حاجتنا للحصول على مصادقة أبعد صوت عربي، طالما أن عدد الدول الفاعلة على ساحة القومية، وفي مختلف الملفات والأزمات المفتوحة، لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، فلتبدأ هي مشوار التعافي العربي، غير المبكر على أية حال، فقد تأخرت كثيراً، ولكن أن تصل أخيراً خير من ألا تصل أبداً.

هل ثمة فرصة لاستنهاض موقف عربي مغاير؟

بالتأسيس على جسامة الفعلة النكراء في قلب الدوحة وضد قيادة حماس، وعطفاً على موجة الغضب العربي الرسمي، وبالأخص الشعبي، يمكن القول إن الفرصة لصياغة موقف عربي مختلف، تبدو قائمة، وإن بالحد الأدنى من الفاعلية والاقتدار، لكنها فرصة قد لا تستمر طويلاً، فنحن قوم لم نشتهر بالصبر الاستراتيجي، وليس لدينا نفس طويل، في البناء التراكمي والمتابعة، وذاكرتنا قصيرة، سرعان ما نهب هبة رجل واحد، وسرعان ما نلوذ بصمت القبور.

أما بالعودة، إلى الإرث المتراكم من العمل العربي المشترك، فإن الصورة لا تدعو للتفاؤل، فكم من كوارث حلّت بهذه الأمة، من دون أن تستحدث التغيير المطلوب في نظامنا الرسمي، وكم من زلازل وهزات ألمّت ببلداننا، تعاملنا معها كما لو أنها تحدث على سطح كوكب آخر...لكن من موقع، تفاءلوا بالشيء تجدوه، يحدونا الأمل بأن الوضع هذه المرة، سيكون مختلفاً، فالنار تشتعل في ثياب حكوماتنا وغرف نومها، ومن الحماقة إطلاق العنان لمفاعيل مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأسد"...ومن لا يخشى امتداد خطر التوحش الإسرائيلي إلى عمق داره، عليه أن يتحسب لسيناريو انفجار موجات الغضب والانتصار للكرامة الوطنية، التي تبدو آتية لا محالة، إن استمرار حال التخاذل والهوان، على هذا المنوال.