امبريالية الحشيش والإرهاب والجاسوسية
د. موفق محادين
تتعرض فنزويلا وكولومبيا واليمن وإيران إلى أشكال مختلفة من
التهديد وحملات الشيطنة والتضليل الإعلامي. فنزويلا وكولومبيا والعواصم اللاتينية
التي تتحرر تباعا بسبب تحولاتها السياسية والاجتماعية ودورها المتنامي في تكريس
الخط البوليفاري كإطار لتفاهم أمريكي – لاتيني متحرر من القبضة الامبريالية، وفي
دعم وإسناد قضايا التحرر الوطني وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
اليمن، بسبب استقلالها والانعطاف الكبير في خياراتها السياسية
ودعمها اللامحدود للمقاومة في غزة، وإيران للأسباب المعروفة، فمنذ الإطاحة بنظام
الشاه العميل وإيران متهمة بدعم الإرهاب (المقاومة)، فبالرغم من الضجيج الصهيوني
حول الاعتداءات السابقة على إيران وإخراجها من رقعة اللاعبين في الشرق الأوسط، إلا
أن تل أبيب وواشنطن والمحميات النفطية التابعة تدرك أن البنية اللوجستية الإيرانية
قادرة في أي وقت على الاشتباك وتوجيه ضربات مؤلمة كما فعلت خلال حرب الأيام 12.
هذه الحقيقة لا تزال تقض مضاجع الصهاينة والامبرياليين إضافة
إلى معطيات أخرى في مقدمتها أن المشروع الإبراهيمي المتصهين لا يمكن أن يمر بوجود
إيران قوية، إضافة إلى علاقات إيران المتطورة مع روسيا والصين وانعكاس ذلك على قلب
العالم الجنوبي.
مقابل اختلاق الأكاذيب الامبريالية حول فنزويلا، لم تتردد
واشنطن وتحالفاتها من اختراق العديد من المنظمات والهيئات الدولية واستخدامها
كأدوات للتجسس على اليمن والمشاركة في تنفيذ عمليات غير شرعية على أراضيها، فماذا
عن الخلفية والحقيقة في كل ذلك:
1- امبريالية الحشيش
الأمريكية، فيما يخص فنزويلا وكولومبيا والأكاذيب الامبريالية حول تجارة المخدرات
بات معروفا أن الاستثمار بحقوق الإنسان ثم بمكافحة المخدرات، من السمات الأساسية
للواجهات والأقنعة الامبريالية ضد أي عاصمة وقوة مناهضة، وها هي فنزويلا منذ أن
تحررت من قبضة واشنطن وهي على رأس قائمة المستهدفين وتحت عناوين وأقنعة مختلفة، بل
أن الإدارة الامبريالية في واشنطن اخترعت جبهتين معا في تهديداتها العدوانية
لفنزويلا، مزاعم ملاحقة شبكات المخدرات، ومنح جائزة نوبل للسلام لناشطة نازية
عنصرية من فنزويلا.
من الجيد فعلا أن تصبح المافيا وتجارة المخدرات عنوانا
للإدانة والملاحقة في كل مكان وأن نربط واقعها الراهن مع جذورها وتاريخها، فها هنا
نتعرف على الرواد الأوائل لهذه العوالم السوداء، ابتداء بالامبريالية
الانجلوسكسونية، عندما شنت أكبر حملة عدوانية على بلد صاعد في حينه، هو الصين فيما
عرف بحرب الأفيون وذلك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وكما ورثت الامبريالية الأمريكية بريطانيا في كل شيء، من
حملات الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، إلى عالم البنوك والبورصات اليهودية،
ورثت أيضا عالم المافيا والمخدرات.
من السخرية بمكان أن لا يتحدث أحد عن مكافحة المخدرات
والإرهاب والمافيا أكثر من الإدارات الأمريكية، ولا أحد متورط فيها جميعا مثل
واشنطن، ويعرف المهتمون بالأدب الأمريكي وسينما هوليود، كيف نشأت هذه الامبريالية
بالذات وولدت بين أصابع المافيات كما تخبرنا الروايات التي تحولت إلى السينما عبر
مخرجين كبار أمثال كوبولا وسكورسيزي، ومن ذلك على سبيل المثال روايات وأفلام
العراب وعصابات نيويورك ونادي القطن، وكذلك فيلم البنك الدولي الذي يكشف دور
المخابرات الأمريكية في تجارة المخدرات مع أصوليات تكفيرية وتمويلها عبر أشكال مختلفة
من غسيل العملة.
بالإضافة إلى أن صراع المافيات المعروفة في كل الولايات
الأمريكية وبينها مافيات اليهود وصقلية وبعض المهاجرين من ايرلندا والمكسيك، فقد
شكلت مانهاتن على وجه الخصوص محطة أساسية في هذا التاريخ الأسود.
في هذه الأيام من عام 1626 بدأت مانهاتن بصفقة لا تصدق إذ
أجبر المستعمرون البيض السكان الأصليين لهذه الجزيرة في مدخل نيويورك على بيعها
بعشرين دولارا، ومنذ تلك الصفقة تطورت أقذر رأسمالية في التاريخ وهي رأسمالية
المافيات الإجرامية والبورصة اليهودية، أما وول ستريت فقد كان جدارا بين
المستعمرين البريطانيين والهولنديين وشهد مذابح رهيبة من الطرفين كما شهد تتويج
أول تاجر للعبيد، جورج واشنطن، رئيسا للولايات المتحدة.
2- اليمن، منظمات دولية أم
أدوات للتجسس:
بالإشارة إلى اكتشاف مجموعة من العاملين في المنظمات الدولية
في اليمن، يقومون بأعمال غير شرعية مثل التجسس، لم تكن اليمن أول دولة من جنوب
العالم تكشف الدور الخطير الذي تلعبه المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية
باستخدام وتوظيف المنظمات الدولية لمهام قذرة، مثل التجسس والتآمر، وبدلا من أن
تعترف هيئة الأمم بهذه الفضائح وتحاسب عليها، راحت تتهم اليمن بمخالفة الشرعية
الدولية.
يشار هنا إلى ما تحدث عنه ايكو في كتابه (السر الأكبر) حول
خضوع المنظمات الدولية, مثل الصحة العالمية, والتعليم, والبيئة, وغيرها إلى
الهيمنة الامبريالية، مثل الكارتل الدوائي الانجلوسكسوني – السويسري الذي يطغى على
صناعة الأوبئة والحرب الجرثومية وكذلك توظيف هذه المنطمات للبلدان الفقيرة
كمختبرات لها ولأدويتها, وفيما يخص التعليم يتوقف الكتاب عند اللعب بالعقول
والتلقين والتركيز على الدماغ الأيسر, حيث المادية الوضعية المبتذلة مقابل إهمال
الدماغ الأيمن (التفكير الحر والإبداع), أما الصندوق العالمي للبيئة ومن خلال
سيطرته على المحميات الطبيعية, فإنه يضع يده على موارد وثروات الشعوب ويوفر من
خلالها معسكرات لتجهيز وتدريب الجماعات المأجورة من نمط جبهات التحرير في كوسوفو
ورواندا والشرق الأوسط والتبت (جماعة الداي لاما) ضد الصين.
ومن عالم هذا الصندوق, ولد نادي السفاري (نسبه إلى اسم نادي
في كينيا) الذي شهد ميلاد أكبر تجمع استخباراتي لمواجهة حركات التحرر في افريقيا,
بحضور جورج بوش وكمال أدهم وأشرف مروان وقائد السافاك (مخابرات شاه إيران).
3- إيران، وردا على اتهامها
بدعم الإرهاب، يعرف القاصي والداني أن معقل ومركز الإرهاب الدولي العالمي، هو
الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأقلام الاستخبارات في العواصم الرأسمالية.
إضافة إلى نشأة المافيا ونفوذها في الولايات المتحدة، كانت
استراتيجية الإرهاب تنمو إلى جانبها وبلغت ذروتها في استخدام الإرهاب النووي ضد
المدن اليابانية في الحرب العالمية الثانية، مرورا بالسائل البرتقالي ضد الفلاحين
في فييتنام، واستخدام اليورانيوم المنضب في العراق.
هذا غير عشرات الانقلابات العسكرية الدموية لفرض دكتاتوريات
فاشية، راح ضحيتها الملايين في تشيلي وغواتيمالا والسلفادور واندونيسيا (مليون
قتيل)، وغير مختبرات الأدوية التي أودت بحياة ملايين الهنود والأفارقة، ناهيك
بتزويد العدو الصهيوني بأشد الأسلحة فتكا بالمدنيين كما حدث في غزة، وتأسيس ورعاية
الجماعات التكفيرية الإرهابية من أفغانستان إلى سوريا، بل وتسليم هذه الجماعات
الإرهابية السلطة في أكثر من بلد وإضفاء شرعية عليها باسم الأمر الواقع، ومسحها من
سجل الجماعات الإرهابية، مقابل إضافة جماعات وطنية على هذا السجل مثل حركة
المقاومة الفلسطينية في غزة.
المقال منشور على موقع الميادين نت:

















