د. محمد علي النجار يكتب:
سيل الزرقاء .. والسمك الفيتنامي.. وزيت الزيتون


قضايا كثيرة ، وموضوعات شتى تدور حولنا ، ولأهميتها تفرض نفسها علينا ، وفي الحقيقة فإنني كثيرًا ما أتردد في الكتابة ، خوفًا من أن يزل القلم ، فيجرح شعور أحد ، ففي الأيام القليلة الماضية طفا على السطح عدد من القضايا التي تحتاج إلى وقفة متأنية ومنها:
إصابات جرثومة شيغيلا في جرش وعجلون:
فقبل أكثر من أسبوع ، تم الإعلان عن إصابة العشرات بأعراض جرثومة شيغيلا في جرش ، ثم بعدها في عجلون .. وقد سارعت الجهات المسؤولة باتخاذ الإجراءات المناسبة ، لمحاصرة الإصابات ، ومعالجة الأمر ، وتم أخذ عينات للمختبرات لاكتشاف أسباب الإصابات ، وهي إجراءات متبعة في مثل هذه الحالات ، وأعتقد أنه لا حاجة كعادتنا لتحميل هذا الطرف أو ذاك ، مسؤولية وقوع هذه الإصابات ، لأن مثل هذا الأمر ، يمكن أن يحدث في أي قرية أو مدينة في الأردن ، أو غير الأردن ، وأكاد أجزم بأن إصابات فردية كانت قد وقعت في فترات متباعدة خلال السنوات أو الشهور الماضية ، ولم تلفت الانتباه ، إذ من المتوقع أن أصحابها لم يراجعوا المستشفى ، وعالجوا الأمر في بيوتهم ، بطرق تقليدية متعارف عليها ، وتم شفاؤها تلقائيًا خلال أيام دون ضجة ، أو إعلان ، إلا أن ما لفت انتباهي خلال متابعة أعداد الإصابات ، تصريحات أدلى بها مسؤول كبير ، أكد فيها خلو الأغذية من البكتيريا المسببة للتسمم ، وأن مصدر التسمم كان مائيًا ، وأضاف قائلاً: ستظهر نتائج الفحوصات والتحاليل في المختبرات خلال ثمان وأربعين ساعة ، وقد نصل لمعرفة أسباب الإصابات ، وقد لا نصل!!. فيما استبعد أحد اختصاصيي الميكروبات الطبية ، أن يكون سيل الزرقاء هو مصدر إصابات شيغيلا!!.
وهنا تحضرني رسالة من أحد سكان مدينة الزرقاء ، أرسلها إليَّ في الثلاثين من شهر سبتمبر الماضي ، أي قبل حدوث الإصابات بحوالي عشرة أيام ، يطلب فيها مني كتابة مقال يدور حول وضع سيل الزرقاء ، حيث قال في رسالته: " كان عندنا في الزرقاء سيل يعرف بسيل الزرقاء ، وكانوا يصيدون منه الأسماك .. الآن شبه جاف وقليل الماء .. والناس يلقون فيه القمامة بأنواعها .. بقايا الأكل من دجاج ولحوم ، ومخلفات الحيوانات وأخشاب طاولات وكنبات ، وملابس قديمة وفرشات!! .. بل كل ما يخطر ببالك من مواد سائلة وصلبة .. تحيله إلى مستودع للقاذورات ، بروائحه الكريهة والمؤذية.. وعندما يأتي فصل الشتاء بأمطاره ، يفيض السيل على البيوت المحاذية ، بما يحمله من الأوساخ المتخمرة .." وبكل أسف لم أكتب في الموضوع ؛ لأنني لا أستطيع فعل ذلك اعتمادًا على السماع ، وكان لا بد لي من معاينة المكان بنفسي ، وهو الأمر الذي لم يتم.
وحتى تتضح الصورة ، فالجميع يعرف أن سيل الزرقاء يمتد ليصل جرش بما يحمله من مصادر التلوث المتنوعة التي أنتجت عددًا من الجراثيم التي منها بلا شك جرثومة الشيغيلا ، وإذا عرفنا أن سيل الزرقاء بجرش ، أو مناطق منه هو مكان للسباحة لعدد من سكان المنطقة ، ويأتيه آخرون من خارج المنطقة منذ عشرات السنين ، فيجب ألا نستبعد أن تكون هذه الجرثومة قد اصطادت بعضهم!! ، وإذا علمنا أن هناك من أصحاب المزارع من يروي مزروعاته من هذه المياه ، فيجب أن نتوقع أن تكون بعض الخَضراوات الورقية مثل الخس والنعناع والجرجير والبقدونس ، أو الزهرة والبروكلي والملفوف وغيرها سببًا في إصابة هذه الأعداد من المواطنين ، أضف إلى ذلك إمكانية قيام بعض أصحاب سيارات بيع المياه الصالحة أو غير الصالحة للشرب ، بملء خزانات سياراتهم من سيل الزرقاء ، ونقلها إلى مواقع البناء ، أو بعض المزارع بغرض الري ، أو تزويد بعض المحطات بالمياه لبيعها للمواطنين بعد تنقيتها وتحليتها!! مما قد يساهم في وقوع إصابات بهذا المرض الذي هو أشبه بالدوسنتاريا.
إذًا لا يستبعد أن يكون سيل الزرقاء بمياهه ، السبب المباشر أو غير المباشر لمثل هذه الإصابات ، التي لم يُعلن فيما أعلم عن سببها حتى الآن. ومن هنا لا بد من توجيه صرخة ، أتمنى أن تصل مسامع المسؤولين ، سواء في البلدية ، أو الصحة ، أو الزراعة أو البيئة ، أو الدفاع المدني ، أو غيرها من المؤسسات المعنية ، للإسراع في إنقاذ سيل الزرقاء وتنظيفه ، وتأهيل مجراه حتى وإن استقر الفأس في الرأس ، وسن القوانين للمحافظة على نظافته وانسيابه ، لاستثماره أفضل استثمار.
سلامة المواد الغذائية المحلية والمستوردة:
من الواضح أن في هذا الموضوع إشارة إلى تصريحات مديرة مختبرات الغذاء والدواء سابقًا ، هذه التصريحات التي حركت الماء الراكد ، وأعادت الموضوع إلى الواجهة ، فسلامة المواد الغذائية ليست أمرًا جديدًا ، وهذه التصريحات رغم خطورتها يجب ألا تزعج أحدًا من المسؤولين أو تغضبه ، أو تدفعه للنفي والمكابرة ، وتضييع الأوقات في الأخذ والرد ، فهذه هي الإمكانات المتاحة ، والجود من الموجود ، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، والمطلوب الآن إعادة النظر في الخطط القديمة ، وتأهيل الأقسام المعنية ، وزيادة الموظفين والفنيين ، وتحديث المختبرات والتوسع فيها ، وإجراء الفحوصات والدراسات والأخذ بها ، لما لهذا الموضوع من أهمية تتعلق بصحة الإنسان وسلامته في هذا الوطن ، فنحن هنا لا نتحدث عن أصناف خمسة أو عشرة وردت في التصريحات ، بل عن آلاف الأصناف من المواد الغذائية ؛ المحلية والمستوردة في المعابر والأسواق ، والتي تحتاج إلى تأكيد على صلاحيتها ، ومطابقتها للمواصفات ، الأمر الذي يفوق قدرة العاملين في هذا المجال على المتابعة ، وجمع آلاف العينات ، بل تعجز الوزارة والمختبرات بكامل طاقتها عن السيطرة على حركة الأسواق ، وتغطية جميع السلع القديمة والمتجددة فيها ، بتحليلها وفحصها للتأكد من سلامتها.
إن ما ورد في هذه التصريحات ليس جديدًا ، فقد سمعناه منذ عدة سنوات ، وبخاصة ما يتعلق بالأسماك الفيتنامية التي تتم تربيتها وتغذيتها في بيئة وبطريقة تجعلها تفتقر إلى المواصفات الصحية المطلوبة ، وبالرغم من ذلك ، ما تزال هذه الأسماك وأخواتها من الأسماك الأخرى بأنواعها ، تملأ أماكن التسوق والمحلات التجارية ؛ صغيرها وكبيرها ...
وقد يسأل سائل: هل قامت الجهات المعنية وبشكل دوري بالتأكد من أنواع اللحوم المجمدة المستوردة بأنواعها في أسواق المملكة ، ومعرفة طبيعتها وأصلها ، وهي اللحوم التي يستخدمها كثير من الأسر الأردنية متوسطة الحال ، وتستخدمها المطاعم في وجباتها؟! وهل قامت الجهات المسؤولة بفحص وتحليل اللحوم المعلبة المستوردة من الصين وغيرها ، لمعرفة أنواع اللحوم المستخدمة فيها ، وتحديد مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي ، خاصة وأن المواطن الأردني يستخدمها ، ويلتهمها منذ عشرات السنين؟ ، وهل قامت الجهات المعنية - من خلال الفحص والتحليل - بالتأكد من صحة المعلومات المسجلة على عبوات العسل الطبيعي بأنواعه الكثيرة في الأسواق المحلية ، وبخاصة المستورد منه ، ووجدته مطابقًا لمحتوى العبوات؟ واستبعدت ما كان منه مطبوخًا ، لا علاقة له بالعسل .. ومثل ذلك من الأصناف في الأسواق كثير ..
وقد يسأل السائل: هل استطاعت هذه الجهات السيطرة على سوق الزيت المغشوش الذي يتم تسويقه علنًا دون مراقبة أو محاسبة؟ ، لقد تم إطلاق الحملة الوطنية (افحص زيتك قبل ما يدخل بيتك) في مثل هذا التوقيت من العام الماضي ، وهو أمر إيجابي ، شاركت فيها مجموعة من الجهات ، إلا أنه يجب أن نعترف بأنه ليس من السهل على المواطن العادي ، إحضار زيته لفحصه ، ولكن ما دامت بعض الجهات قد حذرت من شراء الزيت عبر إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي ، فقد وضعت بذلك يدها على الجرح ، ولا حاجة لإبلاغ المؤسسة العامة للغذاء والدواء في حال وجود مصادر تبيع زيتاً مغشوشاً ، أو ذا جودة متدنية ، إذ يتم تسويق الزيت المغشوش عبر وسائل التواصل و (القروبات) حيث يتفنن هؤلاء بوسائل التسويق ، وطرق الغش التي تنكشف بعد الشراء ، إذ لا طعم للزيت ولا رائحة ، ووقتها سبق السيف العذل ، ومن هنا على كوادر المؤسسة تتبع مثل هذه الإعلانات ، وضبط أصحابها ، واتخاذ الإجراءات الصارمة بحقهم ، لما في الغش من الإساءة للمنتج الوطني ، والإضرار بصحة المواطنين.
وبعد ، فقد صرح معالي وزير الزراعة قبل أقل من أسبوع ، أنه لن يسمح باستيراد زيت الزيتون من خارج الأردن ... حماية للمنتج الوطني ، ولم يترك الأمر على علاته بل قيده بسعر يتراوح بين 70-80 دينارًا لتنكة الزيت ، وهنا وازن معاليه بين مصلحة المزارعين وظروف المواطنين ، متمنين من الجميع أن يحذو حذوه في المحافظة على المنتج الوطني ، وتشجيعه ، ودعمه ، والتوسع فيه على طريق تحقيق الأمن الغذائي. وأضاف "سنضرب بيد من حديد" كل من يحاول العبث أو الغش ، وأشار إلى أن الوزارة ستنظم مهرجان زيت الزيتون في شهر تشرين الثاني القادم ، لعشرة أيام متواصلة .. وسط العاصمة عمان ، وسيتم فحص كل قطرة زيت ستدخل للموقع ما يشكل فرصة للمزارعين والتجار ، لتسويق منتجاتهم بشكل مباشر ، كما أنها فرصة للمواطنين لشراء زيت زيتون مكفول ومضمون.
فهل نرى هذا العام موسمًا خاليًا من إعلانات تسويق الزيت المغشوش؟؟ نأمل ذلك ... وإلى اللقاء ،،،