الدكتور محمد علي النجار يكتب :
عين من طين ... وعين من عجين!!.


قبل أكثر من شهر كتب الأستاذ باسم سكجها مقالاً في الزميلة "عمون" يعبر فيه عن الواقع ، ويلامس شعور الكثيرين من أرباب القلم ، محبي هذا الوطن ، والفكرة المفتاحية لمقاله: (لمن نكتب ، ولماذا نكتب؟!) ... ولعل المقال يمثل همسة عتاب ، أو ربما كان صرخة احتجاج في أذن ، أو في وجه من لا يقرأ ما يكتبه الغيورون وهم كثر ، أو من يقرأ ، ولا يعير اهتمامًا لما يقرأ.
كان مقال الزميل سكجها بعنوان: "لنكسر أقلامنا ... لأن آذانهم من طين وعجين" ولعل تكسير الأقلام يفرح بعضهم ، ويريح بعضهم الآخر!! .. كان المقال بمثابة كلمة حق أُريد بها تحريك المشاعر ، وتنظيف الآذان ، وتنبيه الغافلين لعلهم لما يُكتب يقرؤون ، ولما يُقال يسمعون ، ولما يدور حولهم يتنبهون!!.
عشرات المقالات ، بل مئات الكتابات التي تتناول هموم الوطن والمواطن ، تملأ الصحف الورقية والإلكترونية ، لم يكتبها أصحابها على محمل الترف الذهني ، أو الترف الصحفي ، أو لملء أوقات فراغهم ، بل كان الكاتب منهم يقتطع جزءًا من وقته ، ويستخدم قدرًا من عصارة فكره ، ممزوجًا بحسه الوطني ويوظف كتاباته ، ليطل علينا بمقال موجه بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة إلى من يهمهم الأمر!!.
نعم ... لمن يهمهم الأمر .. فالمقالات التي بين أيدينا تتناول مناحي الحياة في الوطن ، وما يثقلها من بطالة ، وفقر ، ومعاناة ، وغلاء ، وسوء إدارة ، وتقصير هنا ، وإهمال هناك ، ومحسوبية ، وما إلى غير ذلك من قضايا تلوكها ألسنة العامة ، قبل أن يتناولها كتاب الوطن المخلصون ، ويضيفوا في مقالاتهم النقاط إلى الحروف ، ويضعوا أصابعهم على الجروح ، ويشخصوا الداء ، وكثيرًا ما يحددون العلاج والدواء ، وهم بذلك يستحقون الشكر والتقدير من المسؤولين ، كونهم يمثلون عيون المسؤولين ، وفي ذات الوقت لسان حال المواطنين ، وهي معادلة رائعة ، لو تم الأخذ بها على أرض الواقع ، إلا أن الواقع يقول شيئًا آخر ؛ فهموم المواطن حاضرة ، أما عيون المسؤولين فغائبة حائرة ، ومن هنا لم يعد المثل حكرًا على الأذنين ، فقد أصبحت العينان أيضًا ، عين من طين وعين من عجين!!.
لقد أحسن الزميل باسم سكجها ، عندما أتبع مقاله هذا بمقال آخر في اليوم التالي لتكتمل الصورة ، فتحدث عن "حزب الفقراء ... والضغط الذي يولد الانفجار" ، هذا القطاع من البشر الذي لا يعيره أحد اهتماماته ، ولا يشعر أحد بمعاناته ، إلا من عايش همومه .. فمَن كان راتبه في يوم واحد يعادل راتب شهر كامل لمواطن كادح ، فمن الطبعي ألا نتوقع من الأول ، أن يشعر بمعاناة الأخير!!.
إن تآكل الطبقة الوسطى ، وتنامي طبقة الفقراء ، هو نتيجة طبيعية لوجود الأذنين ، أو العينين من طين وعجين ، فلو تفقد المسؤولون ما يدور في مقالات الكتاب والصحفيين من أبناء الوطن المخلصين الغيورين ، واسترشدوا بها ، وأخذوا منها ما يعينهم على تحديد أولوياتهم ، ووضعوه في مكانه اللائق في أجنداتهم كجزء من خطط أعمالهم ، لما رأينا طوابير البطالة تزداد ، وما سمعنا الشكاوى من الفساد ، ولا عم أسواقنا التراجع والكساد.
لقد نبه كثيرون إلى خطورة الصبر الذي يمارسه الفقراء على أنفسهم ، لأن الصبر له حدود! ، ونبه كثيرون إلى أهمية مواجهة الواقع ، وأنْ كفانا دس الرؤوس في الرمال ، فثمة مشكلات تحتاج إلى حلول ، أو محاولات لحلها ، حتى يشعر المواطن أن هناك من يشعر بمعاناته ، ونحن نشهد من يحاولون الصيد في الماء العكر ، ولا بد من سحب البساط من تحت أقدامهم ، فمشكلة البطالة على سبيل المثال يجب أن تكون على سلم الأولويات ، إذ لا أحد يستطيع أن يجزم بأن البطالة مشكلة لا حل لها ونحن بلد المليون من العمالة الوافدة! ، ولا أحد يستطيع أن يجزم بأن وزارة الزراعة ، ووزارة الصناعة ، ووزارة العمل ، ووزارة التخطيط وغيرها من الوزارات ، عاجزة عن حل مشكلة البطالة لو تحركت جميعها في هذا الاتجاه.
يقول أحد العارفين: كل مشاكل الأردن لها حلول ، لو وجدت رجالاً مخلصين لوطنهم ، حريصين عليه ، يحاسبون أنفسهم بأنفسهم على إنجازاتهم ، يؤمنون بأن وظائفهم هي من باب التكليف ، وليست من باب التشريف.
في رسالته التي وجهها للشعب ، أكد جلالة الملك حفظه الله على أهمية التغيير الإيجابي ، وحث على استعادة صدارتنا في مجال التعليم ، والنهوض باقتصادنا ، ومواجهة الفقر والبطالة ، ورفع مستوى المعيشة ، ومضاعفة فرص العمل المتاحة ، وتجسير فجوة الثقة بين الشعب والحكومات ، ومحاسبة المقصرين في أداء واجباتهم تجاه الوطن والمواطن ، وأكد جلالته على حاجة الوطن للمسؤول الذي يتحلى بالشجاعة في اتخاذ القرار الجريء السليم الذي يخدم الوطن ، وضرورة أن يتقبل المسؤول النقد البناء ، الذي يساهم في تصحيح المسار ... هذا ما يريده جلالة الملك للأردن الجديد في مئويته الثانية ، وهذا ما يتمناه المواطنون ..
نتمنى أن يباشر المسؤولون كل في موقعه ، بتحمل مسؤولياتهم ؛ لتحقيق ما يصبو إليه الجميع ، من عمل وبناء .. وإخلاص وعطاء .. وتقدم ونماء .. وأمن ورخاء.
حفظ الله الأردن أرضًا مباركة .. وشعبًا مخلصًا .. وقيادة هاشمية رشيدة ..