د. محمد علي النجار يكتب:
المزيد من التسويق والإعلان للندوات والمحاضرات والأنشطة الثقافية!!


د. محمد علي النجار
ليس سرًا أنَّ الندواتِ الثقافيةَ ، أو الأمسياتِ الشعريةَ ، تُعدُّ من أفقر الأنشطةِ حضورًا وجمهورًا ، ليس في منتدياتنا أو جمعياتنا ، أو هيئاتنا الثقافية الأردنية ، بل على امتداد الساحات الثقافية العربية ، وهي ظاهرةٌ عامة ، تحتاج إلى الوقوف أمامها ... وليس صعبًا إيجادُ الحلول المناسبة لها ، فكثيرًا ما تُقام مثل هذه الأنشطةُ دون الترويج لها ، أو الإعلان عنها قبل تنظيمها ، ولهذا غالبًا ما تصافحُ أعينَنا العبارةُ الكلاسيكية: "وحضرَ الأمسيةَ نخبةٌ من الشعراء ، والأدباء ، والمثقفين" ، فإذا تَمعنّا في الصور المصاحبة للنشاط الثقافي ، وجدنا هذه النخبةَ تتجاوز – غالبًا – عدد أصابع اليدين بقليل ، بمن فيهم المشاركون ، وأهل الدار ، والمنظمون لهذه الأمسية!!.
وكثيرًا ما كنت أذهب لحضور أمسية شعرية ، أو محاضرة ثقافية ، رغم انشغالي وضيق وقتي ، ليس بحثًا عن فائدة من محاضرة ، أو متعة في قصيدة شعرية ، فهما تحصيل حاصل ، وإنما كانت مشاركتي بالحضور ؛ رأفة بالشاعر ، أو المحاضر ، أو الأديب ؛ لأكون رقمًا يضاف إلى عدد الحضور .. وكثيرًا ما كنت أشعر بالإحراج ، لتواضع هذا العدد أمام شاعر مبدع ، أو أديب مشهور ، يستحق أن تمتلئ القاعة من أجله بالحضور.
ولهذا السبب كنت أتردد كثيرًا ، في قبول أي دعوة للمشاركة في أنشطة ثقافية ، أعرف مسبقًا عزوف الجمهور بكل أسف عنها ، إذ ليس من السهل أن ينفق المرء ساعات في الإعداد لمحاضرة ، أو الاستعداد لأمسية أدبية ، ويفاجأ - لا أقول بجمهور بل - بأفراد قليلين ، نصفهم من المنظمين ، والمقدمين ، والإداريين ، والبقية من الأهل أو الأصدقاء المقربين ..
لا أدري إن كانت الموازين قد انقلبت ، أو هي من أصلها مقلوبة .. أتذكر أستاذي المحبب إلي الدكتور نصرت عبد الرحمن - رحمه الله - صاحب الرأس المكتنز بالمعرفة ، الذي كان يمتلك عقلية فذة ، كنت - وأنا طالب - أشفق عليه حين أراه ينزل من سيارة الأجرة ، وهو يحمل حقيبته المملوءة علمًا ، تتأرجح في يده إلى أن يصل مكتبه ، فتمر أمام مخيلتي صور لأناس يفتقرون للعلم والمعرفة ، عندما تراهم تقول: أين الثرى من الثريا؟ الواحد منهم لا أقول يشتري سيارة ، بل ربما يشتري رقم سيارة بمبلغ يعادل أضعاف رواتبه التي تقاضاها - رحمه الله - طوال خدمته للعلم في الجامعة.
وعندما ترى مجموع الأشخاص في محاضرة علمية أو ثقافية ، لا يتجاوز عشرين (فردًا) تعجب من أعداد الجماهير التي تعد بالآلاف ، وقد تصل في حالات إلى عشرين ألفًا ، وستين ألفًا يهتفون ويصفقون .. ليس في المسجد الأقصى .. بل لمطربهم المحبوب ، الذي يمتلك البضاعة الدارجة في هذا الزمان .. ولكم الله يا أصحاب العقول: أيها العلماء ، والمثقفون ، والأدباء ، والشعراء والمبدعون.
ما دعاني لكتابة هذه السطور خبران ثقافيان ، قرأتهما في الزميلة عمون خلال هذا الأسبوع.
الأول: أمسية شعرية ستقام في منتدى السلط الثقافي ، بالتعاون مع مديرية ثقافة البلقاء ، والشاهد في الخبر ، أن الإعلان عن الأمسية جاء قبل إقامتها بخمسة أيام ، وهو فعل إيجابي مطلوب ، في وقت ندر أن أعلنت جهة ما ، عن إقامة أي نشاط ثقافي قبل تنظيمه ، إذ طالما أعلن عن مثل هذه الأنشطة - الأدبية والثقافية - بعد انتهائها ، من خلال خبر بصيغة الماضي .. مما يحرم هذه الفعاليات المزيد من الحضور ، سواء من الأصدقاء ، أو المقربين ، أو من المهتمين ، ومحبي الثقافة والمعرفة ، ومتذوقي الأدب.
الثاني: خبر بصيغة الماضي عن إقامة اتحاد المؤرخين ... وبالتعاون مع منتدى ياجوز الثقافي ، ومع وزارة الثقافة ، ومع الجامعة الهاشمية ، وبمشاركة مؤسسات ، وجمعيات ، ومنتديات ثقافية!! .. وفي مركز الملك عبد الله الثاني الثقافي في محافظة الزرقاء ، إقامة ما وصف بندوة عمل ثقافية ، والحقيقة أن ما عرضه الخبر من فعاليات ، وكلمات ، واقتراحات ، وأمنيات ، ومناقشات ، وتنوع خبرات المتحدثين ومكانتهم ، يستحق أن يعلن عن الندوة قبل إقامتها ؛ ليتسنى للمهتمين ، وذوي العلاقة حضورها ، مما يؤدي إلى إثراء الموضوعات المطروحة خلالها .. لكن بكل أسف ، كم من ندوة ، أو محاضرة ، أو أمسية أقيمت لخاصة الخاصة ، دون إعلام العامة أو الجمهور بها!!.
كل الجهود على الساحة الثقافية مقدرة ومشكورة ، وللحريصين على النهوض بالمشهد الثقافي الأردني ألف تحية ، وإن كان هذا النشاط بحاجة لمزيد من التخطيط ، وبعض التنظيم ، لإعطاء الأدب والأديب ما يستحقانه من الاحترام والتقدير ، وحبذا لو تطوع فرد في هذه المؤسسة الثقافية أو تلك ، تحت مسمى العلاقات العامة ، أو المندوب الإعلامي ، بالتواصل مع وسائل الإعلام بأنواعها ، للإعلان مسبقًا عن الأنشطة الثقافية ، والترويج لها ، والتواصل مع النوادي ، والجمعيات الثقافية الأخري ، ودعوتها لحضور أنشطتها ، والتنسيق والتعاون فيما بينها ، لخدمة الأدب والأدباء والثقافة والمثقفين .... وإلى لقاء.