د. محمد علي النجار يكتب:
أبناؤنا والضعف في النحو العربي ... العلاج (3/3)


د. محمد علي النجار
تناولنا في المقال السابق علاج الضعف في النحو عند أبنائنا الطلاب ، من خلال المنهج والكتاب ، إلا أن ذلك لا يعني أننا أحطنا بكل ما كان يجب أن يدور في هذا الإطار ، فالحديث في مثل هذا الأمر ، يأخذ الكثير من الـشرح والتحليل والتعليل ، لما للمنهج من أهمية ، وكذلك الموضوعات المقررة ، إن كانت وظيفية مقنعة ومحببة للطلاب ، أو تعقيدية منفرة لهم ... والنصوص النحوية المختارة إن كانت سهلة الفهم والتناول ، أو مبهمة تحتاج إلى تدخل المعلم ، لتبسيطها على حساب المادة النحوية ذاتها ، وهو أمر يطول شرحه.
وفي الحقيقة فإنني أكاد أجزم بأن المعلم هو الرقم واحد ، الذي يخلق مشكلة صعوبة النحو عند طلابه ، وهو نفسه الذي يمكنه أن يخفف كثيرًا من حدتها ، والفيصل في هذا الأمر هو قدرات معلم اللغة العربية ، قوة وضعفًا في مادته ، وغنى وفقرًا في مهاراته ، وإقباله وإدباره لتطوير نفسه ، ومبادراته أو جموده ، ونكوصه عن مجاراة عصره.
ولما كان للمعلم هذه الأهمية ، وهذا الدور في تحديد مستوى الطلبة سلبًا أو إيجابًا ، فمن الواجب على كل من يهمهم الأمر ، الاهتمام بالمعلم منذ اللحظة الأولى ، وقبل أن يكون معلمًا ، ونجمل ذلك فيما يأتي :
❖ إعداد المدرس الجيد منذ التحاقه بأقسام اللغة العربية في الجامعات ، ومعاهد المعلمين ، بحيث يتم التركيز على المادة اللغوية والنحوية ، إضافة إلى أساليب وطرق التدريس ، واستخدام الوسائل التعليمية وابتكارها ، وتزويده بكل ما يأخذ بيده ليكون معلمًا ومربيًا ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، فكم من معلم رأينا في الميدان يعجز عن توصيل المادة النحوية لطلابه ، بسبب ضعفه في مادته!!، وكم معلم نقل لطلابه معلومات مغلوطة ، بسبب جموده وإحجامه عن تثقيف نفسه وتطويرها ، وعدم إحساسه بالمسؤولية ، بالرغم من وجود زملاء حوله متميزين في أدائهم.
❖ إقامة الدورات التدريبية في فترات زمنية مناسبة ، للارتقاء بمستوى المعلم علميًا وثقافيًا ، وصقل خبراته ، وتهيئة الفرص لتبادل الخبرات بين المعلمين في المنطقة الواحدة ، من خلال ورش العمل التي ينظمها ويشرف عليها التوجيه الفني ، إضافة إلى تكليف المعلم بكتابة أبحاث حول الموضوعات ذات العلاقة بالمشكلات المطروحة للبحث .
❖ التركيز على المعلمين الأقل كفاءة - دون إحراجهم - بدلاً من إهمالهم ، وغض الطرف عن تقصيرهم ، واليأس من تحسنهم ، مما يزيد الأمر تعقيدا ؛ لأن المتابعة ستؤدي بلا أدنى شك إلى إحساس المعلم بإهماله وتقصيره ، وستدفعه إلى تحسين مستواه ، بالتعاون مع التوجيه الفني ، وبتشجيع من الإدارة المدرسية ، التي يسعدها هذا التوجه نحو الأفضل .
❖ الاهتمام بمدرسي المرحلتين الابتدائية والإعدادية ، ففي هاتين المرحلتين يتم وضع الحجر الأساس في بناء قدرات الطالب ، وبخاصة في المرحلة الابتدائية ، التي تعد المؤشر على مستوى الطالب في المراحل التعليمية المقبلة ؛ لأن الطفل – كما يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي – يكون "في مرحلة الاستقرار اللغوي التي تبدأ من السادسة ، أو السابعة ، أو الثامنة ــ تبعا لاختلاف الأفراد ــ ترسخ لديه العادات اللغوية ، ويستقر نطقه ، وشكل حديثه ، وصفات تراكيبه وأساليبه" ، ومن هنا نرى أنه من الخطأ حشد المعلمين المتميزين في المرحلة الثانوية ، وإهمال المرحلتين الابتدائية والإعدادية ، اللتين يمكن للمعلم فيهما أن يبني ، ويشكل في عقولٍ لينة ، تكون بعد سنوات خامات جيدة في المرحلة الثانوية ، على عكس ما هو حاصل الآن حيث يتم في المرحلة الثانوية ، إصلاح ما يصعب إصلاحه في هذه السن المتقدمة ، إذ "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
❖ إلزام جميع المعلمين ــ وفي مقدمتهم مدرس اللغة العربية ــ باستخدام العربية الفصيحة المناسبة ، داخل قاعات الدرس ، وفي غرف المعلمين ، وفي مرافق وساحات المدرسة ؛ ليكون المعلم قدوة صالحة لأبنـــائه الطلبة ، ولا بأس من إقامة دورات خاصة لمعلمي المواد ، تهدف إلى مساعدتهم في إصلاح لغتهم.
❖ تشجيع المعلمين المتميزين بأدائهم وإخلاصهم ، وكذلك الطلاب المبدعين أدبيًا وماديًا ، حتى يشعر التلاميذ ما للغة العربية من منزلة ومكانة ، فيحب الطلبة لغتهم ، ويحرص المعلمون على تطوير أنفسهم ، والارتقاء بمستوياتهم ، ونرى التنافس الشريف قد بدأ يؤتي ثماره بين المعلمين.
❖ وإذا كنت قد اقترحت اقتراحًا مشروطًا في ما سبق ، بوجود مادة النحو المستقلة بدرجاتها عن بقية فروع اللغة العربية ، فإني هنا أقترح أن يتم توزيع عدد من المدرسين والمدرسات ، ممن يتمتعون بالمقدرة العلمية والفنية والشخصية الجاذبة ، وتخصيصهم لتدريس المادة النحوية للطلبة ، لتحقيق الأهداف المرجوة ، وأن يسبق التطبيق تجربة لمدة عام دراسي ، في أكثر في مدرستين إعداديتين ، ثم دراسة النتائج التي في ضوئها يمكن تطوير التجربة.
هذه بعض الاقتراحات - وليس جميعها - لعلاج الضعف في النحو عند أبنائنا الطلبة ، لعلنا نفيد من بعضها إن تهيأت الظروف لذلك…
وبعد .. فقد قسم أبو القاسم الزجاجي العلل النحوية إلى ثلاثة أقسام :
علل تعليمية ، وعلل قياسية ، وعلل جدلية نظرية : أما التعليمية فهي التي يتوصل بها إلى تعلم علم العرب ، وهذه العلل هي التي يحتاجها الناشئة في تعلم النحو ، وأما العلل القياسية ، فتصلح للدارسين والمحققين ، وأما العلل الجدلية النظرية ، فهي مضيعة للوقت ولا طائل من ورائها .
فليتنا نكتفي باختيار العلل التعليمية الوظيفية السهلة لطلابنا ، ونجنبهم ما دونها من علل قياسية أو جدلية ، موظفين الوسائل والتقنيات الحديثة التي يتقنها طلابنا ، ويحبونها ويقبلون عليها ، في توصيل المادة إليهم ، في ثوب عصري تتقبله عقولهم ، بعيدًا عن القوالب الجامدة ، التي لم تعد تلائم أبناءنا في هذه الأيام.