خديعة فكرة العرق البشري


د. ماجد الخواجا
هل البشرية من عرق واحد أم متعددة الأعراق؟.
العرق كلمة مخادعة قاسية مبالغ فيها وهي تعبر عن التراكيب البشرية وليس عن عرق وجينات وراثية نقية خاصة بفئة من البشر عن غيرها. إن فكرة النقاء العرقي هي تعبير عنصري بامتياز انطلق من فكرة النازية وأن العرق الألماني والعرق الأبيض عموما هو أرقى وأكثر ذكاء وتحضرا من الأعراق الأخرى.
ما أنتجه النازيون باستخدام شكل الأنف ولون الشعر والعينين ومن تصنيف حسب العرق هو علم زائف وفكرة زائفة. فالعرق ليس سوى فكرة يركبها المجتمع تفتقر لأي أساس علمي. أولا وقبل كل شيء كان تقسيم البشر إلى أعراق وما زال تصنيفا سياسيا ومجتمعيا. إذ اعتمد لون البشرة كصفة للتمييز، وعلينا أن نقول اليوم بأن لون البشرة أضعف سمة يمكن استخدامها للتحقق من الأعراق. فالأبحاث الجديدة تثبت بأن البشرة لدى كل الناس كانت داكنة قبل نحو ثمانية آلاف سنة. وأن إفريقيا هي مهد البشرية جمعاء. الفكرة من هذا أن مفهوم العرق ينبغي عدم استخدامه ثانية إذ لا توجد أعراق بتاتا. إنها تركيبات. ومن المستحيل إنشاء منظومة تصنف وتميز بين البشر على أساس أرقى وأدنى بالاعتماد على الشعر ولون العينين والبشرة مثلا.
إن التفرقة العنصرية مرض لا يصيب البشرة بل يصيب العقل البشري، لا تنبع التفرقة العنصرية من البشرة بل من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة ينبغي، أولاً وقبل كل شيء، أن يعالج الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر آلاف السنين، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بان الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وأن هذه الجماعات البشرية المختلفة تتمتع بكفاءات عقلية وأخلاقية وبدنية متفاوتة تستوجب أنماطاً مختلفة من التعامل. والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد يسكن كوكباً واحدا، نحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بأن «تكون كنفس واحدة».
إن الأنظمة السياسية حتى الديمقراطية منها تطرأ عليها أحوال من الترويج للوطنية الفاشية، وتستند في ذلك إلى عقائد وأفكار تعبر في النهاية عن حالة عنصرية. إن تصاعد الأحزاب الوطنية القومية تحت دعوى مواجهة التمدد للاشتراكية والشيوعية، أدى إلى إنتاج نظم فاشية في إيطاليا ونظام نازي في ألمانيا. وكان من أهم مفردات الخطاب لتلك الأحزاب التي صعدت وتصاعدت في تلك الآونة مفردة «الوطنية» ، وعلى قاعدة منها حددت حدودا للمواطنة واتهمت الآخرين بعدم الوطنية.
إن أول ضحايا مفهوم الوطنية الفاشية هو مفهوم المواطنة الحقيقية؛ إذ إنه حتى مع بروز فكرة العولمة والعالم كقرية كونية وتصاعد الاختراعات التي تعلقت بثورات الاتصال والمعلوماتية، إلا أنه برز مفهوم العولمة ممتزجا بالعنصرية الكامنة ومأزق الديمقراطية والحالة الشعبوية وتصاعد اليمين، وصولا إلى حالة يمكن تسميتها «عولمة الكراهية».
لقد عاش العالم عودة اليمينية المتطرفة المستندة لفكر شوفيني عصبوي وعنصري بامتياز، وهذا ظهر بأفضح وأوضح صوره مع صعود الترامبيون إلى سدّة الحكم الأمريكي.
لن يتخلص العالم من معضلاته غير الأخلاقية إلا بالإعلاء من قيمة وشأن الإنسان دون التذرّع بمبررات تنهار عند أول محكاتها.