شريط الأخبار
تحديد موعد الانتخابات النيابية في 10 أيلول المقبل الميثاق يرحب بتوجيهات الملك لاجراء الانتخابات النيابية ماراثون الانتخابات يبدأ.. الملك يامر باجرائها.. وايلول موعدها المتوقع الحرية واسطولها عالقة بشواطيء تركيا.. وغزة المحاصرة تنتظر عُمان توقف مؤقتا التحاق طلبتها بالجامعات الخاصة الأردنية الملك في وداع امير الكويت "الضمان" يوافق لـ "المستشفيات الخاصة" على صرف مستحقات إصابات العمل "المياه" تستكمل حملتها بضبط وردم 30 بئرا مخالفة ومحطات معالجة وتحلية الملك وامير الكويت يؤكدان الاعتزاز بالعلاقات الاخوية التاريخية بين البلدين قراءات إسرائيلية: هذه الأخطاء قلصت من قدرة الاحتلال على حسم الحرب في غزّة توسيع "حزب الله" هجماته على الكيان.. المغزى والدلالات؟ "العليا للإعمار" تنفذ مشروع ازالة النفايات الصلبة من شوارع وطرقات غزة "ستريت جورنال": جيش الإحتلال يبدأ في حشد قواته تمهيدا لغزو رفح ارقام مرعبة من العدوان الصهيوني: 79 طفلا و50 امراة معدل الشهداء يوميا في غزة حشد امني كبير لازالة وضبط سرقة كميات كبيرة من المياه والتجارة بها الجمارك تحبط تهريب 74 الف حبة كبتاجون بمركز حدود جابر أول أيام "الفصح اليهودي".. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحمون الأقصى دراسة مرعبة: %16 من أطفال و%23 من مراهقي الأردن يعانون الاكتئاب الحاد اتخفاض اسعار بيع الذهب نصف دينار بالسوق المحلي الاحتلال يحضر منطقة لمليون نازح تمهيداً لتوسيع الحرب على رفح

الغُمُوضُ في الشِّعْر العربي 2/2

الغُمُوضُ في الشِّعْر العربي 22
د. محمد علي النجار
قلنا في المقال السابق: إن الغموض في الشعر العربي ظاهرة قديمة ، وليست وليدة الشعر العربي المعاصر ، إلا أن غموض الشعر الحديث بمختلف مسمياته وأوصافه ، قد أغرق – في جانب منه – بالغموض المبرر وغير المبرر ، وذكرنا أن لهذا الغموض أسبابه ، وعرضنا لواحد من هذه الأسباب وهو (البعد الدلالي) الذي يتضمن استخدام اللفظة ، والاستعارة ، وحروف الربط ، وبخاصة حروف العطف ، مما يؤدي - أحيانًا - إلى الذهاب بالمعنى إلى غير ما وضعت له العبارة الشعرية.
 
وفي مقال اليوم ، نستكمل بعض أسباب الغموض في الشعر ومنها:
البعد النحوي:
ونعني به التراكيب ، كالضمائر المبهمة ، وتسكين حرف الروي ، والتقديم والتأخير في الجملة .
فالضمير في الجملة العربية لا بد أن يكون له مرجع ليُفهَمَ معناه ، فإذا جاء بلا مرجع التبس الأمر على السامع أو القارئ ، وتاه المعنى ، كقول الشاعر :
أُطلُ عليك من أبراج سحب النّاس
وإذا كان الشاعر قد استخدم الضمير ، فإن هذا أمر ليس بالجديد في الشعر العربي. يقول البحتري:
أخفي هوى لك في الضلوع وأظهرُ وألام في كمد عليك وأعذرُ
إلا أن الغموض الذي قد يبدو للوهلة الأولى نتيجة لاستخدام الضمير ، لا يدخل في هذا الإطار ، فالمقدمة غزلية ، حيث يوضح الشاعر الأمر ـ أيضًا ـ في أبيات لاحقة . أما شاعرنا الحديث ، فإنك لا تعرف ماذا يريد ؟ أيطل من الأبراج على مدينته ، أم على حديقته ، أم على أمه ، أم محبوبته؟! .. كل هذا وارد عنده ، ومن هنا كان الغموض .
 
أما تسكين الروي الذي لا يتجاوز 3% من الشعر العربي القديم ، فإنه يساعد بلا شك في بث الغموض في أرجاء النص الشعري ، وهو كثير جدا في الشعر الحديث ، فمن المعلوم أن اللغة العربية لغة مُعْرَبة ، وأن للإعراب أثرًا كبيرًا في المعنى ، بل لا يكاد يُفهم المعنى بمعزل عن الإعراب ، لذا فإن التسكين مطيةُ اللبس أو الغموض الذي يتسبب فيه الشاعر المعاصر ، عندما يحرص على أن يجاري في شعره اللهجة العامية التي تميل إلى التسكين ..
 
أما التقديم والتأخير فهو كثير في الشعر قديمه وحديثه ، إلا أنه في شعرنا المعاصر أكثر بروزًا ، بل أكثر لبسًا وغموضًا ؛ لامتداد المعنى في أكثر من سطر شعري، وقد يكون التقديم والتأخير مخالفًا قواعد بناء الجملة المتعارف عليه في النحو ، حيث يبرز الغموض ويزداد كلما ازداد اعتماد الشاعر على تقديم ما واجبه التأخير ، أو تأخير ما واجبه التقديم ، مع إهمال القرينة التي تدل عليه ، فقد تُلجئ الموسيقا الشاعرَ إلى التقديم أو التأخير ، كقول الشاعر (من قصيدة قديمة للكاتب 1990م):
زُمرٌ تجيء وبعدها تأتي زُمرْ
والخنجرُ المسمومُ في القلب استقرْ
حزنتْ فلسطينُ .. وانكفأ الحَجرْ
والدمعُ في الأقصى على العُرْبِ انهمرْ
خطر .. خطر .. خطر .. خطر
وإذا كان المعنى في الأسطر الشعرية السابقة واضحًا ، إلا أن الشاهد هو التقديم والتأخير ، فعندما نجعل الأسطر الشعرية جملاً فعلية ، تكون على الشكل التالي :
1) تجيء زمر
2) استقر الخنجر المسموم في القلب
3) ……. …… …….. ………
4) انهمر الدمع على العُرْبِ في الأقصى …..
إلا أن الشاعر قدَّم وأخَّر تبعًا لموسيقا الشعر ، حتى لا يفقد النص الإيقاع والإيحاء ، إضافة إلى أن للتقديم والتأخير أسبابه وأغراضه البلاغية أيضًا.
 
البعد الإيقاعي:
أي الوزن: كتداخل الأسطر الشعرية وترابطها موسيقيًا ، بخلاف البيت الشعري المستقل في القصيدة العربية التقليدية . فالإيقاع قد يكون سببًا في غموض الشعر المعاصر ، على النقيض من البيت الشعري الذي قد يفتقد الصلة بالبيت الذي سبقه أو يليه ، فهو قائم - غالبًا - بذاته في المعنى والمبنى والموسيقا عن الأبيات الأخرى ، ولهذا يكتمل فيه المعنى باكتمال مبناه وتفعيلاته العروضية الموسيقية ، أي له بداية وله نهاية .
 
أما السطر الشعري في القصيدة المعاصرة أو الحداثية ، فقد لا يعرف القارئ له بداية ولا نهاية ، فتتداخل الأسطر الشعرية ، أو قل: تتداخل المعاني ، ولا يفهم القارئ أين ينتهي ، ومن أين يبدأ.
 
البعد المعرفي:
ويقصد به المضمون : كثقافة الشاعر الموسوعية ، وحشد الرموز ، وحركة النقد المواكبة للشعر ، والموجهة له.
إن للبعد المعرفي دورًا في الغموض ، فثقافة الشاعر تلعب دورًا رئيسًا في غموض شعره ، بسبب استخدامه للرموز ، والأساطير العربية والإسلامية التي قد لا يلم بها القارئ ، ولعل الطامة الكبرى تكمن في استجلاب الشاعر لما عند الأمم الأخرى من الرموز ، والأساطير التي يجهلها كثيرون حتى من المثقفين العرب ، فيكون الرمز والأسطورة سببًا في الغموض ، وبصورة خاصة عندما يحرص الشاعر على حشدها حشدًا ، بحيث تُصبح الرموز أو الأساطير عنده هي الغاية وليست الوسيلة .
 
وهناك كثير من الأمثلة التي تملأ الدواوين الشعرية ، من شعرٍ حَشَدَ فيه الشاعر الكثير من الرموز والأساطير ، كأن يذكر بوذا ، وسربروس ، وأبا الهول ، ورولان في قصيدة واحدة ، رغبة منه في استعراض ثقافته أمام القارئ الذي لن يستطيع مهما أوتي من ثقافة ، أن يجمع شتات هذه الرموز ودلالاتها ، إلا إذا شرحها صاحبها ، وأوضحها في حاشية الصفحة!!.
 
كلمة أخيرة:
بقي نقطة أحب أن أشير إليها غير الأخطاء المطبعية ، التي لا تعد من أسباب الغموض بصورة مباشرة ، ولكنني أريد الإشارة إلى أولئك الذين يتحملون مسؤولية تجاه غموض هذا الشعر وهم النقاد ، إذ مما يزيد الغموض غموضًا الحركة النقدية المسايرة ، والمساندة للشعر الجديد ، فبدلاً من أن تُيسّر الصعب ، أو تصنع جسرًا بين القارئ والشاعر ، أو المبدع والمتلقي ، فإنها تزيد الطين بلة من خلال نقد يجامل باسم التجديد ، ويجاري تحت شعار الإبداع ، أو ينقد العمل الفني بأسلوب يتسم هو الآخر بالغموض من خلال ألفاظ نقدية ، ومصطلحات غامضة ، ما أنزل الله بها من سلطان ، تحتاج إلى من يفسرها ، ويوضحها ، ويشرحها ... ألفاظ ومصطلحات لا يفهمها إلا كاتبها ، تمامًا كغموض الشعر ، فيضيع القارئ بين الشاعر والناقد ، متهمًا نفسه بالجهل أو القصور في فهم الأدب والشعر الحديث.
 
وبعد .. فإن الشعر وسيلة للإثارة والإمتاع ، فإذا افتقد الوضوح ، ولم يستطع الإنسان المثقف استيعابه وفهمه ، وبالتالي عجز الشعر عن إثارته وإمتاعه ، فإن مثل هذا الشعر أحق من غيره في الانضواء تحت الفن السريالي ، الذي هو أقرب إلى الهوس الأدبي منه إلى الشعر والعمل الفني .