شريط الأخبار
وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني الصين والولايات المتحدة وحدهما يمكنهما وقف التدهور بالشرق الاوسط المبيضين: لم نرصد اليوم اي محاولات للاقتراب من سمائنا الأردن: "إسرائيل" هي مصدر التشويش على نظام تحديد المواقع (GPS) اسرائيل تستنفر لمنع وصول اسطول الحرية لغزة كسرا للحصار حماس بعد تعثر مفاوضات الهدنة: لا عودة للاسرى الاسرائيليين دون صفقة هل رفضت مصر طلبا امريكيا بادارة قطاع غزة لستة اشهر؟! كيف تضبط مؤسسة الضمان التقاعدات المبكرة.؟ امريكا تفشل ضم فلسطين دولة بالامم المتحدة والاردن يأسف للقرار هل ضربت اسرائيل ايران؟ انفجارات بأصفهان.. إيران تنفي هجوما خارجيا ولا تعليق إسرائيلي حي الطفايلة يعيدون مستشفى رئيسي للعمل بشمال غزة فيديو خيبة اردنية بعد خسارة نشامى الاولمبي امام "العنابي" لماذا اصطحب الامير حسن المقررة الاممية للاراضي المحتلة لاكبر مخيمات الاردن؟ الاردن يصعد ضد اسرائيل امام مجلس الامن: الزموها بعدم اجتياح رفح قمة "مستقبل الرياضات الالكترونية" تنطلق السبت المقبل برعاية ملكية سامية "المهندسين" تطالب بالإفراج عن المهندس ميسرة ملص فوز هيئة ادارية جديدة لنقابة تجار المواد الغذائية بالتزكية محافظ العاصمة يفرج بالكفالة عن 17 موقوفا من "اعتصامات السفارة" منصور: مركز الحسين للسرطان سيفتتح فرعا بالعقبة مطلع العام المقبل جثة ميت امام موظفي البنك لنيل قرض بنكي

صفحاتٌ من التاريخ

صفحاتٌ من التاريخ

د. محمد علي النجار

 

 

في الثاني عشر من شهر أكتوبر الحالي سنة 1188م أصدر الناصر صلاح الدين أمره بتخريب مدينة عسقلان ، بعد مشاورات مع أمرائه وقادته ، فتم هدمها ، وهدم أسوارها ، وأضرمت فيها النيران التي ظلت تعمل في المدينة طيلة عشرة أيام ، حتى أتت عليها .. وبكى صلاح الدين على تدميرها وحرقها .. وبكى المسلمون معه ، وبكى أهلها وسكانها على مدينتهم الساحلية الجميلة ، وأسوارها القوية الحصينة ، التي كانت مسكنهم لمئات السنين ، ولكنّ المصلحة العامة - وقتها - كانت تتطلب ذلك.!!

عسقلان مدينة فلسطينية قديمة ، تضرب في أعماق التاريخ ، إذ إن أول ذكر لهذه المدينة ، كان في حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، وكانت مدينة محاطة بالحصون والأبراج ، ووصفها المصريون القدماء في تلك الحقبة الزمنية بالمدينة الكنعانية ، أما سكانها ، فكانوا من الكنعانيين والحيثيين الذين اختلطوا بالفلسطينيين.

إن عسقلان إحدى المدن الفلسطينية الخمسة القديمة ، وهي مدينة عاقر وأسدود وغزة وجات ، وكانت عسقلان من أهم هذه المدن ، بل كانت تفوق غزة من حيث الأهمية الحربية كما يقول الأستاذ عارف العارف قائمقام غزة قبل النكبة ، وذلك لوقوع عسقلان على الشاطئ مباشرة.

وكانت عسقلان مع المدن الفلسطينية الأخرى تمثل قوة موحدة لها وزنها ، حيث امتدت سيطرتها من جنوب عكا إلى عريش مصر ، وقد أخضعوا بني إسرائيل وقتها ، وأدخلوهم تحت طاعتهم ، وجمعوا منهم الضرائب ، إذ كان العداء مستحكمًا بين الفلسطينيين وبني إسرائيل واستمر العداء سنوات ، بل كانوا في حالة حرب لا نهاية لها ، وكانت كفة الفلسطينيين هي الراجحة غالبًا ؛ لأنهم كانوا مسلحين جيدًا ، وكانوا من الاتحاد والتنظيم على جانب كبير ، فكانوا سادة الموقف ، وقد ورد ذكر هذه السيطرة في سفر القضاة ، (عندما طلب شمشون الجبار من والديه ، أن يزوجاه من بنات الفلسطينيين .. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين على بني إسرائيل .. فنزل إلى (أشكلون) عسقلان وقتل منهم ثلاثين رجلاً).

وتوالى الغزاة على عسقلان: من الآشوريين عام 701 قبل الميلاد ، إلى اليونان عندما فتحها الاسكندر عام 332 قبل الميلاد ، ثم الرومان حيث أصبحت منذ عام 104 قبل الميلاد ميدانًا للتجارة والثقافة الهيلينية ، فنبغ فيها علماء وفلاسفة وأصبحت في العهد البيزنطي مركزًا دينيًا ، وظلت مسيحية حتى الفتح الإسلامي.

وكان لعسقلان التقويم العسقلاني الخاص بها ، ويشتمل على اثني عشر شهرًا ، كل شهر يشتمل على 30 يومًا ، وجميع أسماء الشهور تنتهي بحرف السين ، ولا تتوافق مع الشهور الشمسية التي نعرفها.

وما تزال الآثار التاريخية في عسقلان ، والأعمدة الرخامية ، والحجارة الضخمة إلى يومنا هذا ، تدل على الحقبة الرومانية التي خلفت وراءها هذه الآثار والأسوار ، كما يوجد في عسقلان مقام ومشهد الحسين ، ومقام الشيخ عوض الحسيني وهو جد عدد من العائلات في فلسطين مثل (العوضي والحلايقة وصندوقة والنجار وغيرهم) حيث كانت تتجمع الوفود من المدن والقرى المجاورة ، ليحتفلوا عنده كل عام.

كما يوجد في عسقلان (وادي النمل) الذي ذكر في القرآن الكريم ، وفيها من الشهداء عبر القرون من الصحابة والتابعين ، والأولياء والصالحين ، وآل البيت ما لا يحصى ، ولهذا جاء في حديث له شواهد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (.. قلت: وما مقبرة عسقلان؟ قال: رباط للمسلمين يبعث الله منهم سبعين ألف شهيد) ، وجاء في حديث إسناده جيد ورجاله ثقات: (فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط ، وإن أفضل رباطكم عسقلان).

يقول ابن بطوطة: (وقَلَّ بلد جمع من المحاسن ما جمعته عسقلان .. وماؤها عذب .. وبجَبَّانة عسقلان من قبور الشهداء والأولياء ، ما لا يُحصر لكثرته).

ومن رجالات عسقلان الكثير ، في مقدمتهم القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي الذي قال فيه: لا تحسبوا أني انتصرت بسلاحكم ، بل انتصرت بقلم القاضي الفاضل. ومنهم العالم ابن حجر العسقلاني ، ومن العصر الحديث الشيخ أحمد ياسين ، والشاعر محمد صيام ، وعالم الذرة حنفي فرحات رحمهم الله جميعًا.

ويحدثنا المؤرخ الصليبي (وليم الصوري) عن حصار الصليبيين لمدينة عسقلان الساحلية ، التي وصفها بأنها (إحدى مدن الفلسطينيين الخمس ، وهي واقعة على ساحل البحر ، وتحيط بها دفاعات من جميع الجهات ، وكلها مشيدة ببناء صلب ، وملصق مع بعضه بملاط أشد قساوة من الحجر ، كما أن الأسوار واسعة ، وذات سماكة جيدة ، وارتفاع مناسب ، وعلاوة على ذلك ، فإن المدينة مطوقة بتحصينات خارجية ، مبنية بالمتانة ذاتها ، ومحصنة بعناية بالغة) .

ويصف أبوابها الأربعة ، والأبراجَ العالية الضخمة ، ويمضي ليقول: (قاومت عسقلان كل المحاولات التي بذلناها ، وأظهرت نفسها منافسة هائلة لنا لمدة خمسين عامًا ونيفًا مضت) حيث سقطت جميع مدن بلاد الشام الساحلية في يد الصليبيين ، فيما ظلت عسقلان عصية عليهم ، لصلابة أهلها وقوة شكيمتهم.

ولا شك أنها كانت تضم بين سكانها الكثيرين من أهل البيت ، الذين كانوا يلجؤون إليها ؛ لأن عسقلان كانت على مفترق الطرق ، فيقيم فيها من يستحسنها ، لما تتمتع به من مزايا ، وربما لما عُرف في التاريخ أن رأس الحسين - رضي الله عنه - كانت فيها قبل أن تُنقلَ إلى القاهرة ، وليس هنا موضع نقاش مدى صحة هذا الخبر من عدمه...

لقد كانت عسقلان في العصر الفاطمي ، الخط الدفاعي الأخير لمصر ، لذا فقد حظيت باهتمام المصريين على مدى سنوات في ذلك العصر ، وذلك من خلال إمداد سكانها بما يلزمهم من العتاد ، والمؤن ، والرجال ، للصمود في وجه الصليبيين .

وفي الوقت الذي كان الوزير ابن السلار ، يُعِدُّ الأسطول المصري للتوجه إلى عسقلان المحاصرة من قبل الصليبيين ، قُتِلَ على فراشه بمؤامرة دبرها نصر وأبوه عباس في صراع على الوزارة ، فكان ذلك سببًا لانقطاع المدد عن المقاتلة في عسقلان ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار ضعف الخلافة العباسية ، والخلاف بين ملوك وأمراء السلاجقة ، وانشغال كل مدينة أو قطر في العالم الإسلامي بنفسه ، عرفنا سبب انهيار المقاومة في هذه المدينة ، وسقوطها في يد الصليبيين ، بعد صمود أسطوري ، دوخ الصليبيين على حد تعبير (وليم الصوري) نفسه .

ويختم (وليم الصوري) حديثه عن ثغر عسقلان ، بكيفية سقوطه في يد الصليبيين في الثاني عشر من شهر آب ( أغسطس ) في العام 1154م ، بعد حصار طويل ، وقتال مرير ، وبطولات أبداها سكان المدينة ، إلا أن تقصير حكام مصر في ذلك الوقت في مساعدتهم ، ومدهم بما تحتاجه من مقومات الصمود ، ساعدت في سقوط المدينة بعد خمسين عامًا ظلت - منفردة - تقارع الصليبيين ، وتنزل بهم الهزائم ، وبعد أن سطرت صمودها في صفحات من التاريخ.