التكنولوجيا في خدمة المجتمع


د. محمد علي النجار
لم يكن بمقدور أحد قبل عدة عقود أن يتخيل ما سيكون عليه عالم اليوم ، فالشخص الذي كان يضع أصبعه في قرص الهاتف ، ليطلب رقمًا فيفشل أكثر من مرة في الوصول إلى مطلبه ، لم يكن يتصور وقتها أنه سيأتي اليوم الذي يحمل فيه هاتفًا صغيرًا في جيبه دون أسلاك متصلة بالحائط ، يمكنه من خلاله التواصل مع من أراد في أنحاء العالم المترامي الأطراف!!. بل لو أخبرته بذلك وقلت له إن هاتف المستقبل سيكون بداخله ساعة ، ومنبه ، وآلة تصوير ، وآلة تسجيل ، ومذياع ، وتلفاز .. و.. و.. لاتهمك وقتها بالجنون.
أما التجارة الإلكترونية في أيامنا فأمرها عجيب ، فبالرغم من أن بدايات التجارة الإلكترونية كانت مع نهايات القرن الماضي ، إلا أنني أتصور أن معظم خريجي كليات التجارة مع بداية هذا القرن ، لم يتوقعوا وقتها أن يكون بإمكانهم أن يجلسوا في بيوتهم ، للتداول والتجارة من وراء شاشات الحاسوب التي تلعب دورًا كبيرًا وواسعًا في عالم التجارة اليوم.
وفي الحقيقة ما كان هذا وذاك ليحدث لولا هذه الطفرة في عالم التكنولوجيا ، وهذا الفضاء الإلكتروني الواسع ، الذي جاء مع شبكة الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية ، التي قلبت الأمور رأسًا على عقب ، وغيرت بصورة أكبر معالم حياتنا ، والكثير من المفاهيم في بدايات القرن الحادي والعشرين.
فمن منا كان يصدق أن العالم سيصبح فعلاً قرية واحدة .. لا بل بيتًا واحدًا .. أو غرفة واحدة ؛ لأن من يجلس معك أمام شاشته من طوكيو ، ربما كان أقرب من جارك في منزله المجاور أو شقته المقابلة!.
وبالرغم من هذا التطور الهائل في جميع المجالات ، فإننا لن نكون كمن سبقونا في تفكيرهم ، بل سنترك لخيالنا العنان ونتصور المزيد من المخترعات والابتكارات ، التي يمكن أن تصنف في عالم اللامعقول ، فإذا هي بعد سنوات ماثلة أمامنا ، إذ لا مكان للمستحيل في عالم اليوم أو عالم الغد.
ولا شك في أن لهذا التطور الهائل في عالم التكنولوجيا الكثير من الإيجابيات التي نلمسها في حياتنا اليومية ، ولكن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن كثير من السلبيات التي أفرزها هذا التقدم ، وفي الحقيقة فإن المرء يستطيع أن يستثمر الإيجابيات للاستفادة القصوى من هذه التقنيات الرائعة ، وأن يتجنب سلبياتها وهي غالبًا ليست أمرًا واقعًا مفروضًا علينا ، بل الإنسان مخير غير ملزم بجلب الضرر إلى نفسه ومجتمعه.
لقد تضاعفت الخدمات الالكترونية ، وما تزال هي في ازدياد ، ونسبة غير قليلة من الجمهور العربي في البوادي والقرى والأرياف ، وحتى في بعض المدن ما تزال تعيش في معطيات القرن الماضي ، فعلى الجهات المعنية في عالمنا العربي استخدام التكنولوجيا بالقدر المناسب لمجتمعاتنا ، وتطويعها عمليًا لا شكليًا لخدمة الوطن ، وتحقيق مصالح المواطن ، بعيدًا عن تعقيد أموره ، وتغيير مسار حياته.
ولا يُفهم من ذلك أن نصرف النظر عن الانغماس في هذه الاختراعات ، وهذه التطورات في كل مجالات الحياة ، فاستخدام التكنولوجيا مطلوب بإلحاح في كثير من المواقع ، وفي مقدمتها مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا وطلابنا الذين هم رجال الغد وبناة المستقبل .. وإنما هي دعوة للتعامل مع هذه التكنولوجيا عمليًا بوعي واتزان ، واسثمار ما يعود منها بالفائدة الحقيقية على المجتمع ، وتحييد بعض برامجها وإفرازاتها السلبية التي قد لا تصلح لنا ، ولا تساهم في بناء أجيالنا.