أين ستهرب أسرائيل من مصيرها؟!


ماجد توبه
يترافق التصعيد الصهيوني في العدوان على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة والقدس المحتلة وداخل أراضي 48 وتواصل التهديد بشن عدوان على قطاع غزة المنكوب مع أزمة داخلية غير مسبوقة يمور بها المجتمع الإسرائيلي، وتهدد بنسف أساسات الكيان الوهمية التي قامت على وحدة الأضداد في مواجهة خطر مفترض يهدد الوجود الاسرائيلي برمته.
على الجبهة الفلسطينية، يشن جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه المسعورين حربا لا هوادة فيه على الشعب الفلسطيني، قتلا وتدميرا ومصادرة للأراضي وعربدة في شوارع القرى والبلدات الفلسطينية كما في حوارة ونابلس وغيرهما، فيما تبدي حكومة نتنياهو المتطرفة رفضا كاملا للاعتراف باي حق للشعب الفلسطيني وتحاصره حتى في أمواله، وتمعن في تحدي الارادة العربية والدولية في البحث عن طريق للتسوية، بل باتت تعلنها دون تردد ان لا مكان لكيان فلسطيني، دولة أو أقل من ذلك، في الضفة الغربية وأنها لن تتعامل مع الفلسطينيين الا كمجاميع بشرية وكانتونات معزولة، رافضة حل الدولتين او حل الدولة الواحدة بل فقط دولة اسرائيلية واحدة يهودية من البحر الى النهر.
لم يكن تصعيد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني يوما غريبا ولا مستبعدا، فقد اعتاد هذا الشعب العظيم على العدوان والقتل والتدمير والمصادرة ورفض الاعتراف بحقوقه الوطنية المشروعة، لكن ما يجري اليوم هو الأسوأ مع صعود اليمين الديني المتطرف، القادم بفكره وسياساته من كهوف أعماق التاريخ، وتشكيله حكومة حتى الولايات المتحدة باتت تشكي من تطرفها!
أما على الجانب الآخر، الداخل الإسرائيلي، فإن أزمة هذا الكيان باتت من العمق والحدة مستعصية ومبشرة لنا بقرب فنائه وانهدام اساساته، فالمجتمع الاسرائيلي بات يغرق في اليمينية، الدينية تحديدا، التي تريد ان تعيد المجتمع الى عصر الحجر والقمع والانعزالية، ومصادرة الحريات الشخصية والمدنية لافراده، فيما يقاوم جزء من مجتمع هذا الكيان هذا التشدد الشخصي والمدني وجر الدولة الى العصور الوسطى، إما بالهروب والهجرة المعاكسة الى الخارج، وأما بالتظاهر والتصدي للتيار الديني المتطرف الجارف.
لقد بات مالوفا نزول عشرات الالاف من الاسرائيليين اسبوعيا الى الميادين والشوارع العامة في تل ابيب وغيرها للاعتراض على حكومة بنيامين نتنياهو ومتطرفيه، بل ووصل الامر برئيس الكيان هيرتزوغ الى التحذير من حرب أهلية ودمار الدولة في ظل استمرار الانقسام الحاد في المجتمع الاسرائيلي.
طبعا سيكون الاسرائيليون واهمين ان اعتقدوا للحظة ان بامكانهم كسر ارادة الشعب الفلسطيني ومقاومته، ودفعه للتسليم بالهزيمة امام مشروعهم العدواني، فهذا الشعب قدم ويقدم وسيقدم الكثير من التضحيات في سبيل صموده وثباته وتحرير بلده وكنس ابشع احتلال عرفه التاريخ، وسبق للاسرائيليين ان جربوا الحروب والعمليات الواسعة لكسر ارادة الشعب الفلسطيني لكنه كان يعود دائما كما طائر الفينيق من بين الرماد، صامدا متالقا مكافحا مصرا على حقه بالحريه والاستقلال.
الاخطر اليوم، ان المجتمع الاسرائيلي الغارق في الانقسام وحرب الكراهية الداخلية والتفتت هو في البحث عن الهروب الى الامام من ازمته، اي في افتعال حروب وشن العدوانات الواسعة سواء باتجاه الشعب الفلسطيني في ارضه المحتلة او غزة او سواء باتجاه الخارج ضد ايران وحزب الله ، واشعال المنطقة.
فالاسرائيليون يراهنون عادة على الهروب من مشاكلهم الى افتعال الحروب والعدوان والصراعات مع الاخر والخارج، في محاولة لاعادة توحيد صفوفهم والحد من خطر الانقسام على كيانهم، لكن حجم التناقضات والانقسامات التي يمور بها المجتمع الاسرائيلي اليوم غير مسبوقة، ولا نعتقد انه يمكن معالجتها بافتعال حروب وعدوانات واسعة.. فهذا المجتمع اللقيط القائم في اساساته على الخرافة والاساطير وصل الى مرحلة حرجة من الازمات المركبة والانقسامات، لن تجدي معها كل الحلول.