البيئة والنمط المتتالي التغيير
مهنا نافع
لطالما كان النمط أو الطريقة أو حتى الأسلوب
الذي يتسم به ملبسنا واضحا وثابتا لجميع أفراد المجتمع، وقد كان غالبا ما يرافقه
أنواع من الأدوات تحددها إما طبيعة المهنة أو الحاجة الآنية لقضاء مستلزمات معيشية
محددة، ثبات ووضوح قد يختلف ببعض المناسبات الاجتماعية، ولكنه لم يكن يقبل ذلك
التغيير المتتالي الذي نشهده اليوم للغالبية من ملابس أفراد المجتمعات الغربية
الذين ابتلوا بمتابعة ما تمليه عليهم دور الأزياء ذات العلامات التجارية ذائعة
الصيت والتي قد تصل باستحواذها عليهم لدرجة من الافتتان تقترب من الهوس.
إحدى الإحصاءات بينت أن معدل شراء المواطن في
الولايات المتحدة للملابس يقارب السبعون قطعة سنويا، أما في ألمانيا فقد تم قياس
استهلاك الفرد من الملابس من خلال الوزن لا العدد والذي قدر بستة وعشرين كيلوغراما
سنويا، ليتم ارتداء البعض منها مرة واحدة أو مرتين فقط لا غير، والشيء الأكثر
أهمية هي النسبة التي أثبتت أن جزءا من عمليات الشراء كان وما زال مدفوعا نتيجة
نوع من الإدمان لا للحاجة الطبيعية، فهذه النسبة تبين أن 40 % من هذه الملابس يتم
اقتناؤها ولكن لا يتم ارتداؤها أبدا.
وقد بينت أيضا الدراسات أن صناعة الملابس بالزخم
الحالي والذي يقدر بمائة وعشرين مليار قطعة ملابس سنويا مسؤولة عن 10 % من
انبعاثات الكربون و 20 % من المياه العادمة و 22.5 % من المبيدات التي لها التأثير
السيئ على البيئة والتي تستعمل للحفاظ على جودة الإنتاج لمحاصيل القطن، وكمثال
للأثر البيئي لما بعد كل ذلك نذكر ما يحدث بالولايات المتحدة، فوفقا لوكالة حماية
البيئة لديهم أن حصة ما ينتج عن المنسوجات ككل يعادل 16 مليون طن من النفايات
سنويا، فلك عزيزي القارئ إن تقدر هذه النتائج المدمرة لكوكبنا الأخضر بسبب هذا
النهج غير المنضبط للاستهلاك بالعديد من الدول، وبالتالي ليظهر تأثير ذلك الواضح
على تسارع التغيير المناخي حديث الساعة، والذي بسببه بدأ هذا النشاط والحراك
بالاتساع لمناهضوا ما اصطلح على تسميته (بالموضة المتخصصة بالأزياء السريعة) سواء
كان من المؤسسات الرسمية الدولية أو من منظمات المجتمع المدني.
لو توجهنا نحو الصناعات
التي تعتمد على اللدائن البلاستيكية والتي يدعي البعض أن ضررها على البيئة أقل
بعشرين مرة من الصناعات التي تعتمد على الجلود الطبيعية، فإننا سنجد أن انخفاض
السعر للصناعة الأولى سيكون عاملا مساعدا لتحقيق نفس الأثر الضار على البيئة تماما
كالصناعة الثانية إذا بقي سلوك الشراء بهذه الطريقة من عدم الانضباط والاعتدال،
لذلك كانت القاعدة الأولى لمناهضوا الموضة (اشتر أقل ومن نوعية جيدة واحتفظ به
أطول مدة ممكنة)، أما عن الخدعة التي تقدم للزبون مع كل قطعة يقتنيها لإراحة ضميره
وهي علامة (إعادة التدوير) فمن النادر حدوث ذلك لعدم جدواه الاقتصادية، والقسم
الأكبر من الملابس التي تم الاستغناء عنها تصدر للبلدان الفقيرة، ولكن نتيجة عددها
الهائل فلن يكون مصير الفائض منها الا الحرق لأغراض الطبخ أو التدفئة، مما سيكون
له ايضا الأثر المدمر لكل من البيئة وصحة الإنسان على المديين القريب والبعيد.
إن صناعة الأزياء اليوم
وبهذا الكم الهائل من الانتشار تعتمد على العمالة رخيصة الأجر في الدول الشرق
آسيوية، والمستهلك المستهدف أمام خيارين اثنين، إما أن يسعى لاقتناء سلعة رخيصة لن
تدوم طويلا وبالتالي سيعاود الشراء مرة تلو المرة، أو سلعة جيدة ولكنها مرتفعة
الثمن ولكن رغم جودتها فهي أيضا لن تدوم لدى المستهلك، فسيتم إقناعه بسبب اهتمامه
بمتابعته آخر التصاميم أن ما لديه أصبح قديما، فاللون الدارج هذا العام قد تغير،
والتصميم تم عليه بعض الإضافات التي لا يمكن تعديلها على ما يقتنيه، وبالتالي لا
بد له من الشراء أيضا مرة تلو المرة.
لا يبادرني ذلك القلق
على مجتمعنا ليحذوا على هذا النمط المتتالي التغيير غير المعتدل لتلك الطريقة
الاستهلاكية الموجودة لدى أغلب المجتمعات الغربية، فعدم الرغبة لتكرار نفس الزي
بأكثر من مناسبة والسعي دائما لشراء آخر ما قدمته دور الأزياء العالمية لا أعتبره
أمرا منتشرا لدرجة وصفه بالظاهرة لدينا، فرغم وجوده ولكنه ليس بذلك الكم، وقد يكون
أحد العوامل لذلك يتعلق بمستوى الدخل وأولويات واهتمامات المواطن، ولكني أجد أن
العامل الأهم هو وعي الإعلام المحلي وعدم التفاته لتشجيع ذلك وهذه نقطة جيدة تحسب
له.