الثورة الصناعية الرابعة وتحدياتها الاقتصادية
بقلم : د. محمد أبو حمور
في الوقت الذي ساهمت فيه التطورات التكنولوجية الحديثة في توفير فرص كبيرة لتعزيز النمو وتوليد فرص العمل، فقد تمخض عنها أيضاً مجموعة من التحديات الاقتصادية التي لا بد من التعامل معها والتفاعل مع تداعياتها لنتمكن من الاستفادة من التطور التقني المتسارع في تعزيز الإنتاجية والنهوض بالقدرة التنافسية وبناء الممكنات التي تتيح التأقلم والاستفادة من التقنيات الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي والروبوتات وانترنت الأشياء والبلوك تشين والتقنيات المالية والبيانات الضخمة التي أصبحت واقعاً يفرض ايقاعه على التطورات الاقتصادية الحديثة.
الامر الذي يستدعي المسارعة في تبني اقتصاد المعرفة وتعزيز الجهود المبذولة للاستفادة من هذه التقنيات واستغلال الفرص التي تتيحها لتعزيز كفاءة القطاع العام وتحديثه ورفع إنتاجية العاملين فيه، بما في ذلك الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتحديث الخدمات وتحسينها وتقديمها بأيسر السبل وبما يتفق مع التشريعات ذات العلاقة.
الأردن من أوائل الدول في المنطقة التي أدركت أهمية التكنولوجيا الحديثة وضرورة الاستفادة من الفرص التي توفرها حيث تم العمل على توفير الأطر التشريعية والبنى التحتية ودعم الريادة التي تتيح السير قدماً لتحقيق مزيد من الإنجازات في هذا المجال، فلدينا أحدث أجيال الاتصالات.
كما أن أوائل الشركات الريادية الرقمية انطلقت من الأردن وحقق الكثير منها نجاحات غير مسبوقة، كما شهد ميدان التحول الرقمي تطوراً لافتاً حيث تم رقمنة حوالي 49% من الخدمات الحكومية، وتوسعت منظومة ريادة الأعمال الأردنية لتضم 17 مؤسسة تمويلية للمشاريع الريادية، منها 14 صندوقا استثماريا خصصت مجتمعة 110 ملايين دولار للاستثمار في المملكة، وأكثر من 40 حاضنة ومسرعة أعمال، وهناك حوالي 200 شركة ناشئة مسجلة، معظمها شركات تعمل في مجال التقنية والمعلوماتية، وهذا يؤكد أن الفرص قائمة لمزيد من الابتكار والابداع في المجال التقني.
الاستفادة من التطورات التكنولوجية التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة لغايات تحسين معيشة المواطنين تتطلب الانطلاق من رؤية التحديث الاقتصادي باعتبارها ركيزة أساسية لإطلاق الطاقات والاستعداد لاستيعاب المتغيرات عبر التخطيط والتنفيذ المناسبين، بحيث يشمل ذلك الاستثمار في التعليم والتدريب لضمان تأهيل القوى العاملة، وإكسابها المهارات الجديدة والضرورية للعمل مع التقنيات الجديدة، وبناء البنية التحتية الداعمة، وحوكمة البيانات وحمايتها وتشجيع الابتكار وحماية الملكية الفكرية وتوفير التمويل المناسب للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومنح تسهيلات ضريبية للجهات التي تعمل على تطوير وتحسين التكنولوجيا الحديثة وتساهم في توطينها.
ومن المتوقع أن التطورات التكنولوجية سيكون لها أثر كبير على سوق العمل من حيث اختفاء عدد من الوظائف، وظهور مهن ووظائف جديدة، مما يستدعي الاهتمام بتطوير منظومة التعليم والتدريب لتكون قادرة على التأقلم مع هذه المتغيرات وتلبية الحاجة من العمالة الماهرة والمدربة مع مراعاة المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك بما في ذلك العمال ذوي المهارات المتدنية والذين يتوقع أن يكونوا أكثر المتضررين من الثورة التكنولوجية، وعموماً هناك حاجة لمواءمة السياسات الاقتصادية المختلفة بشكل استباقي مع التغيرات التي قد تنجم عن التطورات التكنولوجية التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة.
الثورة الصناعية الرابعة وما تتصف به من تقدم تكنولوجي تمثل فرصة للولوج الى مسار تنموي مستدام وتحول مهم في مسيرة التطور لبناء اقتصاد مزدهر يستوعب الاستثمارات النوعية ويتيح الاستفادة من فرص العمل المستحدثة ومن الطاقات الشبابية ويعزز القدرة التنافسية ويفتح الافاق أمام الابتكار والابداع، ولضمان ذلك من المهم مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات في هذا المجال، ومتابعة الاستعداد والعمل النوعي الممنهج الذي يرسي القواعد ويهيئ البيئة ويوفر الممكنات اللازمة للاستفادة من الفرص المتاحة.