سورية.. مرحلة إنتقالية غامضة!!


د,
موسى العزب
من
المبكر رصد ما يجري في سورية.. ولكني أعتقد بأن أي نقاش وتحديد موقف، وإستخلاص
الدروس، يحتاج إلى مراجعة سياسية، وتأصيل فكري.
كيف
حددنا ونحدد موقفنا مما يحصل ولماذا حصل؟
هل
توجد أسس أو معايير مرجعية، أم يكفينا أن نمتدح ونشيد.. أو نشتم ونلعن؟!
أبدأ
بتحديد رؤيتي للأنظمة العربية ذات النزعة العسكرية والمنجزات الوطنية، أو ما سميت
في الأدبيات اليسارية التقدمية؛ "بالأنظمة البرجوازية الوطنية". وهي تلك
التي كانت تعيش في مراحل تحرر وطني، (كما كان الحال- مع بعض الفروقات البسيطة - في
دمشق، وبغداد، خاصة في حقبة السبعينات والثمانينات).
وهي
أنظمة تعلن معاداتها بصراحة للإمبريالية والصهyونية، وتدعم القضية الفلسطyنية،
وتمارس هذا الخيار في حدود ظروفها وحساباتها.
ومن
ناحية أخرى هي قامت بإنجاز إصلاحات ومكتسبات إجتماعية هامة لصالح الطبقات المفقرة
والمهمشة، خاصة في مجالي ( الصحة والتعليم المجاني)، كما حققت إنجازات هامة على
صعد التقدم العلمي والتنمية الإقتصادية والثقافية، وتطور البنى التحتية، والاكتفاء
الذاتي.. ودعم حركات التحرر، (وتموضعت مثل سورية في محور المقاومة)، وأعلت من
الروح القومية.. وهي بسبب كل ذلك كانت هدفاً للعدوان، وواجهت هجمات وحصارات وغزوات
هائلة، من قبل الإمبريالية والصهyونية
والرجعيات العربية.
ولكن
جاء كل ذلك مع غياب نمط ديمقراطي، يسمح بتوسيع المشاركة السياسية والشعبية، ونحت
إلى شكل من الحكم الفردي والشمولي، مع ديكورات تعددية "شكلية".. وما
يرافق ذلك من تشديد القبضة الأمنية.
أنا
أتوافق مع هذه الأنظمة فيما يتعلق بصراعها مع الإمبريالية والصهyونية، وفي تعزيز معظم منجازاتها الإجتماعية والتنموية.
ولكني
أختلف معها في نأيها عن الديمقراطية وتقنين المشاركة الشعبية، وميلها للحكم الفردي..
وكل هذا ضمن قانون وحدة وصراع الأضداد.
لطبيعة
بنيتها الطبقية، لم تدرك هذه "الأنظمة" خطأ معادلتها القاصرة؛
((أن بإمكانها أن تواجه المشروع الأمريكي الصهyوني ومهام التحرر الوطني الديمقراطي -وتنجح- بدون مشاركة شعبية حرة
وواعية، وبدون مشروع تحرري وحدوي ديمقراطي))!!
هذا
بالنسبة للأنظمة، ولكن عندما تكون أوطاننا مهددة بالغزو والعدوان والتجويع
والتفتيت والتدمير ومصادرة السيادة الوطنية (من قبل الإمبريالية والصهyونية وأدواتها) فأني أقف مع هذه "الأوطان" بغض النظر عن
موقفي من النظام الحاكم الذي يقف على رأس هذه الأوطان، لهذا وقفنا وما زلنا مع
العراق ضد الغزو الأمريكي وآثاره المدمرة.
[[هذا معياري، النظري والوطني والأخلاقي والقومي،
في التعامل مع الأنظمة والأوطان]].
وفوق
ذلك، ولقناعتي بدور رئيسي للشعوب، أرفض تشجيع إستعمال العنف لإسقاط هذه الأنظمة،
ولا أحرض على القوة المسلحة لإسقاطها، فكل هذا يستبطن التدخل الخارجي، ويقود
البلاد إلى الفوضى والتقسيم والتدمير، ليسقطها في أيدي العدو، بل أدعو إلى نضال
سياسي وجماهيري وتحريضي، لإجراء عملية التغيير الوطني الديمقراطي وهي الضمانة
الوحيدة للحفاظ على وحدة الوطن، وأمنه، ومستقبله.
الخيارات
السياسية المصيرية لا تخضع لعقلية الضغائن والأحقاد والثارات.. بل إلى تحديد نقاط
الخلاف ونقاط التوافق، للتحرك إلى الأمام، من أجل المصلحة العامة، ومواجهة التناقض
الرئيسي.
مع
ضرورة التأكيد بأن البوصلة هي فلسطyن،
على طريق التحرر والوحدة، وما زلنا نعتبر بأن تناقضنا الرئيسي هو مع الإحتلال
الصهيوني وشريكه الأمريكي، وفي هذه المرحلة يجب التركيز على أولية دعم صمود غززة،
والتحذير من كل المحاولات في التقليل من جوهرية هذا التناقض، والتنبه لعدم إنزلاق
أولويات الصراع بإتجاهات تحريفية ثانوية، لتبرير التطبيع مع العدو والتمهيد لتمرير
مشاريعه وأطماعه.