شريط الأخبار
ماجد توبه: شبح فيتنام يخيم على الاسرائيليين بنك صفوة الإسلامي والبريد الأردني يوقعان اتفاقية استراتيجية لتعزيز الخدمات المالية الجيش يحبط تهريب مخدرات بواسطة "درون" من اسرائيل الملك يتراس مجلس الوزراء: البرتامج الجكومي يجب ان يكون خاضعا للتقييم مقتل مطلوب خطير برصاص الشرطة بعد مقاومته ولي العهد يزور اللواء المتقاعد إبراهيم النعيمات شقيقة ضحية شقيقها بـ 16 طعنة بالشونة الجنوبية العثورعلى شاب مشنوقا بغابات ثغر عصفور مباحثات امنية وسياسية وحول الطاقة بين الاردن وسورية.. والصفد يؤكد كل الدعم "ذبحتونا" تتهم "التعليم العالي" بـ"التضليل والمبالغة" بدفع 700 مليون دينار لصندوق دعم الطالب جامعة البترا تعلن نتائج انتخابات الجمعيات الطلابية واتحاد الطلبة للعام الجامعي 2024 /2025 اعلام اسرائيلي يزعم: الاحتلال يطلب انسحاب السلطة من جنين لتتقدم قواته فيروس جديد ينتشر في الصين.. وجدل "شبح كورونا" يثير الجدل عالميا اليمنيون يستبقون هجوما ويستهدفون حاملة طائرات أميركية و3أهداف إسرائيلية. هل سترفع العقوبات عن سوريا أخيرا متى وبأي شروط قتل 3 مستوطنين واصابة 4 بهجوم مسلح شرق قلقيلية الاردن يؤكد من تركيا انه ضد تنظيم البي كي يكي المعادي لانقرة المومني : الأردن مستمّر في تقديم كل الدعم لسورية بنك الاتحاد يبدأ بتقديم خدماته البنكية في العراق 25 الف قضية مخدرات و38 الف متورط العام الماضي

هل سترفع العقوبات عن سوريا أخيرا متى وبأي شروط

هل سترفع العقوبات عن سوريا أخيرا متى وبأي شروط


د. اراهيم ناجي علوش

و أمكن وضع جدولٍ يفصّل الأوزان النسبية لكلٍ من العوامل التي أنتجت الانهيار الكبير في سورية في 8/12/2024، لحق القول، برأيي المتواضع، إن الحصار، وخصوصاً قانون قيصر وتداعياته، يتحمل مسؤولية 50%، على الأقل، مما جرى، ليذهب الباقي إلى كل العوامل الأخرى مجتمعة.

 

تراكمت طبقات تلو طبقات من العقوبات على سورية ابتداءً من سنة 1979، لتنتج مصفوفةً توّجها وضع قانون قيصر موضع التنفيذ سنة 2020.  وهي مصفوفةً كانت ذات أثرٍ تراكمي، أتت أكلها في 8/12/2024، لكنها لم تبدأ مع سنة 2020، بل بدأت قبلها بعقود.

 

أنتجت تلك المصفوفة حصاراً خانقاً أصبح عاملاً رئيساً، إن لم يكن العامل الرئيس، في التأثير في توجه السياسة الخارجية السورية منذ عامي 2020-2021، بمقدار ما أصبح ذلك الحصار العامل الرئيس، لا الوحيد، في تجويف قواعد الحكم شعبياً ورسمياً وعسكرياً.

 

مع مجئ سنة 2020، ذكر "مركز كارتر" للدراسات والأبحاث، في ورقة بعنوان "العقوبات الأمريكية والأوروبية على سورية"، نشرت في موقعه في أيلول / سبتمبر 2020، أن الجمهورية العربية السورية أصبحت ثالث أكثر بلد تعرضاً للعقوبات عالمياً، ولم تكن مصفوفة العقوبات على سورية قد استكملت بعد.  

 

جاءت تلك العقوبات في موجات، أولها في السبعينيات، بذريعة "دعم الإرهاب الفلسطيني"، ثم في الثمانينيات، ثم سنة 2003 مع "قانون محاسبة سورية"، بذريعة الدور السوري في لبنان والعراق، والذي تبعته قرارات رئاسية تنفيذية أمريكية بحق المصرف المركزي السوري والمصرف التجاري السوري سنة 2005، وصولاً إلى سلسلة عقوبات متتالية منذ سنة 2011، ثم قانون قيصر الذي أقِر سنة 2019، ووضع موضع التنفيذ سنة 2020، وكان ذلك القانون الأشد وطأةً، وتلته عقوبات الكبتاغون، وعقوبات أخرى متنوعة طالت أفراداً سوريين وشركات بعينها.  

 

مع زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات في 18/3/2022، أول زيارة لدولة عربية منذ سنة 2011، والتي سبقتها اتصالات غير معلنة بين الطرفين طبعاً، لم يدرك كثيرون أن رسالة الزيارة كانت أولاً للداخل السوري، بأن الرئيس الأسد يبذل قصارى جهده من أجل رفع الحصار.

 

هناك من قرأ تلك الزيارة من زوايا أخرى، إقليمية أو تطبيعية، وخصوصاً إزاء خلفية الاتفاقيات المسماة "إبراهيمية"، وهي قراءة محقةٌ طبعاً، إذ إن المعادلات الإقليمية والدولية تحكم بالضرورة أي خطوة تحركها الحسابات المحلية الضيقة في أي دولة عربية، وتقولبها وتصبغها بصبغتها، بموجب قوانين الجغرافيا السياسية.  

 

لكن حساب رفع الحصار، أو تخفيفه، كان طاغياً، وكان ذلك أساس الاعتقاد أن "الحل"، أي رفع الحصار، بات قاب قوسين أو أدنى، وإنما المطلوب عدم "حمل السلم بالعرض" إقليمياً.  وكانت حالة الاختناق التي يعيشها السوريون، دفعت كثيرين، من قاعدة الهرم إلى قمته، إلى الظن أنّ "الحل سيأتي أخيراً عبر الإمارات".  

 

ولو كان قرار الأنظمة العربية بيدها، لرفعت الحصار واستأنفت العلاقات سنة 2018، عندما ظهر ذلك التوجه لديها، فطاف عليها مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مهدداً ومتوعداً بأنّ ذلك يعد عملاً عدائياً ضد الولايات المتحدة، فتراجعت.   

 

فما الذي تغير لدى الأنظمة العربية منذ 2018، سوى المزيد من التطبيع، عبر الاتفاقات "الإبراهيمية" والجسر البري، والمزيد من الارتهان للإدارة الأمريكية، عبر الانضواء في منظومة "سنتكوم" الإقليمية للدفاع الجوي والصاروخي عن الكيان الصهيوني؟   

 

بعد 8/12/2024، لم تكن مفاجئة مسارعة الوفود القطرية والتركية، عالية المستوى، إلى دمشق، بالنظر إلى علاقة الطرفين العضوية بـ"هيئة تحرير الشام".  أما قوافل الوفود العربية والأمريكية والأوروبية، ناهيك من قوافل المساعدات السعودية وغيرها، فكانت حلماً رسمياً سورياً من قبلُ، وحتى بعد نجاح مشروع "تغيير النظام" في دمشق، ظل التردد يجلل الخطوات السعودية والإماراتية، كما أشار تقرير في "نيويورك تايمز"، في 3/1/2025، بعنوان "السعودية والإمارات تتعاملان بحذر مع حكام سوريا الجدد".

 

مشروع "تغيير النظام"، في سورية وغيرها، كما هو معروف، هو من بنات أفكار المحافظين الجدد منذ تسعينيات القرن الفائت، وهو المشروع الذي تبناه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، بالنسبة لسورية منذ 2003، مباشرةً بعد "تغيير النظام" في العراق، كما أشارت مثلاً، لا حصراً، مقالة رأي للكاتب جون كولي في "نيويورك تايمز"، في 18/11/2003، بعنوان "سورية: الولايات المتحدة تدفع باتجاه "تغيير النظام" على مسؤوليتها".

 

كما أن مشروع "تغيير النظام" في سورية هو مشروع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، الأمر الذي تجلى مثلاً، لا حصراً، في خطة أليوت إبرامز، أحد أعمدة ذلك اللوبي، لإشعال سورية، كما نُشِرت في موقع "مجلس العلاقات الخارجية" CFR في أيلول / سبتمبر 2011، والتي حملت عنوان "خيارات أمريكية في سورية/ مذكرة إبداع السياسات رقم 9"، وهي ورقة ترجمتها ووزعتها في الإنترنت بعد صدورها.

 

المهم، ليكن واضحاً أن الشروع بفك العزلة السياسية والدبلوماسية عن دمشق، بعد "تغيير نظامها"، يأتي بضوء أخضر، إن لم نقل، بإيعاز، أمريكي-"إسرائيلي"، بدلالة إبقاء أبواب دمشق موصدة في وجه إيران حتى الآن.  لكنّ ذلك لا يعني أن العقوبات على وشك أن تُرفعَ فوراً كما يتأمل السوريون، إذ إن زوار دمشق هذه الأيام، ما عدا التركي والقطري، يتحدثون عن قائمة شروط لا بد من تلبيتها أولاً.   فما هي تلك الشروط؟  وهل تستند إلى تصريحات أولئك الزوار المعلنة عن إنشاء حكم "ديموقراطي تعددي يراعي حقوق الأقليات إلخ..."؟

 

إن التجربة علمتنا أن حديث الغرب عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية وحكم القانون وما شابه لا يعني شيئاً عندما يتعلق الأمر بمصالحه الاستراتيجية، أو بالكيان الصهيوني، كما نرى كل يوم في غزة، وكما رأينا في لبنان، وفي العراق، وكما نرى من كل تاريخه الاستعماري والعدواني.  

 

كما أن التاريخ المعاصر علمنا أن الخطاب الديموقراطي والإنسانوي لطالما استُغِل غربياً في زعزعة الدول المستقلة، بالتلازم مع رعاية الانقلابات والاغتيالات والإرهاب التكفيري والحركات الانفصالية والفتن الدموية فيها.      

 

أضف إلى ذلك أن النموذج (الديموقراطي التعددي؟) الذي أسسه أبو محمد الجولاني في إدلب، وسجله الطويل في صفوف التنظيمات التكفيرية، لا يؤهلانه كي يُعطَى فرصة إنشاء حكم "ديموقراطي تعددي يحفظ حقوق الإقليات"، ناهيك عن انتشار الممارسات الانتقامية والطائفية، والانتهاكات واسعة النطاق التي تُرتكب في المدن والأرياف السورية اليوم، من دون أن تغطيها وسائل الإعلام.

 

لكنّ الجولاني مثّل رأس حربة في المشروع الأمريكي-الصهيوني (والتركي) لـ"تغيير النظام" في دمشق، وبناءً على ذلك كوفئ برفع اسمه من قوائم الإرهاب الأمريكية، كما أبلغه الوفد الأمريكي الزائر رسمياً.  أما رفع العقوبات عن البلاد، وضخ رؤوس الأموال لإعادة إعمارها، فمسألة أخرى مختلفة جداً، لأن الحصار الاقتصادي، الذي سبق أن أثبت فعاليته وجدواه في "تغيير النظام"، يبقى رافعة لممارسة الضغوط على دمشق بانتظار تبلور المشهد، إما في صورة نظام حكم يحقق للطرف الأمريكي-الصهيوني ما يريده من سورية، أو في صورة نزاع تركي-"إسرائيلي" على حقول النفوذ سورياً، وإما في صورة تفاهم أمريكي-"إسرائيلي" مع النظام التركي على تقاسم الكعكة السورية.

 

وإذا كان أردوغان يراهن على نزعة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب على الانسحاب من الميدان السوري، كما أوحت تغريدته الأولى بشأن سورية بعد 8/12/2024، والتي قال فيها إن الولايات المتحدة لا يجوز أن تتورط في الميدان السوري، وأن تلك "ليست معركتنا"، فإن فريق ترامب ذاته، ناهيك بالدولة العميقة في الولايات المتحدة، واللوبي الصهيوني، لن يسمحوا لترامب أن يترك الميدان السوري خالياً، كما يشير تقرير في موقع BBC، في 13/12/2024، بعنوان "ترامب يقول إن سورية ليست معركتنا، لكن البقاء بعيداً عنها قد لا يكون بتلك السهولة".

 

وفي 16/12/2024، عقد ترامب مؤتمراً صحافياً امتدح فيه الدور التركي في إطاحة الرئيس بشار الأسد، لكنه رفض الإيضاح إذا كان يزمع سحب القوات الأمريكية من سورية، في حين يجري تعزيز قوات الاحتلال الأمريكي في المنطقة الشرقية على قدمٍ وساق

 

فما الذي تريده الدولة العميقة الأمريكية من سورية؟  يعمل الأمريكيون على تحقيق أهداف محددة في الميدان السوري عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد جرى التصريح عن تلك الأهداف بوضوح في نص "قانون محاسبة سورية" لعام 2003، وهي أهداف سبق إبرازها بصورة أكثر تفصيلاً في مادة "ماذا تريد الإدارة الأمريكية من سوريا؟"، في 3/1/2023، لكنها باختصار

 

أ – وقف دعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان (تحقق).

ب – وقف دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وهو ملف أغلق فعلياً مع سنة 2011.

جـ - سحب القوات السورية من لبنان (تحقق).

د – نشر الجيش اللبناني في كل أرجاء لبنان، و"إخلاء حزب الله من جنوب لبنان"، وهو مطلب لم يتحقق بعد، لكنه بات منفصلاً عن الملف السوري، وخصوصاً مع عداء حكام دمشق الجدد لحزب الله، وللجيش اللبناني أيضاً.

هـ - وقف سورية تطوير الصواريخ المتوسطة وطويلة المدى ونشرها (تحقق معظم هذا الهدف بقصفها، بتواطؤ أو بسكوت الحكام الجدد).  ويتضمن هذا البند نصاً عن وقف تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية السورية، وتزعم بعض التقارير الغربية أن كشف تلك الأسلحة وتفكيكها هو أحد شروط تطبيع العلاقات مع دمشق.

 

و – ينص القانون حرفياً على الآتي: "على حكومتي لبنان وسوريا أن تدخلا في مفاوضات ثنائية جدية غير مشروطة مع حكومة إسرائيل من أجل تحقيق سلام كامل ودائم".  وهذا لم يتحقق بعد.  ويوجد في قسم العقوبات في القانون بندٌ يربط رفع العقوبات تدريجياً بمدى تقدم العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهنا مربط الفرس.

 

ولم يتضمن "قانون محاسبة سوريا"، في صفحاته التسع، كلمة واحدة عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في سورية، إذ إن المطلوب يتعلق بالكيان الصهيوني ومصالحه وأمنه أساساً

 

وكان تقرير "مجموعة دراسة سوريا"، الصادر في 24/9/2019، عن لجنة مفوضة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس، أشار إلى أن الروافع التي تملكها الإدارة الأمريكية في سورية لتنفيذ أجندتها هي الآتية: قواتها في المنطقة الشرقية بالتلازم مع نفوذها عبر "قسد"، ونظام العقوبات على سورية وداعميها، وقدرتها على عرقلة إعادة إعمار البلاد، والاستمرار في عزل سورية سياسياً ودبلوماسياً.

 

ما جرى تخفيفه بعد 8/12/2024 هو رافعة عزل سورية سياسياً ودبلوماسياً فقط، في حين يجري تعزيز قوات الاحتلال الأمريكي في المنطقة الشرقية، وإرسال رسائل متتابعة إلى حكام دمشق الجدد بأنه من الممنوع المساس بـ"قسد"، مع تأكيد قائمة طلبات في مقابل رفع العقوبات، تتمثل في جوهرها في إنشاء نظام طيّع في دمشق، ومع التلويح بإمكانية زج السعودية والإمارات في إعادة إعمار البلاد، لكنْ إذا تحققت تلك الطلبات.

 

وتدعو "مجموعة دراسة سورية" في تقريرها إلى تعزيز الدور الأمريكي في سورية من أجل مواجهة "داعش" (وهي فزاعة يستفيد الأمريكيون من إدامتها لتبرير بقائهم)، ومواجهة النفوذ الروسي (جرى تحجيمه في الداخل السوري، وبقيت القواعد الروسية في الساحل)، والنفوذ الإيراني (تحقق، وينص تقرير لاحق من مركز أبحاث الكونغرس CRS في 12/2/2020 على هدف محدد هو "إخراج إيران من سورية")، و"رفض الدولة السورية تقديم تنازلات تغير من طبيعتها وسياساتها" (تحقق، بانتظار ما سترسو عليه "سوريا الجديدة")، ومواجهة سعي النظام التركي لشطب "قسد" وتغيير معادلات الساحة السورية لمصلحة مشروعه (وهو هدف كبير لم يتحقق، وازداد إلحاحاً الآن)، وضبط الأغلبية العربية في المنطقة الشرقية إذا انتفضت على "قسد" نتيجة إساءة تعامل الأخيرة معها (وهو هدف يبقى ملحاً).

 

كان لافتاً أن مركز أبحاث الكونغرس ذاته نشر تقريراً في 13/12/2024 بعنوان "سورية: تغيير النظام، التحول، والسياسة الأمريكية" يدعو إلى مراجعة تفصيلية لمصفوفة العقوبات على سورية، ومن ذلك إعادة النظر في تصنيف سورية كدولة "راعية للإرهاب"، وفي وضع "هيئة تحرير الشام" وأبي محمد الجولاني على قائمة الإرهاب، ومن هنا نفهم ذلك "الحافز" الذي قدمه الوفد الأمريكي الذي زار دمشق.

 

كانت لافتة أيضاً الخريطة التي نشرها ذلك التقرير لمناطق سيطرة الجماعات المختلفة على الجغرافيا السورية، والتي تظهر ضآلة مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" بالنسبة لمساحة سورية الكلية، والتي تقتصر على مساحة طولية تمتد من إدلب مروراً بحلب وحماة وحمص وصولاً إلى دمشق، مع بقاء جنوبي سورية وشرقيها خارج نطاق سيطرة الهيئة، ومع بقاء الداخل السوري عرضة للتنازع بين الجماعات المختلفة، ومن بينها "داعش".  وتوحي الخريطة بالتهيئة لمشروع تفكيك فعلياً.

 

لكنّ ورقة مهمة نشرت في مجلة "فورين أفيرز"، في 3/1/2025، بعنوان "أفضل طريقة لأمريكا لمساعدة سوريا الجديدة"، تقول إن معظم أهداف الولايات المتحدة في سورية جرى تحقيقها، وتدعو إلى الحفاظ على هيكل الدولة السورية، باعتبار أن "النتيجة الأفضل بالنسبة لسورية وجيرانها تتلخص في إنشاء دولة موحدة متماسكة قادرة على التفاوض وتنفيذ الاتفاقيات الدبلوماسية التي تعزز الاستقرار الإقليمي في الأمد البعيد".

 

من الواضح أن الحديث هنا يدور عن اتفاقية مع الكيان الصهيوني، إذ لا تحتاج سورية إلى التفاوض وعقد اتفاقيات دبلوماسية مع العراق أو لبنان أو الأردن مثلاً، وسيكون لتركيا مصلحة أيضاً في أن يكون الطرف السوري الذي يقدم لها تنازلات على الأرض والثروات السورية قادراً على الزعم أنه يمثل كل السوريين، لا جماعة مسلحة ترعرعت في كنفها فعلياً

 

المطلوب أولاً، بحسب التقرير ذاته، أن يلتزم حكام دمشق الجدد بحماية الأكراد وإشراكهم في الحكم، ولو كلفهم ذلك الابتعاد عن أنقرة، وفي المقابل، يجري رفع العقوبات والسماح بتدفق الاستثمارات إلى سورية

 

يريد كتاب الورقة أيضاً من حكام دمشق الجدد أن يكونوا قادرين على ضبط الحدود، وخصوصاً فيما يتعلق بالاستمرار بقطع مسار الخط الممتد بين إيران ولبنان عبر سورية، في مقابل الانسحاب الأمريكي من البلاد، على أن يتضمن ذلك تسليم الحكومة الجديدة حقول النفط والغاز في المنطقة الشرقية، وتجنيد السعودية والإمارات لزيادة إنتاج النفط السوري، بشرط وصول الحكومة الجديدة إلى تفاهم يرضي الأكراد

 

يحذر كتاب الورقة من صراع نفوذ تركي-"إسرائيلي" في الميدان السوري يمكن أن يتصاعد، ويقترحون تعزيز "سوريا الجديدة" كحاجزٍ بينهما، ضمن فترة تجربة تمتد 6 أشهر من دون عقوبات، مع "التفهم" أن قدراً من الانتهاكات لا بد من أن يحدث خلال الفترة الانتقالية، لكنهم يرون أن الوصول إلى تفاهم أمريكي مع حكام دمشق الجدد ضروري لإبعادهم عن تركيا، وعن روسيا وإيران.  فإذا لم ينجح الرهان، يمكن أن تعود الولايات المتحدة إلى أداء الدور الذي تقوم به حالياً في سورية من دون أي مشكلة أو تكلفة إضافية

 

باختصار، إما الخضوع والتطبيع، وإما استمرار العقوبات ووضع البلاد على سكة التفكيك، وهو مسار يمكن التفاهم عليه بين الاحتلالات الثلاثة على الأرض السورية، باستثناء الموضوع الكردي.