القطاع الزراعي الأردني
احمد عوض
يشهد القطاع الزراعي
الأردني حالة من التفاؤل؛ حيث تتشكل فرصة ذهبية قد تُحدث نقلة نوعية في أدائه بعد
سنوات طويلة من التحديات. عودة التصدير إلى السوق السورية ليست مجرد استئناف نشاط
اقتصادي عابر، بل تمثل نافذة استراتيجية يمكنها إعادة الزخم للقطاع، الذي يعاني
منذ سنوات من تراجع ملحوظ في الإنتاج والمساحات المزروعة.
السوق السورية ليست فقط
مستهلكة للمنتجات الزراعية الأردنية، بل تعد ممرا حيويا نحو أسواق أخرى، مثل
تركيا، لبنان وأوروبا الشرقية، ما يعزز فرص المزارعين الأردنيين لزيادة إنتاجهم.
لقد سجل القطاع الزراعي
مساهمة بلغت 4.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، وقد حقق معدل
نمو 6 بالمائة حتى الربع الثالث من العام 2024، هذه الأرقام تؤكد أهمية القطاع
الزراعي كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني، حيث يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويعزز
الأمن الغذائي للمملكة.
يمكن لهذه الفرصة أن
تسهم في إعادة التوسع في المساحات المزروعة في الأردن، اذ شهدت تراجعا حادا خلال
الأعوام الأخيرة قاربت 20 بالمائة، حيث انخفضت من 2.7 مليون دونم في العام 2016
إلى 2.1 مليون دونم في العام 2023. هذا التراجع يعكس التأثير السلبي لتحديات
القطاع، مثل انقطاع التصدير إلى الأسواق الإقليمية وارتفاع كلف الإنتاج وغيرها من
التحديات. ومع ذلك، فإن استئناف التصدير إلى سورية ودول أخرى يمثل فرصة لتعويض هذا
التراجع وزيادة المساحات المزروعة، ما يعزز الإنتاجية الزراعية ويخلق المزيد من
الفرص الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، يشكل
هذا التطور بارقة أمل للمزارعين، خاصة في وادي الأردن، الذين يعتبرون السوق
السورية شريان حياة رئيسيا. السوق السورية كانت تستوعب حوالي ثلث صادرات الخضار
الأردنية، أي نحو 3000 طن يوميا، بالإضافة إلى دورها كممر استراتيجي للمنتجات
الأردنية نحو أسواق أوروبية وآسيوية. اليوم، ومع تصدير 1500 طن يوميا كمرحلة أولى،
هناك آمال كبيرة بأن تعود الصادرات إلى مستوياتها السابقة، ما سينعكس إيجابا على
القطاع الزراعي والأنشطة الاقتصادية المرتبطة به.
لكن تحقيق هذا الزخم
يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات داعمة، بدءا من تقديم إعفاءات مؤقتة على رسوم
التصدير، وتحسين البنية التحتية لعمليات النقل، وصولا إلى تشجيع الاستثمار في
تطوير القطاع الزراعي، حتى لو وصل الأمر الى تقديم دعم مختلف الأوجه، وهذه ممارسة
شائعة جدا في الكثير من الدول بسبب أهمية القطاع الزراعي لمختلف الاقتصادات.
هذه الإجراءات ليست
رفاهية، بل ضرورة لتعزيز قدرة المزارعين الأردنيين على المنافسة في الأسواق
العالمية، خاصة الأسواق الأوروبية ذات القيمة العالية.
ولا يمكن الحديث عن
إنعاش القطاع الزراعي من دون التطرق إلى تحسين ظروف العمالة، التي تعد عنصرا
أساسيا في الإنتاج الزراعي. تعزيز أجور العمالة وتوفير الحمايات الاجتماعية وشروط
السلامة المهنية سيسهمان في تحسين كفاءة الإنتاج واستدامته.
إضافة إلى ذلك، فإن
عودة التصدير لن تعزز فقط القطاع الزراعي، بل ستنعكس إيجابا على قطاعات وأنشطة
اقتصادية أخرى، مثل النقل والخدمات اللوجستية والتصنيع الغذائي، ما يخلق دورة
اقتصادية متكاملة تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ككل.
اليوم، يواجه القطاع
الزراعي فرصة حقيقية لاستعادة عافيته وتعزيز دوره كمصدر أساسي للأمن الغذائي
والتنمية المستدامة. ومع الدعم الحكومي الموجه، وزيادة المساحات المزروعة، وتطوير
جودة المنتجات لتلبية متطلبات الأسواق العالمية، يمكن للقطاع الزراعي أن يتحول إلى
رافد رئيسي لنمو الاقتصاد الأردني، ما يضمن تحقيق الاستقرار والتنمية على المدى
الطويل.
الغد