قراءة في تلاقي المعارضة مع الحكومة الاسرائيلية في الحرب: صقور ضد الشعب الفلسطيني
برهوم جرايسي
وصل التلاقي بين المعارضة الصهيونية البرلمانية،
مع الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو، منذ بدء حرب الإبادة، وطوال أشهر
الحرب، الى حد المنافسة على طرح أشد المواقف الحربية، وحتى مقارعة الحكومة،
ومطالبتها بما هو أشد، ليس فقط في الحرب على قطاع غزة، بل بشكل أبرز، لربما، في
الحرب على لبنان، وإذا ما تعمقنا في فحص جوهر أداء المعارضة الحالية، وأيضا حينما
كانت لعام واحد في سدة الحكم، قبل هذه الحكومة، سنجد أن هذا التلاقي والمنافسة،
ليست مجرد حسابات انتخابية، بل هي قناعات، ما يلغي من حيث الجوهر، وجود بديل سلطوي
واقعي في هذه المرحلة، رغم ما نراه من بعض التمايزات، التي تبقى بالنسبة لنا
هامشية، وليست جوهرية أساسية.
ولا جديد في تلاقي المعارضة الصهيونية مع
الحكومة في أوقات الحرب، فهذا ما هو قائم على مدى السنوات الـ 76 الماضية، ونذكر
كيف تشكلت أول حكومة وحدة قومية في أوج حرب حزيران العام 1967؛ كما أن في كل
الحروب اللاحقة، لم تواجه أي حكومة إسرائيلية أزمة حكم، في أوج خوض حرب، أو
"عمليات عسكرية حربية" استمرت لأسابيع.
ورغم هذا، في حروب سابقة ظهرت معارضات شديدة
لاستمرار الحرب، حينما بدأت إسرائيل تدفع ما تراه بالنسبة لها، "أثمانا باهظة
بالأرواح والاصابات"، رغم الفارق الضخم بينها وبين الثمن الذي يدفعه الشعب
الضحية. لكن في هذه الحرب، ورغم أنه في الرؤية الإسرائيلية الشعبية والسياسية،
دفعت ثمنا باهظا بالأرواح، إلا أنه لم تظهر معارضة جديّة، ذات وزن، برلمانية
وميدانية، ضاغطة لانهاء الحرب.
فعلى سبيل المثال، بعد ثلاثة أشهر من شن الحرب
على لبنان في منتصف العام 1982، بدأت تظهر أصوات معارضة لاستمرار الحرب، ونذكر
أكبر مظاهرة شهدتها إسرائيل، بمشاركة نحو نصف مليون شخص، في تلك الأيام، ضد
استمرار الحرب، بسبب الأثمان التي تدفعها إسرائيل، وكان حزب "العمل"
الذي كان لا يزال بقوته التاريخية في تلك المرحلة، ويجلس في المعارضة، شارك في تلك
المظاهرة، لكنه حينما عاد الى الحكم، كشريك لحزب الليكود في العام 1984، استمر في
الحرب على لبنان، من خلال احتلال الجنوب، وهذا استمر أيضا حينما عاد
"العمل" الى الحكم، كالحزب الأول في العام 1992.
استثناء آخر نذكره، هو الانقلاب في الموقف على
نهج حكومة الاحتلال في قمعها الدموي لانتفاضة الحجر الباسلة، لكن انقلاب حزب العمل
جاء يومها بضغط من الشارع، الذي لمس بشكل كبير، الثمن الدموي الذي يدفعه الشارع
الاسرائيلي، وأكثر منه، الثمن الاقتصادي والعزلة السياسية العالمية، ونجاح
المقاومة الشعبية الفلسطينية العزلاء الإبداعية، في تلك الانتفاضة، باختراق الشارع
الإسرائيلي، وأكثر من هذا، اختراق الرأي العام العالمي.
لاحقا، شنت إسرائيل عدة حروب، تختلف في مددها
الزمنية، لكن هذه الحرب الدائرة، والتي هي حاليا في مرحلة توقف، هدنة، مجهولة
المصير، شهدنا تلاقيا أشد للمعارضة مع الائتلاف، ويعد ذروة، مقارنة بكل الحروب
السابقة.
ونذكر أن جسما مركزيا في المعارضة البرلمانية،
الكتلة التي يقودها بيني غانتس، كانت شريكا في الحكم، في الأشهر الثمانية الأولى
للحرب، وخروج غانتس في تلك الحكومة لم يكن بسبب استمرار الحرب، بل لأنه طالب بأمور
تدفع قضايا إسرائيل إلى الأمام، وبشكل خاص تحرير الرهائن الإسرائيليين في قطاع
غزة.
وهذا
الاستنتاج تأكد لاحقا أكثر، حينما لم يصدر أي تصريح عن غانتس يطالب بوقف الحرب، بل
هو من أول من قارع الحكومة مطالبا إياها بشن حرب واسعة على لبنان، وانتقد توقفها.
وعند نشر هذه المقالة، كان قد عبّر غانتس، مثل
زميله في المعارضة أفيغدور ليبرمان، عن اعتراضهما على انسحاب جيش الاحتلال من جنوب
لبنان، بموجب اتفاق الهدنة، الذي يقضي بأن تكمل إسرائيل انسحابها من جنوب لبنان
حتى يوم 26 كانون الثاني 2025.
وأداء من يسمى وفق القانون الإسرائيلي، "رئيس المعارضة"، يائير لبيد،
زعيم "يش عتيد" وكتلته البرلمانية، كانت وما زالت داعمة أساسية للحرب،
لكن لبيد في الأسابيع القليلة الأخيرة، أعلن أن الحرب يجب أن تتوقف، إلا أن خطابه
لم يكن حادا وحازما، أو أنه قاد نهجا سياسيا برلمانيا يدعو فعلا لوقف الحرب.
أما كتلة حزب "العمل"، الأصغر في
الكنيست، ولها 4 نواب، فهي أيضا انخرطت في دعم الحرب، لكن في جانب عدد محدود من
التشريعات العنصرية الموجهة ضد العرب، اختارت الكتلة، غالبا، الانسحاب من الهيئة
العامة للكنيست عند التصويت، دون إعلان موقف واضح. ونشير هنا، الى أن استطلاعات
الرأي تمنح هذا الحرب بعد ضم حزب "ميرتس" له، وتسمية حزبه باسم
"الديمقراطيون"، ما بين 9 إلى 12 مقعدا، جُلها على حساب حزب "يش
عتيد"، وبعضا من مقاعد الحزب الذي يتزعمه غانتس.
والجانب الأساسي في دعم هذه الكتل البرلمانية،
شهدناه في أدائها في وابل القوانين العنصرية والاستبدادية التي أقرها الكنيست منذ
الأيام الأولى لشن الحرب، والحديث هنا ليس فقط عن قوانين مؤقتة لزمن الحرب، بل
قوانين دائمة، كتلك التي تقوّض بشكل أشد حرية التعبير، والملاحقات السياسية.
وأخذت هذه الكتل دورا فاعلا في التحريض على
الجماهير العربية، وبشكل خاص في الهجوم المنفلت على أعضاء الكنيست من الجبهة
الديمقراطية للسلام والمساواة، بدءا من عوفر كسيف، وعايدة توما، وأيمن عودة، وبضمن
هذا، الابعاد عن الكنيست، وحتى السعي للإقصاء الكلي عن عضوية الكنيست. وذهب لبيد
الى حد المساواة بين كسيف وعودة، بالمستوطن الشرس ايتمار بن غفير.
وهذا ليس فقد في زمن الحرب، فمن خلال ما أقوم به
من رصد مشاريع القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، في مركز الأبحاث
الفلسطيني "مدار"، كان واضحا أن أعضاء الكنيست من المعارضة بادروا منذ
الأيام الأولى للولاية البرلمانية الحالية الى مشاريع قوانين عنصرية واستبدادية،
ومنها ما يدعو الى ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
جانب أساسي في التلاقي بين المعارضة الصهيونية
مع الائتلاف الحاكم، ظهر أيضا في أوج حملة هذه الكتل ضد ما يسمى إسرائيليا،
"الانقلاب على أسس السلطة"، والقصد نقض قوانين تنظيم العلاقة مع الجهاز
القضائي وغيره، بشكل يتيح للحكومة بسيطرة أشد على الجهاز الحاكم، وتقليص وزن
الطواقم المهنية الثابتة.
فأحزاب المعارضة، ومعها حركات ميدانية، أيضا
تميل لأحزاب المعارضة، خاضت على مدى أشهر طويلة، وتوقفت عند شن الحرب، حملة
احتجاجات واسعة ضد مشاريع القوانين التي حملتها الأحزاب في الحكومة، لكن هذه
الحملة إنخرست وتجاهلت كليا، السياسات العنصرية الموجهة ضد فلسطينيي الداخل، لا بل
شاركت هذه الأحزاب بحملات التحريض.
في ملخص القول، فإن
حكومة بنيامين نتنياهو لا تجد أمامها معارضة جوهرية من حيث طرح البديل، وهذا ما
يعزز استقرارها، رغم ما نراه من زعزعات مؤقتة في الائتلاف الحاكم، وهذا الأمر
سينعكس في نتائج الانتخابات المقبلة، إذ أن خطاب من يجلسون في المعارضة اليوم،
سيكون ضعيفا طالما لا يطرحون بديلا قويا، ولهذا فعلى الأغلب سنشهد نتائج مختلفة
عما تعرضها استطلاعات الرأي حاليا.