تطهير الوكالات الفيدرالية: ترامب يقود أكبر عملية تسريح بتاريخ أميركا


يعيش الموظفون في الوكالات
الفيدرالية الأميركية رعباً بعدما انتهت، أمس الخميس، المهلة التي حددتها إدارة
الرئيس الأميركي دونالد ترامب للموظفين المستهدفين البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون شخص
لتقديم استقالة طوعية، وإلا التعرض للفصل أو تغيير التصنيف الوظيفي.
ويطاول العرض الذي يقوده
وزير كفاءة الحكومة الملياردير إيلون ماسك جميع العاملين الفيدراليين باستثناء بعض الموظفين
العسكريين أو البريديين أو بعض موظفي الأمن الوطني. وقبل أكثر من 40 ألف عامل
العرض الذي يرهن الاستقالة مقابل الحصول على راتب ثمانية أشهر، وهو ما يقرب من 2%
من أولئك الذين عُرضت عليهم الصفقة، لكنه أقل من هدف البيت الأبيض المعلن بخفض ما
بين 5% و10% من القوى العاملة الفيدرالية لتوفير ما بين 100 و200 مليار دولار من
النفقات الحكومية.
تهدف إدارة ترامب إلى وقف
ما بين 100 و200 ألف شخص في الوكالات الفيدرالية، وهو ما يجعل هذه العملية أكبر
تسريح للعمال في تاريخ الولايات المتحدة. وصاحبة الرقم القياسي الحالي هي شركة آي
بي إم، التي خفضت 60 ألف وظيفة في عام 1993، وفق "فوربس".
وفي 28 يناير/ كانون الثاني
أعلن مكتب إدارة الموظفين في مذكرة نشرت على موقعه الإلكتروني في رسالة بريد
إلكتروني جماعية إلى الموظفين الفيدراليين، أن جميع الموظفين المدنيين الفيدراليين
بدوام كامل لديهم خيار قبول عروض الاستقالة الطوعية بحلول السادس من فبراير/ شباط،
وهو ما سيسمح لهم بالحصول على رواتبهم، مع المزايا، حتى 30 سبتمبر/ أيلول المقبل.
رسالة
إلى موظفي الوكالات الفيدرالية
وجاء في البريد الإلكتروني:
"من المرجح تقليص حجم غالبية الوكالات الفيدرالية من خلال إعادة الهيكلة
وإعادة التنظيم وخفض الأعداد"، محذرًا من أن عددًا كبيرًا من الموظفين
الفيدراليين سيتم صرفهم أو إعادة تصنيفهم "حسب الحاجة".
ووفق الإرشادات المنشورة على موقع مكتب إدارة
الموظفين فإن الموظفين الذين يقبلون بالاستقالة غير مجبرين على العمل حتى سبتمبر،
ومع ذلك، تنص العقود النموذجية المرسلة إلى بعض الموظفين الفيدراليين هذا الأسبوع
على أنه يجب عليهم الموافقة على العمل حتى 28 فبراير وسيتم وضعهم في إجازة إدارية
مدفوعة الأجر بحلول 1 مارس/ آذار.
وتأتي هذه الخطوة بعدما
عيَّن ترامب الملياردير إيلون ماسك لقيادة وزارة كفاءة الحكومة التي تقود تخفيضات
شاملة للوكالات الحكومية. وكان عنوان البريد الإلكتروني المرسل في 28 يناير/ كانون
الثاني والذي يعرض عمليات شراء للموظفين الفيدراليين هو "مفترق الطريق"،
وهو نفسه العنوان الذي استخدمه ماسك في تقديم عرض مماثل لموظفي تويتر بعد شرائه
الشركة في عام 2022.
كان الهدف الأكبر للإصلاح الذي أجراه ماسك حتى
الآن هو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي الوكالة التي توزع ما يقرب من 50
مليار دولار من المساعدات الخارجية سنويًا. وقد تم إغلاق مقرها الرئيسي أمام
الموظفين، الذين أُبلغوا بأنهم سيُمنحون إجازة إدارية اعتبارًا من يوم الجمعة.
وبما أن هؤلاء العمال لن
يتلقوا رواتبهم بعد 30 سبتمبر، فمن المتوقع أن يبدأ العديد منهم في البحث عن عمل
لضمان حصولهم على دخل ومزايا قبل انتهاء رواتبهم الفيدرالية. وقد يتقاعد البعض بعد
ذلك، إلا أن التقارير تؤكد أن هذا الإجراء سيزيد نسبة البطالة في الولايات المتحدة
الأميركية.
وهذه الخطوة هي جزء من خطط
ترامب لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية بشكل كبير، بما في ذلك تجميد معظم التوظيف،
وحظر العمل عن بعد وإلغاء بعض الوكالات والإدارات، مثل وزارة التعليم، بالكامل.
وقد طُلب من العاملين في
الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومكتب حماية المستهلك المالي التوقف عن العمل
بينما تقوم إدارة ترامب بتقييم ما إذا كان عملها يتماشى مع أوامره التنفيذية. كما
طردت إدارة ترامب المفتشين العامين وموظفي وزارة العدل المشاركين في محاكمته.
ووضع ترامب جميع موظفي
التنوع والمساواة والإدماج في إجازة مدفوعة الأجر، وأمر كل وكالة بخفض برامج
التنوع والمساواة والإدماج.
شكوك
قانونية
وخلق الاقتراح ارتباكًا
جماعيًا حول قانونيته، فقد رفع الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة ونقابات أخرى تمثل
أكثر من 800 ألف موظف حكومي دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية في ماساتشوستس،
يوم الثلاثاء، تطلب فيها وقف التوجيه مؤقتًا. ووفق شبكة "أن بي آر"
الأميركية، حثت نقابات الموظفين الفيدراليين والمحامين موظفي الحكومة على عدم قبول
عرض ترامب للاستقالة.
وقال جيم إيزنمان، الشريك
في مجموعة ألدين للقانون والذي يمثل الموظفين الفيدراليين: "إن هذا الأمر لا
يستند إلى أي قانون أو لائحة أو أي شيء آخر غير فكرة ابتكروها لإخراج الموظفين
الفيدراليين من الحكومة".
وقال إن العرض قد يبدو
بمثابة مخرج ناعم لأولئك الذين لا يريدون الامتثال لمتطلبات إدارة ترامب بالعودة
إلى المكتب بدوام كامل. وذهب ماثيو بيجز، رئيس الاتحاد الدولي للمهندسين المحترفين
والتقنيين، إلى حد وصف البريد الإلكتروني بأنه "تهديد بالاستقالة"، وقال
"إنه مكتوب بشكل واضح أنه إذا لم تقبل هذا العرض، فقد لا تحصل على
وظيفة"، مشيراً إلى جزء من المذكرة التي تبلغ الموظفين الذين يرغبون في
البقاء في وظائفهم بأن "يقينك في منصبك أو وكالتك" غير مضمون.
ودافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفات،
الأربعاء، عن عرض الاستقالة، ورفضت وصف نقابة أخرى له بأنه محاولة لتطهير الحكومة،
وقالت للصحافيين خارج البيت الأبيض: "هذا غير صحيح على الإطلاق. هذا اقتراح
موجه إلى العاملين الفيدراليين بأن عليهم العودة إلى العمل. وإذا لم يفعلوا ذلك،
فلديهم خيار الاستقالة، وهذه الإدارة تعرض بسخاء شديد دفع أجورهم لمدة ثمانية أشهر".
فيما دافع ترامب عن تصرفات
ماسك، وقال إن البيروقراطية الفيدرالية متضخمة للغاية ومليئة بالأشخاص الذين
يعارضون أجندته السياسية. والحكومة الفيدرالية هي أكبر جهة توظيف في الولايات
المتحدة. يوجد ما يقرب من 2.4 مليون عامل فيدرالي دون احتساب موظفي خدمة البريد الأميركية،
والتي إذا كانت شركة خاصة، فإنها ستصنف ضمن أكبر عشر جهات توظيف في القطاع الخاص.
وتم توجيه الوكالات
الفيدرالية بتجميع قائمة بأولئك الذين تم تعيينهم خلال العامين الماضيين والذين
يفتقرون إلى الحماية الكاملة للتوظيف وسيكون من السهل فصلهم، وهم يشكلون ما يقرب
من 13% من القوة العاملة، وفقا لأرقام الحكومة، وفق "رويترز". ووجد
تحليل للقوى العاملة الفيدرالية أجرته شراكة الخدمة العامة غير الربحية أن معدل
الاستنزاف السنوي بين الموظفين الفيدراليين نحو 6%، وهو ما يعني أن بعض الذين
قبلوا عرض شراء ربما كانوا يخططون لمغادرة الحكومة على أي حال.
وقالت إحدى الموظفات لشبكة
"بي بي سي"، والتي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، إنها كانت موظفة
فيدرالية لأكثر من عقدين من الزمن. وأضافت "يبدو الأمر وقحًا ومثيرًا
للاشمئزاز"، مضيفة أن العرض نفسه بدا "تهديدًا، على سبيل المثال: خذه أو
اتركه أو قد يتم إلغاء وظيفتك على أي حال". وحتى العمال الذين قالوا إنهم
سيقبلون العرض أعربوا عن مخاوف مماثلة: فقد لا يحصلون على الأجر الذي وعدوا به.
وقال موظف فيدرالي آخر إنه
على الرغم من أنه يخطط لقبول العرض، إلا أنه غير واثق. وأضاف "آمل أن يكون
الأمر كما وعدنا بالضبط وليس مجرد عملية احتيال". فيما قال أحد الموظفين
لوكالة "رويترز"، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "إنها مجرد
فوضى، لا أحد قادر على القيام بأي عمل حقيقي الآن".
وأضاف أن زملاءه كانوا
يحذفون المستندات الشخصية من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. وقال موظف آخر في
الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، طلب عدم ذكر اسمه أيضًا، إن المزاج داخل
الوكالة كان يسوده الخوف والارتباك. وأضاف أن الموظفين يعتقدون أنهم من المرجح أن
يفقدوا وظائفهم سواء قبلوا العرض أم لا.