أكذوبة السامية، بين التوظيف السياسي والتاريخ المختلق


د. طارق سامي خوري
تُعَدُّ "السامية” مفهومًا لغويًا أُطلق في القرن الثامن عشر
للإشارة إلى مجموعة من اللغات التي تضم العربية، العبرية، والآرامية. هذا التصنيف
استند إلى تقسيم توراتي لأبناء نوح إلى سام، حام، ويافث، حيث نُسبت شعوب الشرق
الأوسط إلى سام. مع ذلك، يشير العديد من الباحثين إلى أن هذا التقسيم يفتقر إلى
الأسس العلمية والتاريخية.
أوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، الباحث الأثري المصري، أن مصطلح
"السامية” ليس له أي أساس علمي، وأنه لفظ ابتدعه العالم اليهودي النمساوي الأصل
الألماني الجنسية، شلوترز، عام 1781، مطلقًا إياه على الشعوب القديمة التي كونت
حضارات فجر التاريخ.
في دراسة بعنوان "مصطلح السامية بين حقائق العلم وخرافة سفر
التكوين”، أُشير إلى أن الواقع اللغوي القديم في المشرق العربي لا يمكن أن يُعبَّر
عنه بهذا المصطلح، وأنه يجب استبداله بتسميات أكثر دقة تعكس التنوع اللغوي
والثقافي في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى انه لم يُسجل عن أنطون
سعاده أي استخدام لمصطلح "السامية” في كتاباته أو محاضراته، إذ كان تركيزه منصبًّا
على الهوية السورية القومية بعيدًا عن التصنيفات العرقية أو الدينية. هذا يعكس
موقفه النقدي من المفاهيم المستمدة من التوراة، والتي اعتبرها محاولات لتزييف
التاريخ لصالح أهداف سياسية.
أشار تقرير لمؤسسة كارنيغي إلى أن اتهامات معاداة السامية تُستخدم
أحيانًا كأداة سياسية لإسكات الانتقادات الموجهة للكيان الصهيوني، مما يؤدي إلى
خلط بين النقد المشروع لسياسات دولة ما والتحيز العنصري ضد مجموعة دينية.
في كتابه "صناعة اللاسامية”، يناقش أبراهام ملتسر كيف تم استغلال
مفهوم معاداة السامية لتحقيق أهداف سياسية، مشيرًا إلى أن الصهيونية استفادت من
هذا المصطلح لتبرير سياساتها تجاه الفلسطينيين، بما في ذلك الاحتلال، الاستيطان،
التهويد، التهجير، التطهير العرقي، القمع، القتل، والاعتقال.
الهولوكوست والجدل حولها:
الهولوكوست، أو المحرقة، كما ترويها المصادر الصهيونية، تُقدَّم
على أنها إبادة جماعية ارتكبها النظام النازي بحق اليهود خلال الحرب العالمية
الثانية، حيث يُزعم مقتل نحو ستة ملايين يهودي. غير أن العديد من الباحثين
والمؤرخين يشككون في بعض جوانب هذه الرواية، سواء من حيث الأرقام المعلنة، أو
الأساليب المزعومة للإبادة، أو الأهداف السياسية وراء الترويج لهذه القصة بهذا
الشكل.
في كتابه "صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة
اليهودية”، يشير المؤلف نورمان ج. فنكلستين إلى أن الهولوكوست تم استخدامها كأداة
لابتزاز الأموال، وأن المبالغ الضخمة الناتجة عن ذلك لا تذهب إلى الضحايا
الحقيقيين، بل تُستخدم لأغراض سياسية واقتصادية تخدم الصهيونية العالمية.
كذلك، يشير بعض الباحثين إلى أن التضخيم الإعلامي لرواية
الهولوكوست جاء في سياق محاولة الصهيونية توفير غطاء أيديولوجي وأخلاقي لاحتلال
فلسطين، وتصوير اليهود كضحايا تاريخيين يحتاجون إلى دولة خاصة بهم تحميهم.
وفي مقال منشور في موسوعة الهولوكوست يشير إلى أن إساءة استخدام
صور المحرقة قد يُعتبر شكلًا من أشكال معاداة السامية، خصوصًا عندما يتم التشكيك
في الأرقام الرسمية أو في طبيعة ما حدث بالفعل خلال تلك الفترة.
هناك إشارات إلى أن أنطون سعاده شكّك في بعض الادعاءات المرتبطة
بالهولوكوست، خاصة في سياق استخدامها كذريعة سياسية، حيث رأى أن الترويج لهذه
الرواية يخدم المشروع الصهيوني عبر تصوير اليهود كضحايا دائمين وكسب التعاطف
العالمي.
ختاماً تُظهِر الدراسات والبحوث أن مصطلح "السامية” يفتقر إلى
الأسس العلمية والتاريخية، وأنه استُخدم لأغراض سياسية وثقافية معينة. كما أن
العديد من الباحثين يشيرون إلى استغلال "معاناة” اليهود خلال الهولوكوست لتحقيق
مكاسب سياسية ومالية، والترويج لدولة الاحتلال ككيان شرعي قائم على فكرة الضحية.
كما أن أنطون سعاده كان من أوائل المفكرين الذين نبّهوا إلى خطورة هذه الروايات
الموجهة، ودورها في تشكيل خطاب أيديولوجي يخدم الصهيونية. لذا، من الضروري إعادة
النظر في هذه المصطلحات والمفاهيم بحذر ووعي، والاعتماد على الأبحاث العلمية
الموضوعية لفهم التاريخ بعيدًا عن التحيزات والأجندات السياسية المفروضة.