ما بعد الخامس عشر من نيسان


فهد الخيطان
ما بعد الخامس عشر من نيسان "إبريل" لن يكون كما كان قبله.
المخطط التخريبي الذي كشفت عنه المخابرات العامة، حمل في طياته أبعادا خطيرة،لا
تترك لأصحاب القرار مجالا لتجاهلها أو غض الطرف عنها. المرحلة تجاوزت مخاطر خطاب
إعلامي أو سياسي تحريضي شهدناه من قبل، وانتقلت إلى مستوى عملياتي خطير، اتخذ
مسارا لا يمكن التسامح معه.
فهي المرة الأولى التي يتورط فيها أعضاء
من جماعة الإخوان المسلمين بنشاط عسكري بهذا الحجم، وهذا المستوى من القدرات
العملياتية المدعومة بتنسيق عال مع جماعات خارجية، لبناء خطوط إنتاج صواريخ
ومتفجرات، وتجنيد عناصر للعمل فيها، واستيراد معدات تضمن ديمومة الانتاج والتوزيع.
ولو كتب لهذا المخطط أن يتواصل لكان بإمكان الضالعين فيه تدشين فروع أخرى في مناطق
مختلفة من البلاد.
كانت التحقيقات في المخطط قد اكتملت قبل
أسابيع من كشفه للرأي العام. وشكلت المعلومات الأمنية التي حطت على مكاتب كبار
المسؤولين في الدولة في ذلك الحين صدمة قوية. لم يكن أحد ليتوقع أن هناك من يمكنه
أن يتجرأ على التفكير بتعريض أمن الأردن لمخاطر لا حصر لها وسط إقليم ملتهب، امتدت
فيه نكبة غزة المؤلمة لتطال دولا من حولنا استباحتها آلة العدوان الإسرائيلي.
محطة التحديث السياسي التي دخلها الأردن
قبل سنة تقريبا، مثلت بالنسبة للدولة لحظة لطي صفحة الشكوك بأطياف العمل السياسي
والحزبي في البلاد، ومرحلة جديدة تأسست على قوانين وتشريعات لتكريس التعددية
الحزبية في البرلمان والسير فيها إلى الأمام وصولا لبرلمان حزبي وحكومة تمثل
الأغلبية الحزبية. حدث كل هذا بنوايا صادقة وإرادة قوية من أعلى مرجعيات الدولة.
وعندما أظهرت نتائج الانتخابات النيابية تقدم قائمة حزب العمل الإسلامي، ذراع
الجماعة على سواها من القوائم الحزبية، لم تهتز القناعة بصواب مسار التحديث
السياسي، والالتزام الكامل فيه.
كان الاعتقاد في مستويات القرار السياسي
الأردني أن الإخوان المسلمين تخلوا عن خطاب الربيع العربي الذي أثار المخاوف من
نواياهم تجاه الدولة ومؤسساتها ودستورها.
لكن ما إن دخلت المنطقة في مرحلة أشد
خطورة بعد السابع من أكتوبر، حتى أظهرت الجماعة ذات السلوك المتهور حيال الدولة
الأردنية ومصالحها العليا.
يلخص سياسي أردني مخضرم سلوك هذا التيار
بعبارة ذات معنى ودلالة، يقول إنهم ينظرون للأردن بوصفه منصة لا أكثر لأجل الآخرين
ومصالحهم، وإذا اقتضت الضرورة عندهم فلن يترددوا في تحويل الأردن إلى قذيفة في
مدافع الآخرين، دون أدنى اكتراث بالمصلحة الوطنية الأردنية.
لم يعد بإمكان الدولة التعايش مع هذه
الحالة، ويتعين عليها التفكير بمقاربات جديدة وجذرية لإعادة تصويب مسار الحياة
السياسية في البلاد. تصويب يستند إلى تفعيل القانون وتطبيقه بكل جدية وصرامة.
لن يكون المطلوب انقلابا على الحياة
الديمقراطية أو التجربة الحزبية، فهذا مسار اختطته الدولة عن قناعة ولن تتراجع
عنه. وسيبقى لجميع الأطياف الحزبية نفس الحق في ممارسة نشاطها وفق الدستور
والقوانين الناظمة. لكن لم يعد ممكنا قبول وجود تنظيمات في الظل تحرك الشارع
وتتآمر مع الخارج، وتبني تحت الأرض مصانع للصواريخ وتخزن المتفجرات وتتلقى الأموال
من التنظيم العالمي، وتبعث أفرادها لتلقي التدريبات في الخارج، ثم عندما تنكشف
أعمالها تتبرأ منها وتقول إنها أعمال فردية.
المرحلة القادمة مختلفة كليا، وما كان
متاحا من تحايل على القانون، لن يعود أبدا.
"الغد"