هل نستقيد من مهاجمة السياسة الفلسطينية؟


د.حسن براري
لا يعد
التوقف عن نقد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة مجرد دعوة إلى الصمت أو
التجاهل، بل هو موقف أخلاقي وفكري يستدعي إعادة النظر في علاقتنا بهم وبقضيتهم
المستمرة.
كنت من الذين
استسهلوا توجيه النقد للسياسيين الفلسطينيين غرب النهر، وكان ذلك يأتي في سياق دعم
الفلسطينيين أو حرصًا على مستقبل قضيتهم. ربما ساعد في ذلك الانقسام العميق الذي
رسّخه تبادل الاتهامات بين طرفي السلطة وحماس مما جعل من نقدهم مشاعًا وسهلًا، لكن
يبدو لي الآن أن هذا النقد لم يكن منصفًا ولا مسؤولًا.
نحن ننتقد
السلطة الفلسطينية ونحملها مسؤولية عجزها، غير مدركين أنها لا تملك من أوراق القوة
ما يكفي لمواجهة احتلالٍ مدجج بالسلاح والدعم الدولي. ننسى أو نتناسى أن كثيرًا من
كوادر السلطة كانوا مناضلين حقيقيين وأسرى قضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال،
وآخرهم حسين الشيخ الذي سارعنا إلى الحكم عليه دون تدبّر، مع أن الرجل يمثل جزءًا من
سياق معقد لا يمكن فهمه من بعيد. هذا لا يعني موافقتي المطلقة على سياسات السلطة،
لكن النقد المجاني شيء وإيجاد حلول عملية تُقاوم جبروت الاحتلال وثنائية التدمير
والتهجير شيء آخر تمامًا يتطلب منا إعادة النظر في قراءة وضع السلطة الفلسطينية
والقيود المفروضة عليها.
وفي المقابل،
لا نوفر حماس من سهامنا. نلومها على ما سبّبته من معاناة وأزمات، وكأننا نتناسى أن
الاحتلال كان دائمًا يبحث عن مبررات لتنفيذ مشروعه الصهيوني، مشروع لم يكن يحتاج
إلى حماس أو غيرها لتبريره. فالحقيقة المؤلمة أننا أصبحنا نستسهل نقد الفلسطيني،
إن فاوض أو قاوم، إن هاجر أو هادن، بينما نحن جالسون على الأرائك، نصدر الأحكام
دون أن نقدم شيئًا يُذكر. لا نشعر بمعاناتهم لأن أحدًا منا لم يمر بتجربتهم، تلك
التجربة التي تنزف منذ عقود أمام أعين العالم دون أن يحرك ساكنًا.
المفارقة
المؤلمة هي أن رد فعلنا يكون أشدّ إن تجرأ السياسي الفلسطيني على توجيه انتقاد لنا
أو لبلداننا. نثور ونغضب وكأننا فوق النقد، بينما هم، في أعيننا، الحائط الواطئ
الذي يحق لنا أن ننتقده بلا هوادة. يا له من نفاق أصابنا، ويا له من عمى سياسي غطى
بصيرتنا! إن ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم ليس مزيدًا من النقد، بل دعمًا حقيقيًا،
واعترافًا بمعاناتهم، وفهمًا أعمق لواقعهم، بدلًا من الاكتفاء بإصدار الأحكام من
بعيد.
في الأردن
نحتاج الفلسطينيين أقوياء وثابتين في مواجهة الاحتلال، ذلك أن مصيرنا ومصيرهم
مترابطان بشكل لا يمكن إنكاره. لا نذيع سرًا عندما نقول أن خسارتهم لهذه المواجهة
لا قدر الله تعني بالضرورة خسارة الأردن، فهم خط الدفاع الأول والأخير عن أمننا
ومستقبلنا. لذلك، بات من الضروري أن يتوقف جمهورنا الأردني عن الانحياز الأعمى
لهذا الطرف أو ذاك في الساحة الفلسطينية. فاللعب على الانقسامات الداخلية الفلسطينية
أو محاولة إقحامها في حراكنا السياسي الداخلي لا يخدم سوى الاحتلال وأهدافه
التوسعية، وعلينا أن نكون شركاء في مساعدتهم على تجاوز هذه الانقسامات، من خلال
خطاب يدعو إلى الوحدة ويدعم صمودهم، بدلًا من تأجيج خلافاتهم أو استثمارها لمصالح
آنية. الوحدة هي السبيل الوحيد لبقاء القضية الفلسطينية قوية، وهو ما يضمن لنا
أيضًا استقرارًا ومستقبلًا أكثر أمانًا في الأردن.