حرائق جرش بين عبث المراهقين .. وسلوك المجرمين!!


د. محمد علي النجار
(أعربت جمعية البيئة عن قلقها تجاه تكرار حوادث حرائق الغابات، سواء كانت متعمدة أو ناتجة عن الإهمال، والتي تسببت في أضرار بيئية جسيمة وأثرت سلبًا على الغطاء النباتي والحياة البرية في عدد من المواقع الطبيعية في الأردن).
مئات من الأفراد وعشرات من الآليات .. وبإسناد من طائرات سلاح الجو والشرطة وقوات الدرك .. واستنفار عدة جهات .. وجهود بذلت على مدار ساعات .. جرّاء اشتعال النيران في أحراش منطقة ساكب بمحافظة جرش .. جرش تلك المدينة الجميلة الهادئة الوادعة التي تحتضن التاريخ والحضارة منذ آلاف السنين.
احتراق الأشجار لم يكن خبرًا وانتهى بانتهاء الواقعة التي امتدت من يوم الخميس إلى يوم الجمعة مع استمرار عمليات التبريد والمراقبة خوفًا من تجدد اشتعال النيران!!.
حرائق الغابات ليست أمرًا سهلاً بكل المقاييس .. ولنا في حرائق تركيا .. وحرائق أمريكا .. وقبل أيام حرائق اللاذقية ما يغني عن الشرح .. فالخسائر الناتجة عن الحرائق تطال الكثير من الجوانب المادية والبيئية والأمنية والاجتماعية .. سواء اشتعلت بسبب الإهمال، أو بسبب ضعف الوازع الديني والوطني ..
ويبدو من خلال بعض التصريحات، والمعطيات الأولية أن الحريق كان متعمدًا، دل على ذلك مواقع الحرائق بعيدًا عن الطرقات التي يسلكها أو يستخدمها المصطافون والزوار من محبي الطبيعة .. وأن الحرائق كانت في مناطق وعرة التضاريس .. أضف إلى ذلك اشتعال الأشجار في أكثر من موقع في أوقات متقاربة، أي أن التنفيذ لهذه الجريمة كان مشتركًا على يد أكثر من فاعل، وهذا يعني أنه تم التخطيط له مع سبق الإصرار!!.
إن من أشعل الأشجار حرق معها ذاكرة المكان .. وأشعل سؤالًا في الوجدان: من أشعل النار؟ ولماذا؟ هل نحن أمام عبثٍ مراهقٍ لا يدرك عواقب المزاح؟ أو شباب طائش لا يحسن التعايش مع المكان؟ ولا يتورع عن الإساءة لمقدرات الوطن كلما غاب الرقيب، وتوارى الضمير .. أو أشعلها ثعالب البشر .. فالثعلب يسطو على أقفاص الدجاج يقطع رؤوسها ولا يأكلها .. يغادر المكان ويعود في اليوم التالي ليجمعها بعد أن رمى بها أصحابها .. هؤلاء هم ثعالب البشر الذين يحرقون الأشجار في الصيف ليجمعوها في الشتاء!!.
ساحات شاسعة من الغطاء النباتي في أردننا الغالي .. وما نفقده يصعب تعويضه .. لذا، على الجهات المسؤولة تغليظ العقوبات بحق الفاعلين .. ولكن في الوقت ذاته علينا ألا ننتظر وقوع الحريق لنبدأ في معالجته .. فالأحراش تنتشر في ساكب .. وكفرنجة .. وعجلون .. ودبين .. وجنوب عمّان .. والكرك .. واليرموك وأماكن أخرى .. والاعتداءات لا تتوقف هنا أو هناك .. وإهمال المتنزهين من خلال إشعال النيران، أو إلقاء أعقاب سجائرهم دون مبالاة هو أمر وارد ..
بالأمس .. في حرائق أحراش جرش .. نقول: الحمد لله .. الله سلم في هذه المرة .. فلا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين .. علينا الاستفادة من هذه التجربة وما سبقها من تجارب .. سواء بالتخلص الدوري من الأعشاب الجافة التي تساهم في انتشار النيران بسرعة .. أو شق طرق وتمهيدها في المواقع المناسبة داخل الأحراش .. ومراقبة المواقع - بالرغم من اتساعها - بالطرق والوسائل المناسبة .. وتركيب كاميرات مراقبة تعمل على الطاقة الشمسية .. وتعيين عدد مناسب من الدوريات والمراقبين والحراس في مواقع مختارة من المكان .. ولن يُعجز جمعية البيئة والبلديات ومن يهمهم الأمر إيجاد الوسائل المناسبة لحماية ثروتنا الحرجية والمحافظة عليها.
وبعد .. حين تشتعل الأحراش بفعل فاعل .. لا تسأل عن الفاعل بل اسأل عن الأسرة التي نشأ فيها .. والبيئة التي ترعرع فيها .. وعن التربية التي تلقاها في سني دراسته!!. إن المسؤولية جماعية تبدأ من المناهج التعليمية التي تعلي قيمة المكان والانتماء إليه .. ووسائل الإعلام التي يجب أن تلح على أهمية المحافظة على مرافق الوطن ومكتسباته، وتعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة .. وكذلك مساهمة المجتمع المحلي من خلال التحلي بالوعي البيئي في حماية الثروة الطبيعية، التي تُعد ركيزة أساسية للتوازن البيئي والتنمية المستدامة.
تحية لفرق الإطفاء في مديرية الدفاع المدني .. وتحية لنسور سلاح الجو الملكي والشرطة وقوّات الدرك .. ولمديرية زراعة جرش .. ولكل من شارك في إخماد هذه الحرائق في زمن قياسي ..
حفظ الله الأردن قلعة شامخة يحوطها أبناؤها المخلصون ..
والله من وراء القصد،،،