غلاء الدواء .. داء .. يضاف للداء


عوض ضيف الله الملاحمة
نحن دولة مُنفتحة على كافة أسواق العالم . ولا توجد
قيود فعلية على الإستيراد ، ولا توجد حماية إغلاقية للمنتجات الوطنية . حتى بعد
انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية ( WTO ) عام
٢٠٠٠ ، التي كانت تسمح لبعض الدول بإتخاذ اجراءات حماية إغلاقيه بعدم السماح
باستيراد بعض المنتجات من الخارج حفاظاً على المنتج الوطني وإنسيابية تسويقه في
وطنه الأم ، لم تفرض الأردن تلك الحماية الإغلاقية لبعض المنتجات . مما أدى ببعض
المنتجات التركية والسورية لإغراق السوق الأردني ، وكانت النتيجة إغلاق عشرات
المصانع الأردنية أبوابها ، لعدم قدرتها على منافسة المنتجات المستوردة لا بالسعر
ولا بالجودة .
كل الشكر الى وزير الصحة الأسبق معالي الدكتور / غازي
الزبن ، الذي شكل لجنة عام ٢٠٢٢ م ، لدراسة واقع أسعار الأدوية ، ومقارنتها بدول
المنطقة .
تتكون لجنة تسعير الأدوية من سبعة أعضاء ، برئاسة مدير
المؤسسة العامة للغذاء والدواء ، وعضوية كل من : مدير المشتريات في الوزارة ( نائب
الرئيس ) ، رئيس قسم تسعير الأدوية ، طبيب إختصاص باطني يسميه الوزير ، صيدلي
متخصص في علم الأدوية أو الصيدلة السريرية يسميه المدير العام ، وصيدليين متخصصين
في الإقتصاد الدوائي .
نشطت لجنة تسعير الأدوية ، مشكورة ، ووضعت خطة لإعادة النظر
بأسس تسعيرها . حيث تم تخفيض أسعار عدد من الأدوية المسجلة في المملكة . ففي عام
٢٠٢٢ تم تخفيض أسعار ( ٨٤٨ ) صنفاً دوائياً . وفي عام ٢٠٢٣ تم تخفيض أسعار ( ٦٩٨ )
صنفاً دوائياً . وفي عام ٢٠٢٤ تم تخفيض أسعار ( ٦٢٦ ) صنفاً دوائياً . من أصل (
٩,٠٠٠ ) صنف دوائي مسجل في الأردن . وتراوحت نسبة التخفيض في الأسعار بين ( ١٨–
٦٨٪ ) .
أما عن صناعة الأدوية في الأردن قال رئيس اللجنة السابق : ان
الدواء الأردني موجود في ( ١١٠ ) اسواق عالمية ، ولدينا ( ١١٠ ) خطوط انتاج في (
٣٤ ) مصنعاً ، تنتج ( ٤٨٠ ) صنفاً دوائياً أردنياً .
بلغ إجمالي عدد الأدوية المسجلة في الأردن ( ٤,٤٩٨ ) و ( (
٤,١١٧ ) أدوية مستوردة .
ويحسب سعر الدواء ، على أساس سعر المصنع المدرج في الفاتورة /
الشهادة الصادرة عن الجهة المسؤولة عن اصدار الفواتير / الشهادات ، يضاف اليه
الرسوم الجمركية ، ومصاريف البنك ، والتأمين ، والتخليص ، والنقل الداخلي ، وأرباح
مستودع الأدوية ، والصيدلية ، والنفقات الإدارية ( اذا كانت البضاعة CIF ) .
أنا شخصياً ، أستخدم دواء ( Doxium 500 ) لعلاج
العيون ، حيث انه ينظم وظائف الأوعية الدموية الشعرية ، وهو منتج أجنبي .
كان يباع في السوق الأردني بسعر ( ٢٨,٥ ) دينار ، لكل ( ٣٠ ) كبسولة . نفس هذا
الدواء يباع في تركيا بسعر ( ٣ ) دنانير لكل ( ٣٠ ) حبة . كيف هذا !؟ وأين المنطق
في هذا الفارق الكبير !؟ طبعاً هذا لا يعتبر فارقاً في السعر ، مطلقاً هذا جشع من
تاجر لا يتقِ الله ، في غياب رقابة مطلقة للدولة الأردنية .
كما استخدم دواءاً آخر للعيون إسمه ( preserVision )، صناعة يونانية ، موجود في السوق الأردني ،
تُباع العلبة التي تحتوي على ( ٦٠ ) حبة ، بسعر ( ٢٧,٥ ) دينار . هذا الدواء يباع
في تركيا بسعر ( ٦ ) دنانير للعلبة التي تحتوي ( ٦٠ ) حبة ، كيف ؟ ولماذا !؟ وهل
هناك تفسير غير جشع المستورد ، وغياب الرقابة !؟
وأستخدم شخصياً دواء ( Crestor 10mg )لمعالجة إرتفاع الكوليسترول ، وكان يباع قبل سنوات في السوق
الأردني بسعر ( ٢٣ ) ديناراً تقريباً للعلبة التي تحتوي ( ٣٠ ) حبة ، وهو دواء
مستورد . وبجهود لجنة تسعير الأدوية تم تخفيض السعر الى ( ١١ ) ديناراً تقريباً .
لا أود ان أسرد الكثير من الأمثلة ، حتى أتمكن من التركيز على
إنفلات أسعار الأدوية في الأردن . وهنا علينا ان ندرك تماماً بأن مشكلة إنفلات
الأسعار تكمن في أسعار الأدوية المستوردة ، وليس في الأدوية المُنتجة محلياً .
وهنا ، فأنني أرى انه من الضروري ان أوضح ما يلي :—
١ )) غياب
الرقابة عن تسعير الأدوية لعقود طويلة من الزمن ، سمح للجشعين من المستوردين
باللعب بالسوق ، وتحديد نسب أرباح تشبع جشعهم ونهمهم دون رقيب او حسيب .
٢ )) إقتداءاً
، ببعض الدول ، أرى ان يتم تحديد سعر البيع للأدوية المستوردة ، والأدوية المنتجة
محلياً من قبل لجنة التسعير الحكومية ، بعد التحقق من صحة الوثائق المقدمة المتعلقة
بسعر الاستيراد والتكاليف الأخرى ، وبعد ان تضاف لها نسبة ربح المستورد او
المُنتِج المحلي ، وتحديد نسبة ارباح الصيدليات التي اعتقد انها محددة ومعروفة .
٣ )) أرى
انه على لجنة تسعير الأدوية التحقق والتأكد من نِسب الكميات المجانية التي تُمنح
للمستورد وللصيدليات ، لمعالجة اي خلل يشوب هذه الآلية التي تدعو للتشكك أحياناً .
٤ )) برر
رئيس لجنة التسعير السابق سبب إنخفاض أسعار الأدوية في تركيا ومصر ، حيث قال
نصاً : (( ان تلك الدول لديها تنافسية عالية في التصنيع نظراً للحجم السكاني
الكبير فيها )) . ومن خبرتي ، أرى انه تبرير غير منطقي ، وغير صحيح ، لأسباب عديدة
منها :— ان الدواء الذي نستورده يُنتج في بلده بما يسمى ( Mass
Production ) ، اي الانتاج بطاقة إنتاجية كبيرة جداً او
هائلة ، أكبر من الطاقة الإنتاجية في تركيا ومصر . كما ان الدول المُنتجة للأدوية
ونستورد منها عدا عن حجم سكان تلك الدول ، فانها تصدر منتجاتها الى أغلب دول
العالم .
٥ )) وما
جاء اعلاه ، ينطبق الى حدٍّ ما على الدواء المنتج محلياً ، حيث تعوّض محدودية عدد
سكان الأردن بالتصدير الى ( ١١٠ ) أسواق عالمية ، وفق ما ذكره رئيس لجنة تسعير
الأدوية نصاً .
٦ )) يتبين
من عدد الأدوية التي تم تخفيض أسعارها انها في تناقص مستمر سنوياً . ففي عام ٢٠٢٢
وهو العام الذي تشكلت به اللجنة تم تخفيض أسعار ( ٨٤٨ ) دواءاً ، إنخفض الى ( ٦٩٨
) دواءاً عام ٢٠٢٣ ، ثم حدث إنخفاضاً آخر عام ٢٠٢٤ حيث تم تخفيض أسعار ( ٦٢٦ )
دواءاً . وهو تراجع غير مبرر ، وغير منطقي ، خاصة بعد مرور ( ٣ ) سنوات على تشكيل
اللجنة ، حيث يفترض ان اللجنة قد أصبحت متمرسة ولديها خبرة ، مما يفترض ان يؤدي
ذلك الى زيادة في عدد الأدوية التي يتم إعادة تسعيرها وتخفيض السعر بناءاً على ذلك .
٧ )) لمعالجة
البطء في إعادة تسعير الأدوية ، أقترح تشكيل لجنة مساندة او أكثر لتقوم بدور
المساعدة للجنة الرئيسية ، بتجهيز البيانات والمعلومات اللازمة للجنة الرئيسية .
إلا اذا كان التأخير مُتعمداً ، لإفساح المجال للمستوردين الجشعين لتحصيل المزيد
من الأرباح الفاحشة من جيب المواطن الغلبان .
تشكر لجنة التسعير، على جهودها الطبية التي تصب في مصلحة
المواطن الغلبان ، ونرجو الإسراع في إعادة التسعير للتخفيف عن كاهل المواطن .