شريط الأخبار
الموفد الأميركي براك يصف سلوك الصحفيين اللبنانيين بـ"الفوضوي الحيواني"! عاجل مقتل النائب السابق ابو سويلم ونجله بشفا بدران الأمن يكشف تفاصيل العثور على جثّة فتاة: قتلت خنقا وضبط القاتل بعد محاولته الانتحار إحالة 3 مخالفات رسمية إلى مكافحة الفساد والنائب العام الاحتلال يشن حملة عسكرية على رام الله والبيرة: اصابات و"الجيش" يسرق اموال بنوك و"صرافة" غوشة: على المهندسين الشباب أن يتولوا أدوارًا قيادية في مختلف المجالات قطر: إسرائيل لا تريد اتفاقا لوقف النار في غزة ولا يوجد رد على المقترح الجديد المدعي العام يستدعي اشخاصا ونائب العمل الاسلامي اربيحات بشبهة تلقي تلقيهم أموالً وحوالات من مصادر مجهولة الضريبة: 48 مليون دينار رديات دخل صُرفت منذ بداية العام الملك يطالب المجتمع الدولي خفض التصعيد واستعادة أمن المنطقة واستقرارها. كلاب ضالة تقتحم مدرسة في إربد وتعقر 5 طلاب ومعلمة حزب الله: لن نتخلى عن سلاحنا الذي يحمينا من اسرائيل الهجري يطالب بانفصال السويداء.. والامريكان يدعون دمشق لبديل "للنظام المركزي الشديد"! العثور على جثة فتاة مدفونة بحفرة بمنطقة خالية بعمان جيش الاحتلال يواصل توغله في الجنوب السوري ويصل ريف دمشق الملكة رانيا تلتقي فريق عمل أسبوع عمان للتصميم كيف نوظّف الاعتراف الدولي بدولة فلسطين؟ الملك يغادر في زيارة لاوزبكستان وكازاخستان ذبحتونا: جامعة مؤتة ترفع رسوم 70٪ من تخصصاتها وبنسبة رفع وصلت الى 100٪ الاحتلال يقصف مستشفى ناصر.. و14 شهيدا بينهم صحفيون

كيف نوظّف الاعتراف الدولي بدولة فلسطين؟

كيف نوظّف الاعتراف الدولي بدولة فلسطين؟


 لميس اندوني

لا يمكن التقليل من أهمية التحدّي الذي يمثله الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأميركا وإسرائيل، لكنه اعترافٌ يحمل تصوّرات مختلفة لدى الدول؛ فمنها التي تؤيد إنهاء الاحتلال واستقلال الشعب الفلسطيني، وأخرى، وبخاصة بعض الدول الأوروبية، تجدها إنقاذاً لإسرائيل من تهوّر قادتها المندفعين في وحشيتهم، ومساومة قد تؤدي إلى كينونةٍ فلسطينيةٍ غير واضحة التعريف والمعالم. ولكن كل هذه التحرّكات بلا معنى، إذا لم توقف حرب الإبادة والتجويع في غزّة وترهيب الفلسطينيين وتمدّد المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، فالفلسطيني لا يحتاج وعود تخدير ولا أوهاماً لكسب صمته، وأن لا يعمي البناء على استعداد هذه الدول، وبخاصة الصادقة، على توظيف الاعتراف هذا إلى حملة وآلية لوقف تقسيم الضفة الغربية وغزّة وضمّها إلى إسرائيل، ومنع تشريع الاحتلال الصهيوني إلى غير رجعة.

الأهم ألّا يستكين الفلسطينيون إلى هذا الاعتراف بدولة فلسطين الذي أغضب إسرائيل وأميركا، فعليهم التحرّك على مختلف المستويات، والكفّ عن تجريم المقاومة الفلسطينية وشيطنتها، مهما كانت الانتقادات لها أو كانت أخطاؤها. ومهمٌّ أيضاً توقّف السلطة الفلسطينية عن التنافس على السلطة الموهومة في الضفة الغربية وغزّة المنكوبة، وحركة حماس أيضاً ليست بريئة تماماً من سلطويتها وطموحاتها السلطوية.

ليس هذا وقت جردة حسابات، فالانشغال بتصفية الحسابات مضيعة للوقت واستهتار بالدم الفلسطيني، بدل مواجهة حرب إبادة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية نفسها، لا تفرّق بين فتحاوي وحمساوي، ولا بين فلسطينيي الـ1948 وغزّة والضفّة الغربية ولا الشتات الفلسطيني، وترتهن وجودنا بشرط قبول هوية صهيونية لفلسطين تحذف ماضينا وتسرق مستقبلنا.

أريد أن أتوقّف هنا على إشكالية مفهوم الدولة الفلسطينية الذي يتحدّث عنه الفلسطينيون والعالم، إذ له أكثر من معنى. ... حين بدأ الحديث الفلسطيني عن دولة فلسطينية مستقلّة، كان الحلم الذي شكّل تنازلاً مؤلماً عن هدف تحرير كل فلسطين، لتنحصر بالأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وإن كانت الأغلبية على مرّ السنوات تعتبرها مرحلة، وتمسّك كثيرين منا بحلم دولة واحدة، الذي يصطدم بالهيكلية الكولونيالية العنصرية الإحلالية لدولة إسرائيل، التي لا تسمح بقيام دولة واحدة للجميع من دون تمييز. أي لا يمكن قيادة دولة واحدة على أرض فلسطين إلا بعد تفكيك البناء الصهيوني للدولة، وهذا يشترط انهياراً داخلياً، ومشاركة الإسرائيليين في صنع دولة مغايرة، وإن كان الانحياز إلى اليمين المتطرّف والتأييد المجتمعي لحرب الإبادة يجعل خيار الدولة الواحدة بعيد المنال، خصوصاً أن الفلسطيني يحارب حالياً من أجل بقائه وأهله وبقاء قضيته، وهذا الإقرار ليس استسلاماً، بل توضيح أن خيار الدولة الواحدة بعيد، وإنْ ليس مستحيلاً.

ولكن حتى ما يسمّى خيار الدولة الفلسطينية معقد وكثير الإشكالات، فأميركا وإسرائيل، حتى لمّا كان بعض المسؤولين من الطرفين يتحدّثون عن دولة فلسطينية بشكل غامضٍ أو عابر، لم يكن الحديث عن اعتراف باستقلال الشعب الفلسطيني أو بحق تقرير المصير، بل عن مفاوضاتٍ تجري وفقاً لميزان قوى مختل تفرض فيه أميركا وإسرائيل شروط ما قد تسمّى دولة فلسطينية، فلم تقر أميركا يوماً بإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية، وإنما وفقاً لخريطة تفرضها إسرائيل كما تشاء، وثبت مراراً أن الذي كانت تسميه أميركا "دولة فلسطينية"، وما قدّمته إسرائيل من اقتراحات هو كينونة ممزّقة محاطة ومخترقة بالمستوطنات ونقاط تفتيش ومراقبة للجيش الإسرائيلي، فاقدة السيادة على الأجواء فوقها والأرض وما تختزن في جوفها من مياه أو ثروات إذا وُجدت.

 كان هذا جوهر كل الاقتراحات الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، وما عرض على الرئيس الراحل ياسر عرفات في كامب دايفيد في 2001، فرفضه فشنّت عليه أميركا وإسرائيل حملاتٍ واسعة، ووصفتاه بعدو السلام الذي يرفض سخاء الإسرائيليين وكرمهم. ... الأخطر والأقذر أن أميركا وإسرائيل لم تعرضا على عرفات كينونة مسخاً تبقى تحت سيطرة إسرائيل فحسب، بل اشترطتا كذلك التخلّي عن حق العودة والقدس ومصادرة حقّ الأجيال الحالية والقادمة في المطالبة بحقوقهم التاريخية والوطنية والقانونية، كما تنص عليها قرارات الأمم المتحدة التي أكّدت أنها حقوق "غير قابلة للتصرّف". لذا، أرادت إسرائيل وأميركا توقيع عرفات على التنازل عنها لإنهاء الحقوق الفلسطينية إلى الأبد، وهي معادلةٌ لا يمكن لأي فلسطيني القبول بها، ولم تغيّر الرؤية الإسرائيلية، بل ازدادت جشعاً، فم تعد تصبر على تنفيذ المخطط الصهيوني وضم كل الأراضي المحتلة إليها على مراحل، بل شنّت مجازر الإبادة والتجويع لمحق الفلسطينيين وإزالتهم من طريقها.

ليس ضمّ الضفة الغربية مشروع الحكومة الصهيونية اليمينية، بل كان جلياً منذ بدء بناء المستوطنات بعد حرب 1967، تحت رعاية حكومة حزب العمل الإسرائيلية، فبناء المستوطنات جلب يهوداً من إسرائيل ودول العالم للسكن والاستيطان، ما يعني مصادرة أراضي الفلسطينيين وتدمير بيوتهم وتشريدهم. واستمرّت العملية لتحقيق يهودية الدولة وطمس الهوية الفلسطينية بالرغم من تعارضها مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن واتفاقية جنيف الرابعة التي تحرّم نقل سكّان إلى داخل أراضٍ تحت الاحتلال وتغيير التركيبة الديمغرافية فيها. واستمرّ ذلك، بل وتصاعد بعد اتفاق أوسلو بغرض منع إقامة كينونة فلسطينية، وتضاعف عدد المستوطنات حتى حاصرت كل القرى والمدن الفلسطينية، وقطعت التواصل بين المدن الفلسطينية، وسُلِّح المستوطنون حتى قبل هجماتهم الشرسة أخيراً على المدن والقرى، فكانت الاعتداءات مستمرّة على المواطنين الفلسطينيين وسدّ الطرق عليهم، حتى أصبح ذلك جزءاً من الحياة اليومية للفلسطينيين، في رسالة إسرائيلية واضحة أن من يبقى لن تكون حياته سهلة، فـ"يهودا والسامرة"، كما يسمون الضفة الغربية "لنا إلى الأبد".

فلا عجب أن يكون من وضع خطة تسريع عملية الضم أحد قادة المستوطنين، ووزير المالية حالياً بتسلئيل سموترتش، فأطلق ما سمّاها "خطّة الحسم" عام 2017، التي بدأ بتنفيذها عملياً بالمباشرة في وصل أكبر مستوطنات معاليه أدوميم بالقدس وتقسيم الضفة إلى جزءين: شمالي وجنوبي، لعزل الفلسطينيين تمهيداً لضم الضفة الغربية، وهي ليست أفكاراً جديدة تماماً، ففي التسعينيات أرادت إسرائيل بناء مستوطناتٍ تصل معاليه أدوميم بمدينة القدس. ولكن حينها كان أثر للانتقادات العالمية والاحتجاجات في الدول العربية، غير أن الوضع تغير، بالرغم من أن الولايات المتحدة، قبل انتقال الرئاسة من باراك أوباما إلى ترامب عام 2016، وافقت ولم تمارس حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أكّد مجدّداً أن لا مستند قانونياً لإقامة المستوطنات. أي إن اللحظة ملائمة لحملة دولية تستفيد من الاعتراف بدولة فلسطين لتجريم إسرائيل عالمياً وقانونياً على مخطّطها الاستطياني واحتلال غزّة.

لا يأبه الفلسطيني العادي، وبخاصة في غزّة وداخل فلسطين، بالاعتراف بدولة فلسطين أو يصدّقه، ولكن يجب اغتنام اللحظة استراتيجياً لوقف حرب الإبادة والاندفاع الاستيطاني والتركيز على عدم مشروعية الاحتلال وعزله. ... وتحقق الحركات الشعبية مكتسبات وموقف دول وشخصيات عالمية، وعشرات آلاف من الجيل الجديد أصبحوا عملياً مقاتلين من أجل فلسطين. لكن الخوف أن يضيع الزخم باستمرار الخلافات الفلسطينية، وبغياب قيادة موحّدة لديها رؤية تحرّرية، فإذا لم تحرّكنا وتُحرِّك القيادات حرب الإبادة ومشاهدة اختفاء فلسطين أمام أعيننا، فعلى أيدينا جميعاً، وبالأخص القيادات، دماء أهل غزّة وفلسطين.

العربي الجديد