كيف ندير خلافاتنا النقابية؟ لمصلحة من إشاعة الفوضى في صناديق النقابة؟


د. موسى العزب
يعيدنا السجال الحالي في صندوق "التأمين
الصحي الإختياري للأطباء"، إلى الخلاف المزمن بين نقابة الأطباء وشركات
التأمين في ملف "الصندوق التعاوني للأطباء" والممتد لأكثر من عقدين، كما
أنه يكشف عن عمق الأزمة التي تعاني منها المنظومة الصحية بشكل عام، ومدى عجز السياسات
الصحية في الإجابة على التحديات الحقيقية في هذا القطاع، ورغم الساعات الطويلة من
المفاوضات والعدد الكبير من اللقاءات والإتفاقيات المبرمة، إلا أن شركات التأمين
ما زالت تناور، وتتملص من إلتزاماتها، وتصر على تكريس دورها المهيمن في تحديد قيمة
قسط التأمين، ومقدار حصة الطبيب، وسوية الخدمة المقدمة للمريض، ضاربة عرض الحائط
بمبدأ الشراكة والعدالة.
نفهم بأن هناك خصومة
مؤبدة بين شركات التأمين الربحية وأي تنظيم إجتماعي يعمل على توفير حماية صحية أو
مجتمعية للمواطن بكلف معقولة بعيدا عن أخلاقيات السوق والأرباح الفاحشة للقطاع
الخاص.
ولكن السؤال: لماذا تعادي بعض التيارات النقابية
صناديق النقابة غير الربحية، وتعمل على توتيرها وإفشالها؟؟
هل للأمر علاقة هنا
بكون عدة تيارات نقابية أساسية تخوض الإنتخابات ومنذ عدة دورات، والبند الأساسي في
برنامجها هو تصفية صناديق النقابة؟!!
أنظروا إلى أي هاوية
بلغها صندوق تقاعد الأطباء!!
ولكن لمصلحة من تقوم
بذلك؟؟ هل هي بسبب الدوافع الإنتخابية فحسب؟ أم خدمة لأجندات خارجية، ومصالح
شخصية؟!
ما أن أفصح صندوق
التأمين الصحي للأطباء عن وجود وفر في صندوقه بمبلغ مليون ونصف مليون دينار حتى
تدخلت أياد كثيرة للفوز بالغنيمة.
إذن جوهر الأزمة هنا أبعد من مجرد خلافات
بالرؤية بين نقابة الأطباء وشركات التأمين،
وإلا لماذا يتدخل مجلس
النقابة بشكل فج وعنيف ليفتعل التوتير في صندوق ناجح، ويفرض الهيئة الإدارية التي
يريد، ضاربا عرض الحائط بالقانون والأعراف النقابية؟
هل هي مجرد مخالفة
نظامية ناتجة عن ضعف الخبرة وسوء الفهم -في مجلس نقابي جاء قبل أربعة شهور بأساليب
(غير مشروعة) ما زلنا نعاني من تبعاتها حتى الآن- أم هي إستجابة لمشروع يحاول
إخضاع كل النظام التأميني في الوطن إلى نظام الخصخصة، من خلال تعطيل دور النقابات
ومؤسسات المجتمع المدني من تنظيم آليات الحماية الصحية والمجتمعية التي تقام
بمبادرات ذاتية منظمة.. في وقت يُحرم فيه حوالي 30% من المواطنين من أي نظام
تأميني كريم ولو بحده الأدنى، بينما تتهرب فيه الحكومات من مسؤولياتها في حق حصول
المواطن على الرعاية الصحية اللائقة التي تضمنها مجموعة المواثيق الدولية والعهد
الدولي لحقوق الإنسان، فيما تُترك مؤسسات المجتمع المدني تتصارع فيما بينها،
لتضخيم القطاع الخاص، وطغيان نظام صحي يحركه السوق والربح ومراكمة الفوائد
التجارية الظالمة.
ولا يجب أن يغيب عن أعيننا لساعة واحدة، بأن معظم
شركات التأمين ليست سوى إمتداد وأذرع لشركات تأمين أجنبية، تمثل رأس المال المالي
الطفيلي، وتشكل جزءا مؤثرا من تحالف السلطة ومراكز الضغط المؤثرة، مما ينعكس سلبا
على مستقبل تنمية هذا القطاع، وإخضاعه لجشع القطاع الخاص، وبعض مراكز القوى في
النقابات المهنية، ومراكز القرار.
نحن المتضررون في صندوق
التأمين الصحي، لا نعتبر أنفسنا في خصومة شخصية مع هذه الهيئة الإدارية أو تلك،
ولا مع هذا التيار أو ذاك، ولا حتى مع نقابتنا كهيئة نقابية إعتبارية، ولكننا نجد
أنفسنا في تناقض جوهري مع نهج وسياسات تسعى إلى تحطيم مبادرات وإنجازات قوى
المجتمع المدني المنظمة (نقابات مهنية وعمالية ومجتمعية منظمة) لصالح إحتكارات
السوق وهيمنته.
للعلم صندوق التأمين
الصحي للأطباء، من أكثر الصناديق النقابية نجاحا.. يدار بمنهجية تطوعية تعاونية
ذاتية، ويشكل الملجأ الأخير في الحصول على رعاية صحية كريمة لحوالي خمسة آلاف طبيب
مع عائلاتهم معظمهم لا يتوفر لهم أي شكل تأميني آخر، وسنعمل بكل الوسائل
المتاحة لمعالجة الخلافات، وتصحيح الإختلالات التي فرضت على الصندوق، بالأدوات
النقابية، والمسار القضائي، والرأي العام الشعبي لإنصاف الأطباء وعائلاتهم.
في الوقت الذي ندعو فيه إلى ضرورة تطبيق مبدأ
"التأمين الصحي الشامل" كحل لمعظم المشاكل والتحديات التي يواجهها
النظام الصحي. وقد بات لزاما على الحكومة إعادة التفكير في منهجية تعاملها مع
الرعاية الصحية، كحق وواجب دستوري، على الدولة توفيره للمواطن بعدالة وجودة..