دعوة للرشد
الحكومة والمزاج الشعبي الحاد
توقفت الحكومة، وفق بيان صدر بلسان رئيسها د. بشر الخصاونة، عند ما شهدته البلاد أخيراً من جدل، بلغ حد التعصب، حيال "آراء" أدلى بها عضوان في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
بيان الحكومة أشار إلى شقين:
الأول: ما اعتبره "زعزعة لأوضاع المجتمع وموروثه القيمي والديني والثقافي"، وقصد بذلك ما تحدث به عضوا اللجنة.
الثاني: ما أسماه "مظاهر التّنمر"، المُفضية إلى "تهديد سلامة وحياة البشر"، متهماً فيها "عناصر موغلة في التطرف"، وقصد بذلك من رد على عضويّ اللجنة.
أحسنت الحكومة بإعلان "رأي" أو "موقف"، حيال ما شهدته بلادنا، لكنها بما أعلنت صمتت عن جوهرٍ يثير القلق، وربما يثير ما هو أعمق من ذلك.
في بيانها، لم تُلق الحكومة بالاً لـ "المزاج الشعبي الحاد"، وربما الموغل في الحدّية، ليس فقط تجاه رموز المؤسسة الرسمية ونهجهم وسياساتهم وأفكارهم ورؤاهم (إن وُجِدت)، بل تجاه البنية الشعبية عينها، في أبعادها وتمايزاتها الثقافية والفكرية والدينية والاقتصادية.. إلخ.
حدّية عميقة، لا علاقة لها برأي مخالف، أو قول فيه تطاول، فالتباين والاختلاف - في هذا - مثير للفكر ومدعاة للبناء، لا أداة للتهديد ومعول للهدم.
ليس بعيداً، أربكت مواقع "السوشيال ميديا"، خلال امتحانات الثانوية العامة، المؤسسة الرسمية بالمزاج الحاد نفسه، ووجدت الحكومة نفسها مضطرة للانحناء، والوطن برمته سار خلف "موجة إلكترونية".
للأمر – أيضاً - وجه آخر، إذ لم يسأل أحدنا نفسه إن كانت اللجنة، التي ينتسب لها العضوان، لتثبيت السائد، الذي سئمنا، أم لتغييره وتطويره؟، فإن كانت لتثبيته فليستقيل كل مختلف في تلك اللجنة، أما إن كانت لتغييره فليكن لنا موقف (رغم جملة الملاحظات التي أسجلها على اللجنة وعضويتها وطريقة اختيارها وعملها.. إلخ).
نرفض ما ذهب إليه عضوا اللجنة، لكننا - أيضاً - لا ننكر عليهما الحق في الاختلاف، ولا نتمادى في خلافنا معهما برفض اعتذارهما أو توضيحهما، فإن تَطرّفا وتَطاولا، فحريّ بنا ألا نقترف الفعل ذاته، وإن فعلنا فلا بد من مراجعة.
الدول، الساعية على غد مأمول، تسارع – في حالات مشابهة – لمسح اجتماعي، يبحث المزاج العام، فإن تطرّف، تسعى بجد للعودة به إلى مربع الاعتدال، بتوفير البيئات اللازمة، التي تضمن وحدها سلامة الوطن بمختلف تراكيبه.
لكن في بلادنا، هذا لم يحدث سابقاً، وكأن الأمر لا يعدو واحداً من أوجه الترف، فيما تسارع حكوماتنا إلى الحديث عن الممنوع والمسموح، والخطوط الحمراء والأقل حُمرة، والدوريات الإلكترونية المثيرة للسخرية، مقدّمة لهذا بديباجة بالية من الترهيب.
للتعليق على المقال والتواصل مع الكاتب: اضغط هنا