مبادرة وزير الداخلية .. مبادرة منطقية


عوض ضيف الله الملاحمة
لا أدري لماذا لم يتقبل
بعض الأردنيين مبادرة معالي / مازن الفراية ، وزير الداخلية ؟
وحرفوا الهدف من
المبادرة الى الإختصاص من عدمه . لا يا سادة ، المبادرة من صُلب إختصاص وزارة الداخلية
، وللتدليل : من هي الجهة التي تعتمد العطوات ، والصلحات والتسويات العشائرية ؟ ثم
أذكِّر بمهام الحكام الإداريين ، الذين يتبعون الوزير ووزارته . وكذلك من ينظم
حملات التوعية المرورية ؟ والتوعية من المخدرات وغيرها . والأهم أليس إسمها وزارة
الداخلية ، أي ان الشأن الداخلي من صُلب إختصاصها .
لا أُحبّ السلبية في
التفكير . ولا أُحبّ الرفض المطلق لكل ما يأتي من الجهات الرسمية .
ربما نسي ، او تناسى ،
او تجاهل البعض ان معالي / مازن الفراية ، بداية هو إبن الأردن ، ونشأ وترعرع في
أحدى قراها . ولم يهجرها ، ولم يغادرها ، ولم يتجنس بعدة جنسيات . وعلى الأقل انه
لم ينزل علينا بالباراشوت . ولم يبتعد ولو قيد أَنملة عن واقعنا . كما علينا ان لا
ننسى انه إبن جيشنا العربي الباسل.
والأهم انه لم يتنكر
لعاداتنا وتقاليدنا الأردنية الأصيلة . كما ان العديد من ابناء المناطق الأردنية ،
والعشائر الأردنية الأصيلة قد تقدموا بمبادرات طيبة تحض وتحث على تخفيف الأعباء عن
كاهل أولياء الأمور . فهل ما يحق لغيره لا يحق له ؟ أستغرب !؟
معالي الوزير إبن
الأردن ، وهو متعايش مع معاناة الأردنيين منذ نعومة أظفاره ، ويعرف كافة تفاصيل
حياتهم . معاليه ابن قرية أردنية كركية فقيرة ، وإبن عسكري أردني ، عاش شظف
العيش.
أعتقد انه للمرة الأولى
يُصدِر وزير عامل مبادرة لإجراء بعض التعديلات على بعض العادات والتقاليد
المجتمعية السلبية . وعليه أعتبرها سابقة إيجابية ، بل رائعة ، وغير مسبوقة .
أطلق معالي / مازن
الفراية ، وزير الداخلية مبادرتين متتاليتين ، لهما علاقة في تنظيم وتخفيف الأعباء
والكُلف الإجتماعية . وللدقة في الطرح ، فقد جاء في المبادرتين ما يلي : [[
إقتصار بيوت العزاء على يومِ واحدٍ فقط ، بدلاً من ثلاثة أيام ، مع إقتصار تقديم
الطعام على ذوي المتوفي . كما أشارت المبادرة الى تقليل حجم الدعوات والجاهات
التقليدية . كما تدعو المبادرة الى الإكتفاء بإقامة حفلات الزواج ضمن نطاق محدود
لا يتجاوز ( ٢٠٠ ) شخص ، وعدم تسيير مواكب الأعراس التي تسبب إرباكاً مرورياً ،
إضافة الى تحديد الجاهات بعدد لا يزيد عن ( ٣٠ ) شخصاً من ذوي العريس ، مع عدم
دعوة أصحاب المناصب السياسية لترؤس هذه الجاهات . كما تؤكد المبادرة على أهمية
تخفيض المهور ، وتبسيط متطلبات الزواج بما يسهل على الشباب الإقبال عليه ، في ظل
ارتفاع التكاليف الذي دفع بعضهم للزواج من خارج البلاد ]] .
ببساطة ، وبوضوح تام ،
الغاية من المبادرة تخفيف الأعباء والكلف المالية على الناس ، خاصة غير
المقتدرين ، وبالذات في الظروف الحالية الصعبة .
من الجدير ان نذكر ان
الغالبية المطلقة من الشباب يتحمل أولياء أمورهم نفقات زواجهم ،حيث يضطر
معظم الآباء الى بيع قطعة أرض لتزويج إبنه . ومع تقلص تملك الأردنيين للأراضي وعجز
الآباء عن تقديم الدعم ، إضطر الشباب الى العزوف عن الزواج ، او تأخير فكرة الزواج
حتى يصبح مقتدراً مادياً.
أرى اننا بحاجة
الى هكذا مبادرات لان المجتمع الأردني يبالغ مبالغة شديدة ومفرطة في المناسبات
بمختلف انواعها . وتتزامن تلك المبالغات والتباهي مع ظرف إقتصادي صعب للغاية .
فالشباب يعزفون عن
الزواج بسبب ارتفاع الكلف . مما رفع معدل سن الزواج بين الشباب الى ( ٣٢ ) عاماً .
كما رفع سن الزواج لدى الصبايا حتى اصبح ( ٢٧ ) عاماً . وزادت نسبة العنوسة
. وتسببت المبالغة في تكاليف الزواج الى إرتفاع نسبة الطلاق خلال فترة الخطوبة
، وبعد الزواج الى نسب عالية بسبب عجز الخاطب عن توفير متطلبات المخطوبة ، مما
يؤدي الى فسخ الخطوبة . وكذلك ارتفعت نسبة الطلاق بعد الزواج بسبب عدم تمكن الزوج
من توفير حياة كريمة لزوجته لأن الديون تُثقل كاهله .
أما فيما يتعلق بعدم
تصدُّر السياسيين المناسبات كالجاهات . فهذه مبادرة اكثر من رائعة ، لان
الكثير من السياسيين تاريخهم ليس مُشرفاً أثناء خدمتهم العامة ، فيلجأون لتبييض
صفحاتهم الملطخة بالسواد والفساد عن طريق ترأس الجاهات . ويصبحون في الواجهة ، وفي
مقدمة الصفوف وهم ليسوا جديربن بها . وما أكثر السياسيين السابقين الفاسدين وربما
الساقطين أخلاقياً الذين يتصدرون الجاهات . ومن حسنات المبادرة الحدّ من نشاط
هؤلاء.
درست في جامعة بغداد
خلال الأعوام ( ١٩٧١ — ١٩٧٥ ) في كلية الآداب / قسم الأدب الإنجليزي . وكانت نسبة
البنات تطغى على نسبة الشباب من الطلبة . كما كان الإقبال على دراسة الأدب
الإنجليزي من بنات الأثرياء كبيراً . وسأذكر لكم حالتين من زميلاتي وبنفس الشعبة .
إحدى البنات العراقيات كانت تأتي كل يوم من أيام الاسبوع في سيارة مختلفة ، وهذا
يعني ان والدها يمتلك ( ٦ ) سيارات خاصة ، في ذلك الزمان . كما كانت لديّ زميلة إذا
لبست بنطالاً او تنورة لا تلبسها مرة ثانية ، وهذه المعلومة من زميلاتها اللاتي
يراقبن ملابسها . وإتخذت إدارة الجامعة قراراً بفرض الزي الموحد على كافة الطلبة
والطالبات ، لمواجهة تلك الظاهرة السلبية .
كما انه من المنطق ان
نرقب محدودية من يشاركون في الجاهات في جمهورية مصر العربية الشقيقة ، والجمهورية
العربية السورية الشقيقة ، حيث يقتصر الحضور على افراد العائلتين فقط ، وتُقدّم (
الشربات ) على صينية واحدة ، مما يؤكد محدودية عدد الحضور .
لا أعرف معالي / مازن
الفراية ، وزير الداخلية ، ولم التقيه الا مرة واحدة على دعوة عشاء قبل حوالي
الشهرين في منزل جاري الطيب ، الكريم ، الأصيل الباشا / شبيب ابو وندي .
وأختم ، وأقول ، أننا
بحاجة الى هكذا مبادرات لمواجهة السلبيات التي إجتاحت مجتمعنا ، وأثقلت كاهل
أولياء الأمور ، وزادت من نسبة العنوسة بين الصبايا ، واجبرت الشباب على
العزوف عن الزواج نهائياً ، او الإضطرار للزواج في سنٍ متأخرة ، وكل هذه السلبيات
تضر بمجتمعنا أفدح ضرر .