شريط الأخبار
جيش الاحتلال يعتقل ويصيب 70 فلسطينيا ويُخلي عشرات منازل ويدمر شوارع وبنى تحتية شمال الضفة تعثر تشكيل القوة الدولية يفاقم التوتر ويعزز الدور التركي-القطري بتوجيهات ملكية.. العيسوي يعود مصابي "مداهمة الرمثا" وينقل اعتزاز الملك وولي العهد بهم الجيش يحبط محاولة تسلل 5 اشخاص عبر الحدود خلال عمل الشركة بالاردن.. ليبيا تحبس مديرا لشركة رسمية يهدر 15 مليون دولار العيسوي: التحديث السياسي والاقتصادي مشروع وطني متكامل بقيادة الملك الاحتلال يغرق غزة بمواد ترفيهية والخلويات ويحظر الادوية والاساسيات مسؤول أمريكي: أوكرانيا توافق على خطة ترامب لإنهاء الحرب منظمات حقوقية إسرائيلية:تصاعد تعذيب الأسرى خلال الحرب.. سكب ماء مغلي وهجمات الكلاب واغتصاب نائب الملك يفتتح غرفة القيادة والسيطرة في مركز تدريب العمليات الخاصة دراسة لـ"ذبحتونا": الجامعات الحومية باتت خاصة ومسلسل رفع الرسوم متواصل "الدستور" تحصد جائزة التميز الإعلامي العربي من جامعة الدول العربية نقابة المهندسين الأردنيين تُبرم اتفاقية مع الضمان الاجتماعي لإعداد دراسة اكتوارية لصندوقي التقاعد والتأمين الاجتماعي المخبز الأردني المتنقل في غزة ينتج 11 مليون رغيف خبز منذ بداية العام مديرا المخابرات والأمن العام يطمئنان على مصابي مداهمة الرمثا مجلس النقباء يشيد بجهود الامن بحماية الوطن واستقراره البدور: تعيين 3 الاف موظف في "الصحة" العام المقبل ورقة السياسات والاستراتيجية: الأردن الذي نريد – خارطة طريق للنمو الشامل والمستدام جيش الاحتلال يطلق عملية عسكرية واسعة شمال الضفة "مداهمة الرمثا" تنتهي فجرا.. مقتل المطلوبين الشقيقي واصابة 3 رجال امن

لماذا نموت ؟

لماذا نموت ؟


د. عاصم منصور

يقدّمُ فينكي راماكريشنان في كِتابه Why we die رؤيةً متكاملةً للشيخوخةِ والموتِ بوصفِهما نتيجةَ مسارٍ طويلٍ منَ التّطور البيولوجي، لا مجرّدَ خطأٍ أو لعنةٍ تُلاحقُ الإنسان، وينطلقُ المؤلّفُ من سؤالٍ يبدو بسيطًا في ظاهرهِ: لماذا نَشيخُ ونموتُ؟ فالإجابة عن هذا السُّؤال تقودُنا إلى قلبِ علاقتِنا بأجسادِنا وبالعلمِ وبالمعنى الذي نمنحَه للحياةِ ذاتها.

يرى المؤلّف أنّه في مراحل عمر الإنسان الأولى يكون في قمّة عطائِه الجسدي وقدرته على التّكاثُر، لكن هذا الجسد يبدأ بفقدانِ قدرتِه مع التقدّم في العمر، فتُترك الطّفراتُ الضّارة والاختلالاتُ الصّغيرةُ لتتراكم في الخلايا والأنسجةِ من دُونِ إِصلاحٍ كامل.

ومع مُرورِ السّنوات، تتضرّرُ المادةُ الوِراثية، وتفقدُ البروتيناتُ استقرارَها، وتضعفُ الأجسام المسؤولةُ عن إنتاجِ الطّاقة، وتتراجعُ كفاءةُ أنظمةِ الإصلاحِ الخلويّة، فتظهرُ أمراضُ الشيخوخةِ التي نعرِفُها مثل السرطان، وأمراضُ القلب، والزّهايمر، وغيرها.

 هكذا تصبحُ الشيخوخة، في منظورِ الكِتاب، عمليةٌ بيولوجيةٌ يمكنُ فهمُها وقياسُها وتتبُّع مساراتها، لا لُغزًا غامضًا خارجَ نطاقِ المعرفة.

لكنّ الكتابَ لا يتوقّفُ عندَ وصفِ ما يَحدُثُ داخِل الخلايا، بلْ يعرجُ على ما يفعَلُهُ العُلماءُ بهذهِ المَعرفة. فمعَ فهمٍ أعمقَ لمساراتِ الأَيضِ وللجُزيئاتِ المُنظّمةِ لعمرِ الخليّةِ بدأَ الباحثونَ ينجحونَ في إطالةِ عُمرِ بعض الكائناتِ البسيطةِ كالدُّودِ والذّبابِ والفئران عبرَ التَّلاعُب بجيناتِها أوْ أنظمتِها الغِذائيَّة.

كما ظهرتْ أدويةٌ ومركّباتٌ تعبّرُ عن طُموح الإنسانِ في «تبطيء الساعةِ البيولوجيةِ»، وهذه تهدفُ ليسَ فقط إلى زيادةِ عددِ السّنوات، بل إلى إطالةِ مرحلةِ الصِّحة والعافية، بحيثُ لا يتمُّ إضافةُ سنواتٍ من الوهن والمرض.

منْ هذا المنظورِ العلمي الطّمُوح، ينتقلُ المؤلف إلى مساحةٍ أكثرَ تعقيدًا، هيَ مساحةُ الأخلاقِ والمجتمعِ والمعْنى. فلو افترضْنا أنَّ العلمَ استطاعَ فعلًا أن يُمدَّ في أعمارِنا عُقودًا إضافية، فمنْ الذي سيستفيدُ من هذه الإضافة؟ وهل ستكونُ تقنياتُ إطالةِ العُمرِ حِكرًا على الأغنِياءِ وسكّانِ الدّولِ المتقدّمة، فيتّسعُ بذلكَ الفارِقُ بينَ طبقاتِ البشرِ؟ وماذا عن أثرِ ذلك على الكثافةِ السّكانيةِ والمواردِ والبيئة، في عالمٍ يُعاني أصلًا من ضُغوطٍ هائلةٍ على الغذاءِ والماءِ والطاقة؟ ثمّ كيفَ سيُعادُ تشكيلُ سُوقِ العملِ وأنظمةِ التَّقاعدِ والعلاقاتِ بين الأجيال؟

لا يكتفي المؤلِّف بهذه الأسئلة الواقعيَّة، بل يتوغَّل في البُعد الفلسفيّ والوجوديّ للمسألة، فالموتُ، رغم ما فيه من مأساةٍ وألم، هو الحدُّ الذي يُعطِي لحياتِنا شكلًا ومعنىً. فإدراكُنا أنَّ الزمنَ محدودٌ هو ما يَدفعُنا إلى الإنجازِ وتحقيق الذّات.

إن سعي العلمِ إلى تحسينِ نوعيَّةِ حياةِ الإنسانِ في شيخوخَتِه طموحٌ مشروعٌ بشرطِ ألّا يتحوَّلَ هذا المسعى إلى هوسٍ بالخلودِ أو تجاهلٍ للأسئلة الأعمقِ حول نوع الحياة.

فيجب أنْ ترافقَ أبحاثُ إطالةِ العُمرِ مناقشاتٌ واسعةٌ حول العدالةِ الاجتماعيةِ وتوزيعِ الموارد، وحول مسؤوليتِنا تجاه الأجيالِ القادمة، وحول الصّورةِ التي نرغبُ أنْ يكونَ عليها الإنسانُ التي توازنُ بين طولِ الحياةِ وعُمقِها وجودتِها ومعناها.

الشيخوخةُ والموتُ هُما ثمرةٌ من ثمارِ شجرةِ الحياةِ ذاتِها، وأنَّ محاولةَ فهمِهما أو حتى تأجيلِهما لا بدَّ أنْ تكونَ مُرتبطةً دائمًا بفهمِنا لمنْ نكون، ولماذا نحيا أصلًا.

فقد حدَّدَ دينُنَا الحنيفُ بوضوحٍ الغايةَ من وجودِنَا، وهي عبادةُ الله وعمارةُ الكون، لذلك لا ينبغي أنْ ننظرَ إلى الشيخوخةِ والموت بوصفهِما نهايةً حتميَّةً لحياةٍ عابِرة، بل مرحلتينِ في طريقٍ أَطولَ يمتدُّ إلى الآخرة. فموتُ الجسد هو بوابةٌ لحياةٍ أُخرى وحلقة في سُنَّة التداول بين الأجيال، وبهذه الرُّؤيَةِ يستعيدُ الزمنُ معناهُ وتستقرُّ الشيخوخةُ والموتُ في مكانهما كجُزءٍ من رحلةِ الإنسانِ إلى ربّه، عندها سنتمكن من طرح السؤال الصحيح: لماذا نحيا؟

 

·       نقلا عن جريدة الغد