شريط الأخبار
بعد شهرين من المراقبة.. احباط تهريب مليون 200 الف حبة مخدرة (فيديو) لا يحصل إلا مع العرب! امريكا تطالب لبنان بقنبلة القتها اسرائيل ولم تنفجر ببيروت حملة دولية واسعة لإطلاق سراح مروان البرغوثي جيش الاحتلال يتوغل مجددا بقوات كبيرة في “القنيطرة” السورية الجيش الأمريكي يدمر 15 موقعًا لاسلحة داعش جنوب سوريا أبو رمان: سأتقدم ببلاغ للمدعي العام بحق هيئة النقل إذا لم تمتثل لقرار "مكافحة الفساد" الشواربة: 45 مليون دينار ايرادات الامانة من مخالفات السير حتى نهاية ايلول كيف تُسهم الجامعات بإعداد خريجين قادرين على المنافسة في سوق العمل؟ العيسوي: الديوان الملكي كما أراده الملك بيت وملاذ لجميع الأردنيين رفع اسعار البنزين نصف قرش للتر والديزل قرشان للتر الملك يحضر حفل تنصيب رئيس جمهورية باربادوس ولي العهد يهنيء للاعب اردني ميدالية ذهبية عالمية الحكومة تعتمد فترة خدمة العلم بثلاثة اشهر الاعدام لقاتلين سمما صديقهما بعد استدراجه للبنان.. وهاتف الضحية يكشف الطابق القبض على مجموعة جرمية امتهنت الاتجار بالبشر باستغلال عاملات المنازل الهاربات هيئة مستثمري المناطق الحرة: استيراد مركبات "الزيرو" خارج الحسابات.. وازمة بالقطاع تقرير أمريكي: عقبات وصعوبات تواجه خطة ترامب لنشر قوات دولية بغزة الجغبير: تطوير العلاقة بين الغرف يسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بين البلدين التعليم العالي يفتح باب تقديم طلبات البعثات والمنح والقروض الجامعية منح جامعية لأبناء متقاعدي الضَّمان في جامعتي الزّرقاء وعمّان العربيّة لمن لا تتجاوز رواتبهم التّقاعدية عن 275 ديناراً

"الثورة التاتشرية".. والعودة الى المجتمع كبنية أساسية للاقتصاد الناجح

الثورة التاتشرية.. والعودة الى المجتمع كبنية أساسية للاقتصاد الناجح


وائل منسي

بينما كانت بريطانيا تُعيد رسم معالم اقتصادها وسياساتها في أواخر الثمانينيات، أطلقت مارغريت تاتشر عبارتها الشهيرة: "ليس هناك شيء اسمه مجتمع، هناك أفراد، رجال ونساء وعائلات."

 لم تكن جملة عابرة، بل تحوّلت إلى حجر الأساس للفلسفة الاقتصادية النيوليبرالية التي تمددت لاحقًا إلى أوروبا والعالم، فغيّرت قواعد اللعبة وفتحت الباب أمام عقود من التحولات العميقة في علاقة الدولة بالسوق، والفرد بالجماعة، والمال بالقيم.

لقد شكّلت تلك اللحظة بداية مشروع اقتصادي يقوم على تقليص دور الدولة، وخصخصة الخدمات، وتحرير الأسواق، وتفكيك النقابات، وإعلاء شأن الفرد بوصفه المسؤول الوحيد عن نجاحه أو فشله

وباسم "الكفاءة" و"الانفتاح" و"التحفيز"، بدأ تفكيك البُنى التي كانت تحمي الطبقات الوسطى والدنيا، ليُزرَع في الوعي العام أن الفقر مجرّد فشل فردي، وأن الثراء مهارة شخصية لا ترتبط بالظروف الهيكلية أو السياسات العامة.

لكن التاريخ لا يرحم، والزمن كفيل بفضح الثغرات

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على "الثورة التاتشرية"، تقف بريطانيا ومعها أوروبا أمام أعراض مرض اقتصادي لا يمكن إغفاله: نمو بطيء، فجوات اجتماعية تتسع، تآكل الطبقة الوسطى، ديون مرتفعة، انكماش الصناعة، وانحسار القدرة الشرائية. المستشفيات العامة تعاني، المواصلات تنهار، الجامعات تغرق في الرسوم، وسوق العمل يتحول إلى فضاء هش لا يوفر الأمان ولا الاستقرار. لقد بدأت آثار النموذج النيوليبرالي تظهر بوضوح، كمرض مزمن تحاول الحكومات إخفاءه بالمسكنات دون معالجة الجذور.

لقد تبيّن أن الاقتصاد حين يُترك بلا ضوابط يتحول إلى غابة، وأن السوق عندما تُفلت من يد الدولة تصبح أداة بيد رأس المال الكبير، لا وسيلة لتحقيق الرفاه العام.

 بل إن كثيرًا من الدول الأوروبية الكبرى بدأت منذ سنوات مراجعة عميقة لسياساتها: ألمانيا وإسكندنافيا تعودان إلى تقوية شبكات الأمان الاجتماعي، فرنسا تعيد تعزيز دور الدولة، وحتى بريطانيا نفسها تتحدث ولو خجلاً عن ضرورة "إعادة بناء الدولة”.

وهنا يفرض السؤال نفسه: هل المشكلة في مفهوم السوق أم في النموذج الذي يتحكم به؟

في الحقيقة، ليست الأسواق هي المشكلة، بل غياب المجتمع داخل معادلة السوق. فمن دون مجتمع قوي، متضامن، ومُمكَّن، يتحول الاقتصاد إلى مضخة تُغني القلة وتُفقِر الكثرة.

ومن هنا تبرز أهمية اقتصاد السوق الاجتماعي، لا بالصيغة التقليدية التي عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بل بنموذج حداثي جديد يستجيب لتحولات القرن الحادي والعشرين.

 اقتصاد يوازن بين حرية السوق ومسؤولية الدولة، بين الابتكار والمساءلة، بين الربح والعدالة، بين المبادرة الفردية والكرامة الجماعية.

 اقتصاد يؤمن بأن الفرد يتطور عبر المجتمع، لا بمعزل عنه، وأن الدولة ليست عبئًا بل شريكًا، وأن الخدمات العامة ليست "منحًا"، بل استثمار طويل المدى في رأس المال البشري.

في عصر الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المعرفي، والتحول الأخضر، لا يمكن لسياسة "كل فرد لنفسه" أن تبني مستقبلًا مستدامًا

فالعالم الجديد يحتاج إلى شبكات حماية اجتماعية ذكية، وتعليم متقدم، وبنية تحتية تكنولوجية، ونقل عام كفؤ، وسياسات ضريبية عادلة، وقواعد تمنع تركّز الثروة وتوسع الفجوة الطبقية

هذه ليست كماليات، بل شروط لتنافسية الاقتصاد ذاته.

لقد أثبتت التجربة أن المجتمع ليس رفاهية، بل بنية أساسية للاقتصاد الناجح. وأن الدولة عندما تنسحب بالكامل من دورها، لا يصبح الأفراد أكثر قوة، بل أكثر هشاشة.

 وأن قدرة الإنسان على الإبداع تحتاج بيئة تحميه، وأن النمو الاقتصادي يحتاج عدالة كي يستمر.

إن العالم يقف اليوم أمام لحظة مراجعة كبرى: النيوليبرالية التي بدأت مع تاتشر وريغان لم تعد قادرة على تفسير الواقع ولا إصلاحه. والمستقبل لن يُبنى إلا على عقد اجتماعي جديد، وعلاقة متوازنة بين الدولة والسوق والمجتمع، ورؤية اقتصادية تُعيد للإنسان مكانته، وللجماعة قيمتها، وللمصلحة العامة وزنها.

وهكذا، يبدو واضحًا اليوم أن الجملة التي قالتها تاتشر عام 1987 ليست حقيقة، بل مشكلة.

فالمجتمع موجود… وعندما يضعف، يمرض الاقتصاد معه.

أما الأفراد، فلا ينهضون إلا حين ينهضون معًا.