رحلة الشتاء...
بقلم / سوسن الحلبي
رحل الخريف ماضيًا في
دربه... والبرد جاء بعد أن حلّت بداياتُ الشتاء بأول كوانينه...
وارتسم البحر الجميل في
مخيّلتي... فكم كنت أتمنى رؤيته أمامي!! لكنّ عينيّ بعيدتان كلّ البعد عنه... ولا
أرى منه سوى ذكرياتٍ جميلةٍ وبعض أحلامٍ رسخت في خيالي...
كان البحر غاضبًا
يُعاتب موجه... ويضرب هائجًا صخور شطآنه... وكانت أمواجه الحزينة تتسابق في
عرض البحر، لتصل إلى غير شطآنه، حاملةً معها رسائل من دموعٍ وحنين...
كنت أسمعهم يقولون إن
الأرواح الجميلة تلتقي دومًا في ديسمبر... لكني لا أخاله إلا شهرًا للفراق؛
فحتى السنين تودٍّع بعضها في نهاياته، ولا تعود لتلتقي ثانيةً من جديد...
وعزمتُ رغم العواصف أن
أُبحر بين أمواجه... لم أكترث لهدوئه أو هيجانه؛ فحنينه أبدًا خالدٌ في داخلي، لا
ينجلي مهما اشتدَّ الريح أو شقَّت الطرقات...
ومضيتُ سائرةً في
الحياة بتيهِ روحي... أمضي والوجع ساكنٌ في أعماقيّ لا ينفضُّ ولا يستكين... أمضي
بشراعٍ أعدَّه لي القدر... يُبحرُ حيث ترسو بي الحياة، بعد تِرحالٍ طويلٍ...
والرحلةُ تجمعني بأحبةٍ
للروح، ثمَّ تفرقنا من جديد... فهكذا كُتب علينا، وكلّ مرفأٍ لنا نصيب...
تُبحرُ بشراعك حامِلاً
معك كثيرًا من البشر، على متن قاربك الصغير... منهم من يرافقك البدايةً، ومنهم من
يُكمل معك الطريق... منهم من يفارقونك بأجسادهم، لتبقى
أرواحهم تعيش بداخلك
حتى نهاية المشوار... فليس كلّ الأرواح يسهلُ فراقها، ولا كلّ القلوب تستجيب
للرحيل...
وتُبحرُ أحيانًا نحو
منتصف البحر، وتجهل من أين تعود... فتلقي ما في صدرك من همومٍ، خوفًا من أن تغرق
بثقلها نحو قيعانه... ثم تُكمل رحلتك نحو الشاطئ على أمل الوصول... وتستمر في
رحلتك ماضيًا شهورًا تعقبها سنين...
وعلى الشطآن كفوفٌ
تُلوّح لك بالنجاة من بعيد.. لكنك بعيدٌ أكثر مما ينبغي، ولن تستطيع الوصول إلاّ
إذا عزمت النجاة... فهذه هي الحياة؛ إن لم تُعيننا خطواتنا على المضي، فسنُنسى حتى
وإن عرفنا الطريق...
















