لو كان أرسطو يعيش في الأردن اليوم: نصائح فيلسوف لبناء دولة حديثة
بقلم:
المهندس نبيل إبراهيم حداد
مستشار
الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع
لو
كان أرسطو يعيش في الأردن اليوم، فمن المرجح أنه كان سيتجنب الانخراط في السجالات
اليومية أو الاصطفافات الأيديولوجية الحادة. فهو لم يكن فيلسوف شعارات أو ثورات،
بل كان مفكرًا يهتم بـ بناء الأنظمة، وتحقيق التوازن، وضمان ديمومة المؤسسات.
كان
سؤاله الجوهري الدائم: كيف تستمر الدولة وتبقى عادلة في آنٍ واحد؟
ومن
هذا المنطلق، فإن نصيحته للأردنيين ستكون هادئة، عملية، وعميقة الصلة بواقعهم
المعاصر.
أولًا:
حافظوا على الدولة قبل مطاردة المثاليات
كان
أرسطو يؤمن بأن وجود الدولة يسبق كل الطموحات السياسية. فبدون دولة فاعلة، لا يمكن
تحقيق عدالة، ولا إصلاح، ولا ازدهار.
ولو
خاطب الأردنيين اليوم، لقال إن الإصلاح الحقيقي لا يجب أن يُضعف شرعية الدولة أو
تماسكها. فالتغيير المطلوب يجب أن يكون تصحيحيًا لا هدميًا.
الاستقرار
ليس نقيض الإصلاح، بل هو شرط نجاحه.
وكان
سيحذّر من أن كثيرًا من الدول لم تسقط بسبب غياب القيم، بل بسبب السعي لتحقيقها
دون انضباط مؤسسي.
ثانيًا:
وازنوا السلطة ولا تركزوها ولا تهدموها
كان
أرسطو يخشى تطرفين أساسيين: الاستبداد والفوضى. وكان يرى أن أفضل النظم السياسية
هي تلك التي تُدار فيها السلطة بتوازن، وتُقيد بالمساءلة، ولا تُحتكر من طرف واحد.
وفي
السياق الأردني، كان سيؤكد على:
• تعزيز منظومة التوازن والرقابة بشكل تدريجي
• تجنب خطاب "الدولة مقابل الشعب”
• ربط الصلاحيات دائمًا بالمسؤوليات
فمن
وجهة نظره، السلطة غير الخاضعة للمساءلة، كما المعارضة غير المسؤولة، كلاهما خطر
على استقرار الدولة.
ثالثًا:
بناء طبقة وسطى قوية ضمان للاستقرار
من
أهم استنتاجات أرسطو أن الطبقة الوسطى هي عمود الاستقرار السياسي. فالمجتمعات التي
تهيمن عليها الفجوات الحادة بين الغنى والفقر تكون أكثر عرضة للاضطراب والشعبوية
والانقسام.
ولو
نظر إلى الواقع الأردني، لشدّد على:
• توسيع فرص العمل المنتج
• مواءمة التعليم مع احتياجات الاقتصاد الحقيقي
• ترسيخ مبدأ الكفاءة والاستحقاق
ففي
فكره، لم تكن الاختلالات الاقتصادية مسألة اجتماعية فقط، بل مخاطر سياسية كامنة.
رابعًا:
علّموا الفضيلة لا الوظيفة فقط
كان
أرسطو يرى أن التعليم هو المحرّك الأخلاقي للدولة. فالمجتمع الذي يخرّج أفرادًا
مهرة دون تأصيل أخلاقي، يُنتج مواطنين أذكياء، لكنه لا يُنتج مواطنين مسؤولين.
ولهذا،
كان سينصح الأردن بـ:
• تعزيز التربية المدنية والأخلاق العامة
• إعادة الاعتبار للمهنية والخدمة العامة
• تعليم الواجبات إلى جانب الحقوق
فالفساد،
في نظره، ليس خللًا قانونيًا فحسب، بل فشل في بناء القيم والسلوك.
خامسًا:
الاعتدال… الفضيلة الغائبة
ربما
كانت أهم نصيحة يقدمها أرسطو للأردن اليوم هي مبدأه الشهير: الوسط الذهبي.
كان
سيحذّر من:
• الشعبوية القائمة على الانفعال
• استيراد نماذج فكرية لا تنسجم مع الواقع المحلي
• المواقف المطلقة التي لا تترك مجالًا للحلول
الوسط
وفي
المقابل، كان سيدعو إلى:
• إصلاح تدريجي
• حلول نابعة من السياق الوطني
• براغماتية عقلانية بدل نقاء أيديولوجي وهمي
فالاعتدال،
في فلسفته، ليس ضعفًا، بل حكمة عملية تحفظ الدول.
خاتمة:
درس هادئ لكنه عميق
ولو
أراد أرسطو أن يختصر نصيحته للأردنيين في جملة واحدة، لقال على الأرجح:
لا
تنشغلوا بالجدل حول الدولة المثالية، وأنتم تهملون الدولة الجيدة التي تملكونها.
حسّنوها بحكمة، وإلا خاطرتم بفقدانها.
لقد
قام تاريخ الأردن على التوازن، والتكيف، والإصلاح الحذر عبر المؤسسات.
وكان
أرسطو سيجد فيه دولة لا تحتاج إلى هدم أو قطيعة، بل إلى إدارة واعية ومسؤولة.
وفي
فلسفته، تلك هي أرقى أشكال السياسة.













