ما الذي يحتاجه الأردن بالاتفاقيات مع المستثمرين الأجانب ياستثمار الموارد الطبيعية الاستراتيجية؟
إعداد:
المهندس نبيل إبراهيم حداد
مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع
مقدمة
يحتاج الأردن بصورة ملحّة إلى استقطاب الاستثمارات في قطاعات
استراتيجية مثل التعدين والطاقة والمياه. فحجم رأس المال، والتكنولوجيا المتقدمة،
ومستوى المخاطر المرتبطة بأعمال الاستكشاف والتطوير غالبًا ما يتجاوز الإمكانات
المالية الحالية للدولة، ما يجعل الشراكة مع المستثمرين الأجانب خيارًا عمليًا
وواقعيًا.
غير أن الضرورة لا تبرر اتفاقيات ضعيفة. فالاستثمار في
الموارد الطبيعية غير المتجددة يجب أن يخضع لانضباط قانوني واضح، وتوزيع عادل
للمخاطر والعوائد، وحوكمة شفافة، لأن هذه الموارد ملك للشعب وللأجيال القادمة،
وليست ملكًا لأي حكومة مؤقتة.
تحدد هذه الورقة المرتكزات الأساسية التي يجب أن تتوافر في أي
اتفاقية مع مستثمرين أجانب لضمان تحقيق المصلحة الوطنية دون المساس بالسيادة أو
تقويض المساءلة.
أولًا: وضوح أطراف التعاقد والأهلية القانونية
يجب أن تُحدّد أي اتفاقية بشكل صريح وواضح:
• جميع أطرافها بأسمائهم
القانونية الكاملة
• أرقام التسجيل والاختصاص
القضائي
• هيكل الملكية والملكية
المستفيدة النهائية
• المفوضين بالتوقيع
وصلاحياتهم
ولا يجوز أن تتضمن الاتفاقية:
• منح حقوق لشركات تابعة أو
أطراف غير مسماة
• السماح بنقل السيطرة أو
التنازل عن الحقوق دون موافقة الدولة
• الاعتراف بكيانات غير
قائمة قانونيًا أو مزمع إنشاؤها مستقبلًا
وضوح الأطراف هو حجر الأساس في المساءلة والتنفيذ القانوني.
ثانيًا: سمو القانون الوطني والالتزام الدستوري
يجب أن تعمل اتفاقيات الاستثمار ضمن الإطار القانوني الأردني
لا فوقه.
وعليه:
• يظل الدستور والقوانين
الوطنية نافذة وواجبة التطبيق
• تطبّق قوانين البيئة،
والضرائب، والعمل، والمسؤولية المدنية، والأراضي دون استثناء
• لا يجوز لأي اتفاقية أن
تعرّف «القانون الواجب التطبيق» على أنه الاتفاقية نفسها
الاتفاقيات أدوات تنفيذ، وليست بديلًا عن التشريع.
ثالثًا: تسوية النزاعات واحترام السلطة القضائية
ينبغي أن تراعي آليات تسوية النزاعات ما يلي:
• أولوية القضاء الأردني في
القضايا ذات الطابع السيادي
• حصر اللجوء إلى التحكيم
في النزاعات التجارية البحتة
• عدم المساس بحق الدولة في
التنظيم والتشريع
إن الإحالة التلقائية إلى التحكيم الدولي في جميع النزاعات،
خصوصًا تلك المتعلقة بالسياسة العامة أو البيئة أو الضرائب، تخلق مخاطر سيادية
طويلة الأمد.
رابعًا: الإطار المالي العادل والشفاف
يجب أن توضح أي اتفاقية بشكل لا لبس فيه:
• أسس احتساب الإتاوات على
أساس قيمة البيع الفعلية
• نسب إتاوات تصاعدية
مرتبطة بالكميات والأسعار العالمية
• معالجة واضحة وصريحة
للمعادن المصاحبة، بأسمائها وقيمها
• إخضاع الأرباح لضريبة
الدخل دون تثبيت أو تحصين
• آليات لفرض ضريبة الأرباح
غير المتوقعة
• منع التلاعب بالتكاليف أو
نقل الأرباح بين الشركات
إذا لم تتمكن الدولة من احتساب حصتها المتوقعة بوضوح في
سيناريوهات سعرية مختلفة، فإن الاتفاقية تكون محفوفة بالمخاطر المالية.
خامسًا: توزيع المخاطر والحماية البيئية
يجب أن يتحمل المستثمر:
• المسؤولية الكاملة عن أي
ضرر بيئي
• تكاليف إعادة التأهيل
والإغلاق
• تقديم كفالات مالية كافية
لتغطية أسوأ السيناريوهات
ويجب أن تتضمن الملاحق البيئية:
• حدودًا رقمية واضحة
للانبعاثات
• ضوابط لاستخدام المياه
وإعادة تدويرها
• معايير صارمة لإدارة
النفايات
• التزامات قابلة للقياس
والتنفيذ
لا يجوز تحميل المجتمع مخاطر بيئية مقابل أرباح خاصة.
سادسًا: ملاحق مكتملة ونهائية
لا ينبغي إقرار أي اتفاقية إذا كانت:
• الملاحق غير مكتملة أو
خالية من البيانات
• الكفالات المالية غير
محددة القيمة
• برامج العمل والجداول
الزمنية عامة أو إنشائية
• خطط الإغلاق وإعادة
التأهيل غير واضحة
إقرار اتفاقيات بملاحق ناقصة يفرغ الرقابة التشريعية من
مضمونها.
سابعًا: الشفافية والمساءلة والرقابة البرلمانية
مع احترام الأسرار التجارية المشروعة، يجب أن:
• تكون الاتفاقية متاحة
بالكامل لمجلس الأمة والقضاء
• تخضع لرقابة الجهات
التنظيمية وديوان المحاسبة
• يُتاح للرأي العام
الاطلاع على المعلومات الجوهرية المتعلقة بالعوائد والأثر البيئي
السرية هي الاستثناء، لا القاعدة، عندما يتعلق الأمر بالموارد
العامة.
ثامنًا: مدة الاتفاقية وآليات المراجعة والخروج
يجب أن تتضمن الاتفاقيات طويلة الأمد:
• مراجعات دورية إلزامية
• إمكانية التعديل وفق
المتغيرات الاقتصادية والتنظيمية
• حق الدولة في الإنهاء عند
الإخلال الجوهري أو التضليل
• تجنب فترات الالتزام
الطويلة التي تقيد الحكومات المستقبلية
المرونة ليست عدم استقرار، بل حوكمة رشيدة.
خاتمة
الأردن بحاجة إلى الاستثمار الأجنبي، لكنه بحاجة أكبر إلى
استثمار ذكي.
الاتفاقيات التي تحكم استثمار الموارد الطبيعية الاستراتيجية
يجب أن تكون:
• سليمة قانونيًا
• عادلة اقتصاديًا
• مسؤولة بيئيًا
• شفافة ومساءلة مؤسسيًا
هذا الطرح ليس معاديًا للاستثمار، بل هو مؤيد لاستثمار يخدم
الأردن.
فالاستثمار الذي يحترم هذه المبادئ يجذب المستثمر الجاد،
ويقلل النزاعات، ويحمي المصلحة الوطنية. أما الاستثمار الذي يتجاوزها، فيحمل كلفًا
طويلة الأمد مهما كانت مبرراته الآنية.













