الهوية الوطنيةالتي أثارت الجدل
الأحزاب السياسية حادث طبيعي متولد
قصي العبادي
ارتفع اليوم الحجاب عن وجه الحقيقة، وانجلت سحابة التغرير والتمويه بأن يحل الأمر في محله ويُعهد بالوظائف الى المقتدرين عليها، فيعين في المناصبِ رجالٌ من ذوي المعرفةِ والدرايةِ والوقوف على اللسان المحلي، فاستبشر عقلاء الشعب خيراً وعاد الامل الحي الناهض الذي استقبلوا به المئوية الجديدة بقلوب ملؤها الإخلاص والوفاء، ونستطيع القول إن الأحزاب السياسية هي حادث طبيعي متولد بأسباب طبيعية وناشئ عن حاجة الأمة إليها حاجة ضرورية.
تتكون الأحزاب السياسية في الحكومات القانونية بعوامل تقتضيها حالة البلاد ويستدعيها استعداد الأمة وتستلزمها إرادة الشعب، ثم تحوطها روحً عامة تتجلى في نفوس الأفراد وتتمكن من عقولهم حتى تُكوّن شعوراً عاماً واعتقاداً شاملاً يتحصل منه مدد لنماء تلك الاحزاب وغذاء يكتمل به تكوينها ويتم به نشوءها، ثم تندرج بهذا المدد وبما يتبعه من المناسبات و الحوادث في مراتب كمالها التي استعدت له في أصل بنيتها تدرجاً يشرف بها على ما تتطلع إليه من المقاصد التي إنعقدت من أجلها حتى تستولي منها على الغاية المطلوبة والنتيجة المرغوبة.
ثم لا تزال كذلك في نماءٍ دائم وارتقاء مستمر وحياطة من الافكار العامة إلى أن تُحدث في الافكار روحاً أخرى يبعثها تقادم الزمان ونبوغ أسباب خاصة، وعندها تكون الأحزاب بين أمرين: إما أن تعدل في أسلوبها ومجرى أحوالها إلى ما يناسب الروح الجديدة المنبثة في الافكار والمسيطرة على الآراء فتحفظ بذلك كيانها وتدعم أركانها، وإما أن تبقى جارية على نهجها سادرة في غفلتها عن مادة بقائها.
نحن الآن أمام زمان عجيب أصبحت الأحوال السياسية فيه مشتبهة لا يستطيع أحد تعيينها تعيينا قطعيا، لكن يمكن أن يُستخرج من هذه الاحوال المشتبهة حالة منتظمة. ومعلوم أن الغاية التي ترمي إليها الأحزاب السياسية إنما هي إحداث شكل جديد في إدارة الحكومة، والتغيير في أشكال الحكومات لا يقوم إلا بسعي الجماعات، وهذا السعي لا يتأتى إلا بسوائق حقيقية تسوق القائمين به إلى اقتحام الأخطار واحتقار المنافع الشخصية وطراحها والمفاداة بالراحة، وهُم انما يكونون من نخبة رجال الامة غالباً. وإن تلك الاحزاب لم تفز برغبتها في أمة من الأمم إلا إذا اتفق لها أحوال الاجتماع حال يتهيأ لها بها أن تنمو عناصرها وتشيع تعاليمها وتحل من النفوس محل القبول وتصادف من القلوب إعتقاداً بموافقة مبادئها للمصالح العمومية.
ولا ريب أن أعمال السياسية كلها نتائج مقدرة محسوبة فمن قويت فطنته وعظمت درايته فهو الرابح ومن يبتعد عن ذلك فهو محكوم عليه بالفناء العاجل. فاعلموا أنه لم يبق سبيل للسير في طريق الخطأ، فكل يوم نتأخر فيه يُسجل علينا لا لنا.
فالأحزاب تُخلق بخلق مبادئها، وتلك المبادئ انما تخلق اولا في النفوس، وهنالك تنمو بذورها وتتأصل جذورها وتستوي على سوقها، ثم يكون من اول ثمراتها أن تؤلف بين المتفرقين وعندما يدخل جميعهم في شكل خاص بهم، ويأتلفون تحت عنوان واحد، ثم تندفع الأحزاب في أعمالها وتفوز بما ترجوه من آمالها.
بتأليف حزب تنتظم فيه سائر العقول المختلفة، فتكون فيه قوة عظيمة وموافيا لرغائب الأمة ومعبراً عن شعورها ومنفذاً لإرادتها. والكل يوافقني الرأي بأن الحزب لا يزداد على كثرة المدافعة إلا نفوذاً وانتشاراً وكثرة وقوة، وهو لا يزال كذلك مناطاً للآمال ومطمحاً للأنظار وموضعاً لثقة الشعب.
واختم بالإضافة لما تحدث عنه دولة سمير الرفاعي لتحديث المنظومة السياسية حول الهوية الوطنية الجامعة التي أثارت الجدل في المجتمع الأردني وأقول هنا مضيفاً بل مؤكداً لما يقصد بأن شعبنا الأردني هو صور من بعضه وإن اختلفت أصوله وظواهره فإنها لا تختلف في الروح والجوهر فعلى قدر سعيهم ونجاحهم وخدمتهم يكون النجاح.
حمى الله الاردن ملكاً هاشمياً عظيماً وشعباً اردنياً عريقاً.